سلطة فواكه
بملعقتها الخشبية الكبيرة تحرك الحساء في تلك القدر المتهالكة، تدور بها كمن يطوف بين السماوات وكمن يدور في بيته كناسك متعبد أثقلته الذنوب..
فأنكب غافلاً عن من يدور حوله
وأنا أدور حولها كفراشة النور، أحاول الاقتراب وأنا أعرف نهايتي حتاماً علي أن أحترق بفوران قلقها..
أقترب شهر الله الكريم وليس لدينا سوى بِضعٌ من أحتياجاتنا .. حفنة من دقيق وبقية من أرز المؤسسة الرديء
وسكر كنت أظنه على غمق لونه
أن حبات الشوندر قد تم طحنها بترابها وقشرها ولبها وبقية من عرق الفلاحين المجهدين..
يضيف إلى كأس الشاي معاناة أخرى
كلما هممنا كفتيات المنزل بإعداده ننتظر ركود الماء فقد تم تحويل مياه عين الفيجة إلى جهات لا نعلمها
وبقيت لأهل دمشق وغوطتها التي طالما سقيت عطاشها مياه أبار مكدسة بترسبات رملية تستقر في كلية أمي التعبة فتكثر معها كريزات الألم التي أعتادتها..
وبقي كأس الشاي معكراً وبقي مزاج العائلة معكراً مع كل محاولاتنا الفاشلة على إثبات نجاحنا كربات منازل افتراضيات..
تهمهم أمي كيف ستكفينا تلك الأشياء لهذا الشهر الطويل، وهي تنظر بعين رحمتها إلى أطفال ثمانية تحثهم كل عام على الصوم وتعيننا برأفتها المبالغة على التصبر وإكمال يومنا دونما تململ..
هو وضميره ومبادءه التي لم يتركها كلما زادت الأسعار زاد تمسكاً بها .. تنظر إليه شزراً ولكنها سرعان ماتعاود بإيقاظ غفلة ضميرها المؤقتة..
هل يسرق هل ينهب؟!
بسم الله تتساقط حبات الملح على ذلك القدر وهي تلفظها وبين حروفها كل الدعاء التي لم تستطع أُميّتُها إجادة دعاء المشايخ الذين يتسلقون المنابر ويدعون للحاكم ويشكرون خيره الذي عم البلاد وسلب العباد حتى دعائهم في جوف سرهم..
تناديني أن أرفع صوت التلفاز فالشيف الذي أحبت وصفاته موعد حلقته قد أزف بعض منها..
تترك مأزرها وتغسل تعبها من بين يديها العاجية وكطفل صغير مندهش تراقب..
سيدتي اليوم وصفتنا هي سلطة الفواكه بعد شرح للعناصر الغذائية القيمة في الطبق..
يبدأ إعداده وهي تصغي بإهتمام بالغ وتنهرني أكتبي أكتبي الوصفة
سيدتي الموز غني بالمعادن “البوتاسيوم” كثير السعرات يساعد على تحمل ساعات الصيام..
تنظر إلي كمن أكتشف أمراً هاماً: لِمَ تبقين بذلك النُحف كأنك ميتة .. لطالما أمي نعتتني بذلك وكنت في وجهها أضحك وأتحسس عظامي التي بانت وأتذكر غدرها بي وهي تطعمني مرغمة قطعاً من اللحم الذي لا أستسيغه وتلك الكبد التي أطعمتني إياها بدمها متآمرة مع عمي الذي كان قد قيل لي بأنه قد أكل في معسكره في الجيش أفعى بذيلها ورأسها..
مازلت لا أستسيغ اللحم وأستغرب نهم البشر إليه وأغبط أحياناً لذتهم وهم يتناولهن، لكن أكل الأكباد نيئة ومطبوخة فأُرضي كل مكنون الشر لدي..
مازال الشيف يقارع تلك الصحون والقدور بوصفة لا يلزمها كل ذلك الكادر والإضاءة والوقت المستقطع من تلك المحطة.. أضيفي سيدتي بعض شرائح من التفاح
وحبات من “strawberry” تسألني كطفلة على مقعد المدرسة ما هذا الشيء وكأنني فزت بجائزة كبيرة .. أنفش ريشي كَديكِ خالي اللئيم في مزرعته الذي لم يدع رجل أحدٍ منا إلا وينقرها ؛ أنها الفراولة … تمام أمممم فراولة إذاً .. نعم أجيبها وأيضا كيوي
لم نكن نعرف ما هي هذه الفاكهة بالتحديد، كنا نراها عن بعد في أحدى المتاجر أو الأسواق ومنها سوق التنابل..
ذلك السوق الذي يكتظ بسيدات أنيقات يرتدين المعاطف الجلدية الذي يعلوها فرو جميل خُيّلَ لي بأنها قد وضعت أرنباً على منكبيها وجرت به من مزرعة خالي أيضاً..
أكتب وأكتب وأمي تملي علي الملاحظات، وأن أنظر إلى ثلاجتنا التي تشكو رفوفها من الوحدة، وأمي تعكف على تحضير تلك الوصفة بطريقتها.. وتضيف الخيار بدل الكيوي وتقول كَلونهِ هو أيضاً أخضر والطماطم بدل الفراولة لأنها مثلها بلون أحمر..
وأنا وهي نسأل أهل البيت ما رأيكم بوصفتنا ونضحك!!
خالدة محمد