17 نيسان ورغبة الانعتاق
هناء درويش
تمثل رمزية هذا التاريخ الكثير للسوريين، فهي ليست كما تم اختصارها بأنها خروج للانتداب / الاستعمار / الفرنسي من سوريا، والذي كان قد بدأ دوره بالتراجع منذ العام 1936،
إنما كان بداية الخطوات الأولى لتشكيل الدولة السورية الوطنية بشكلها الحالي.
بعد تقاسم التركة العثمانية من قبل الدول الفائزة بالحرب العالمية الأولى واستمرار هذا التقاسم عبر اتفاقات بين هذه القوى، كاتفاقيات ماسمي مؤتمر السلم المنعقد في «سان ريمو» الإيطالية في (6 شعبان 1338هـ= 25 إبريل 1920م) والتي كانت مخيبة لآمال العرب حينها، فقد قرر الحلفاء استقلال سوريا تحت الانتداب الفرنسي، واستقلال العراق تحت الانتداب البريطاني، ووضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني، وكان ذلك تمهيداً لتحقيق وعد بلفور لليهود فيها، كذلك اتفاقية ترسيم الحدود التقسيمية بين وزيري خارجية فرنسا وبريطانيا بما عرف باتفاقية سايكس بيكو في 1916 وهي المعاهدة السرية التي تم توقيعها بين فرنسا والمملكة المتحدة بحضور مندوبين من الإمبراطورية الروسية آنذاك وإيطاليا على اقتسام منطقة( الهلال الخصيب) بين فرنسا وبريطانيا، ولتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا وتقسيم الدولة العثمانية التي كانت المسيطرة على تلك المنطقة في الحرب العالمية الأولى.
كل هذه الاتفاقيات رسمت فيما بعد شكل الدول كماهي عليه اليوم جغرافياً وديموغرافياً وإثنياً، وهو ما أسس لاحقاً لكيانات صغيرة تحولت إلى دول.
من هنا تأتي أهمية هذا التاريخ في كونه بداية لتأكيد استقلالية الدولة السورية بشكلها الحالي جغرافياً، حيث عمل الآباء المؤسسون للدولة السورية على محاولة صياغة عقد سياسي واجتماعي لهذه الدولة وانتاج دساتير تحقق لهذه الدولة نوعاً من الحرية السياسية والاجتماعية، لكن هذه المحاولات اصطدمت بعقبات كثيرة، فقد كان قيام / إسرائيل / وحرب ال ١٩٤٨ وخروج العرب منهزمين بمافيهم الجيش السوري، ومن ثم سلسلة الانقلابات العسكرية التي بدأت بانقلاب حسني الزعيم ومن ثم سامي الحناوي ومحاولة استعادة الدولة بعد انقلاب الشيشكلي، إلا أن الصراعات السياسية والصراعات داخل الجيش كانت قد وصلت لمرحلة لايمكن العودة معها لحلم الدولة الوطنية، الذي اجهضه قيام الوحدة مع مصر ومن ثم الانفصال السريع، وانقلاب البعث في ٨ آذار ١٩٦٣ الذي اختطف جميع محاولات التنوع السياسي، محولاً العملية السياسية الديموقراطية الناشئة إلى سياسة الحزب الواحد،. والذي انتج بعد سلسلة من الصراعات سلطة الاستبداد التي اقامها حافظ الاسد، بعد عدد من التحولات التي قادها بانقلابه عَلى رفاق الأمس.
اليوم يستذكر السوريون محاولات الانعتاق الحديث، والبحث عن شكل الدولة ومفهومها الوطني الذي بدأ مع ثورة الكرامة منتصف آذار ٢٠١١، والذي اظهر حدود الصراع والانقسام المجتمعي الذي عمل عليه نظام الاسد كثيراً خلال فترة حكمه.
ما انتجه الاستقلال الأول كان الخطوة الأولى التي عمل على اجهاضها نظام الأسد عبر تحويل الدولة من شكلها الوطني وإن كان بحده الادنى إلى شكلها السلطوي، واختصار شكل الدولة بالسلطة ومن ثم بالفرد من خلال اطلاق شعارات من قبيل سوريا الأسد .
لذلك كانت الثورة السورية هي محاولة جديدة لانتاج سوريا الوطنية بحدودها الجغرافية والتي تتمتع بسيادة واستقلال، ويتمتع مواطنيها بحريتهم وقدرتهم على الممارسة الديموقراطية.
فإذا كان ١٧ نيسان هو الاستقلال الاول
فإن ثورة آذار ٢٠١١ هي بداية الطريق للاستقلال الثاني.