الأربعاء , أكتوبر 16 2024
الرئيسية / كلام سوريين / أين هي أمك؟

أين هي أمك؟

وينها أمك ؟

نص ل هناء درويش

وينها أمك؟

  السؤال الذي كان أول ما ينطق به أبي رحمه الله عند دخوله للمنزل.
كأنه نداء وليس مجرد استفسار عابر،
 ذاك السؤال كان مفتاحاً لصمت المكان وإيقاعاً يكمل نغمة الحياة في البيت ويعيد ترتيبها.
مهما كنا مكتملين،مهما كنا حاضرين، يبقى البيت ناقصاً خافت الأنوار مخنوق الأنفاس، حتى تظهر هي.
وكأن غيابها يغرقنا جميعاً في الغياب لدى أبي.
 أختي الصغيرة ما أن تفتح عينيها الناعستين حتى تنادي ماما وكأن العالم يشرق لديها من وجه أمي.
وينها ماما؟؟ تلك الجملة التي كانت تخرج بلا وعي منا كلما عدنا من المدرسة.
كانت سؤالاً يخرج من القلب بحثاً عن دفء لا يخلقه إلا حضور أمي، عن أمان لا يُعطى إلا بوجود أمي
كانت رائحة طعامها الممزوجة بحبها تقودنا دائماً إلى حيث تكون هي في قلب مطبخها، في قلب الحياة.
البيت كان عالمنا الأروع الذي نراه بعيونها
نبضاً يحاكي جمال روحها وطهارة قلبها
ترتيب الأثاث يحكي قصة ترتيبها لكل نواحي حياتنا
رائحة الغسيل تعبق بشذا حنينها
في الزاوية تقبع ماكينة حياكتها
يتوقف الزمان على صوت ضحكاتها وعلى ضحكات جاراتها وهي تسكب فناجين القهوة
كل الأقارب والأصدقاء تنبعث من بيوتهم صباحاً صوت أغاني فيروز إلا منزلنا،
كان صوت أمي عذباً ملائكياً تمسح ترانيمه تعب الأيام عنا وتغني لأرواحنا التي لا تعرف الطمأنينة إلا في حضنها.
حين أعود ولا أجدها يتوقف الزمن كأن جدران الغرف تتنفس الحزن معي، في غيابها أعود إلى تلك الأماكن في زوايا الذاكرة المهجورة لأجد كل مكان بات فارغاً بعد رحيلها، الروح التي كانت تشعل الحياة قد رحلت
البيت الذاكرة الحياة التي كانت يوماً مليئة بأصداء صوتها صارت مجرد جدران باردة لا دفء فيها.
الأم ليست فقط من تعيش بين جدران البيت هي البيت كله بروحه وكل تفاصيله هي التي تُحيل البيت لمأوى إلى حضن لا يُستغنى عنه.
لذلك حين تغيب الأم يضيع البيت تتوه الأرواح وتبقى الجدران شاهدة على انطفاء نور الحياة
رحمك الله يا أمي يا من كنت الوطن الذي أحتويه ويحوي قلبي.
غيابك ليس فقط غياب الجسد بل هو انطفاء الشمس وانطفاء الروح.

شاهد أيضاً

خطر المشروعين الصهـ.ـيوني والإيـ.ـراني: رؤية نقدية لتقاطع المصالح والتهديدات

خطر المشروعين الصهيوني والإيراني: رؤية نقدية لتقاطع المصالح والتهديدات نقد لمقال ياسر الزعاترة خالد أبو …

تعليق واحد

  1. رحمها الله و غفر لها . نص جميل لكاتبة جميلة واعدة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

19 + خمسة =