ما السياق الذي ارتكبت فيه #مجزرة_التضامن؟
مطر اسماعيل
ارتكبت #مجزرة_التضامن والتي راح ضحيتها 41 مدنيا سوريا، في السادس عشر من شهر نيسان/أبريل عام 2013، في حي #التضامن جنوبي دمشق، الذي كان النظام يسيطر على ثلثيه بينما تسيطر المعارضة على الباقي، خلال الفترة التي سادت فيها أجواء استعدادات الثوار للدخول إلى العاصمة دمشق وبدء معركة إسقاط النظام عسكريا.
وقعت المجزرة في الجزء الجنوبي الشرقي من #التضامن، سيوضح التحقيق موقعه بالضبط بعد جهود وبحث مطوّل، لكن ما يهمنا هو أن المنطقة كانت قريبة من خط التماس مع فصائل المعارضة في شارع دعبول- منطقة سليخة المدمرة، أي أن خط التماس هو جبهة قتال لا يوجد فيها سكان إطلاقا بعد تهجيرهم قبل عدة أشهر، المنطقة التي نفذت فيها المجزرة ما زالت مستباحة لليوم حسب معلوماتنا، ويمنع الوصول إليها.
يبعد موقع المجزرة عن حاجز مخيم اليرموك الفاصل بين المخيم وحي الميدان، تحديدا منطقة دوار البطيخة، قرابة 1-1.5 كم، كان الناس بعد سيطرة الجيش الحر على المخيم في كانون الأول/ديسمبر 2012، يضطرون للخروج بالمئات يوميا نحو دمشق لتأمين حاجياتهم بعد فرص حصار جزئي على المنطقة، ثم يعودون قبل المغرب، مع إغلاق الحاجز مساء من قبل النظام، ومنهم من كان يهرب من الحصار دون عودة.
عملية الخروج كانت خطيرة ومرعبة -عشتها لمرة أولى وأخيرة-، حيث كانت تتخللها حالات قنص للمارة المضطرين إلى التوجه من ساحة الريجة نحو شارع اليرموك الرئيسي وصولا إلى الحاجز، مسافة قدرها حوالي -600400 مترا، في أي سنتيمتر منها يمكن أن تسقط شهيدا، كانت مكشوفة لقناصي النظام الذي كانوا يتسلّون في كثير من الأحيان باستهداف المدنيين مما أوقع عددا من الشهداء، ثم بعد وصول الأهالي إلى الحاجز يخضعون لعملية تفتيش دقيقة اشتدت بمرور الوقت، وهناك اختفى العشرات وربما المئات من المدنيين دون أن يعرف مصيرهم -عدا المحظوظين منهم-، وهناك في الغالب اختار الرائد أمجد اليوسف قائمة ضحاياه العشوائية، ليتسلى هو الآخر بهم في سبيل الانتقام والتشفّي من أبرياء عزّل.
من المعلوم أن المنطقة المحيطة بحاجز قوات النظام كالثقب الأسود، فهي تمتد من منطقة بنايات القاعة، مسجد الماجد، مسجد البشير، وصولا للفرن الآلي بين الزاهرة والتضامن، هذه الخاصرة كانت مرتعا لأقذر شبيحة عرفتهم العاصمة، وهم شبيحة شارع نسرين، الذين انتسبوا لعدد من الأجهزة الأمنية والعسكرية أهمها “الدفاع الوطني”، وسُمّوا على اسم شارع نسرين في حي التضامن والذي تقطنه غالبية علوية.
شكّل الشارع/الدويلة حالة رعب للمناطق المحيطة، واشتهر شبيحة شارع نسرين في قمع المظاهرات ثم في حملهم السلاح باكرا وتشكيل ميليشيات ارتكبت مئات المجازر بحق المدنيين، وأخذت طابعا طائفيا كونها تشكّلت في الغالب من أبناء طائفة واحدة، كان من بينهم الرائد أمجد اليوسف الضابط في فرع المنطقة 227 التابع لشعبة الأمن العسكري.
في الفترة التي ارتكبت فيها المجزرة كنت موجودا في حي التضامن ولكن في مناطق المعارضة، لم يكن غريبا في خضم المناوشات والعمليات القتالية التي تسفر أحيانا عن تحرير قطاعات والتقدم في كتل سكنية، أن تجد جثة لمدني محروقة ومرمية على سطح أحد المباني، أو تدخل كتلة سكنية فتجد جثثا تمت تصفيتها ورميها في مداخل الأبنية، كان شبيحة نسرين ينتقمون من المدنيين القلّة الذين تشبّثوا بمنازلهم نتيجة الفقر وقلة الحيلة، عبر عمليات تصفية ممنهجة وإعدام بدم بارد، خاصة عند خسارتهم لنقطة عسكرية أو سقوط قتيل في صفوفهم خلال الاشتباكات المسلحة.
لكن، ما الذي يختلف في الصور والمقاطع المصوّرة التي سربها القائمون على التحقيق المنشور في الغارديان؟ -وهم المجند العلوي بطل القصة، بالتعاون مع الباحثين أنصار شحود وأوغور أوميت أونغور-، الاستثنائي هو طقس الجريمة، الرائد أمجد قرر أن يختار عينة عشوائية من ضحايا مدنيين، تثبت أزياؤهم وصحتهم أنهم لربما قد اعتقلوا في اليوم نفسه أو خلال أيام قليلة فائتة، لا تظهر عليهم علامات خوف أو تحضّر للإعدام، لا يبدو أن هناك شكّ حقيقي في أنهم سيرمون بالرصاص بعد قليل، شباب ورجال، ملابسهم توحي بفقر الحال و”العادية”، بمعنى أن الضحية ممكن أن تكون أي مواطن سوري يخرج عبر الحاجز يوميا، أو تواجد مصادفة في الشارع، دون أن يُسأل عن موقفه السياسي، وربما بعضهم موالين للنظام أصلا.
تم سوقهم معصوبي الأعين مكبّلي الأيدي إلى الخلف، لربما ظنّوا أنهم سينقلون إلى أحد الأفرع الأمنية، ودعوا الله في سرّهم حينها أن يموتوا قبل ذلك خوفا من المعتقل المتخيّل، لكن الرائد أمجد اليوسف الذي قُتل شقيقه في ليلة رأس السنة قبل قرابة أربعة أشهر، كان يحضّر طقسا من نوع خاص، يوهم فيه المعتقلين أن عليهم الركض للنجاة من رصاص قنّاص، دون أن يدروا أنهم يركضون نحو حتفهم، إلى حفرة أعدّت على عجل لهذه المجزرة، ثم تكدّست بعشرات الجثث، قبل أن تُرصف بإطارات السيارات وتتحضّر لتلقّي أول شعلة نار ستلتهم جثث ضحايا عزّل لا حول لهم ولا قوة إلّا أنهم ظنوا للحظة أن مثل هذه الجرائم لا يمكن أن تحدث إلا في الأفلام والروايات.