الخميس , مايو 8 2025
الرئيسية / تحليل / العلاقات السورية- العراقية.. فرص لنفض رماد الماضي وبناء شراكة المستقبل

العلاقات السورية- العراقية.. فرص لنفض رماد الماضي وبناء شراكة المستقبل

العلاقات السورية- العراقية.. فرص لنفض رماد الماضي وبناء شراكة المستقبل

غسان الجمعة

عن : مركز الدراسات العربية الأوراسية  caes

 

 

بالتوازي مع التحولات العميقة التي تشهدها المنطقة، تبرز ضرورة صياغة علاقة سورية- عراقية جديدة، قائمة على المصلحة الوطنية المشتركة، لا على الإرث السياسي، أو الاصطفافات الأيديولوجية. إن سقوط النظام السوري في 8 ديسمبر (كانون الأول) 2024، بانتصار إرادة الشعب، غيّر المعطيات الإقليمية تغييرًا جذريًّا، وفرض على دول الجوار السوري مراجعة مواقفها ومساراتها الخارجية في ضوء التوازنات الجديدة.

وجد العراق نفسه -بوصفه دولة جوار- أمام مرآة جيوسياسية تنعكس على بيئته الداخلية، وتؤثر في طبيعة علاقته مع سوريا الجديدة. وبينما تتشكل إدارة سورية مختلفة الملامح، تواجه بغداد ودمشق تحديات مشتركة تتعلق بإعادة تعريف أسس العلاقة الثنائية، وسط تشابهات تاريخية ومصلحية لا تقل أهمية عن التباينات السياسية. في هذا المقال، نستعرض أبرز ملامح هذه العلاقة في ضوء المتغيرات، وتحديات إعادة بنائها على أسس إستراتيجية أكثر توازنًا واستدامة.

إرث البعث وتبعاته على تقلبات العلاقات السورية- العراقية

عانى كل من العراق وسوريا حقبة استبداد حزب البعث، وهيمنة الحكم الفردي، وما تخلل ذلك من خلافات سياسية وفكرية وصلت في بعض الفترات إلى حد القطيعة بين بغداد ودمشق، ثم خضع مسار التغيير السياسي في كلا البلدين لإرادة الحليف الإيراني، بدءًا من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، وتولي بشار الأسد الحكم في سوريا قبل ذلك بثلاث سنوات.

تحسنت العلاقات بين الطرفين بدعم من طهران، ونجحا في تقريب وجهات النظر ضمن مشروع تكاملي أصبح جزءًا مما عُرف بـ”الهلال الإيراني” في المنطقة. ومنذ عام 2003 حتى اندلاع الثورة السورية عام 2011، كانت سوريا تنظر إلى علاقاتها مع بغداد من منظور تحالف إقليمي تحكمه الجغرافيا والمصالح الاقتصادية.

لكن مع اندلاع الثورة السورية، تحوّل هذا الموقف إلى ضرورة ملحّة لنظام بشار الأسد على المستويات العسكرية والسياسية والاقتصادية. وقد جاء هذا التحول مدفوعًا بالدعم الإيراني المكثف، وبالضغط المتواصل على صناع القرار في العراق لمساندة النظام حتى لحظة سقوطه. هذا التوجه ترك أثرًا عميقًا في الوعي السياسي والجمعي السوري، مخلّفًا ندوبًا يصعب تجاوزها بسهولة.

الأمن القومي المشترك وتحديات الحدود والتنسيق الثنائي

يتقاسم العراق وسوريا حدودًا يبلغ طولها نحو 600 كم، تُعد مسرحًا نشطًا لتهديدات أمنية من قبيل تهريب المخدرات، وتحركات تنظيم داعش، والميليشيات العابرة للحدود، هذه التحديات الأمنية تمثل نقطة التقاء واضحة بين الطرفين، لكنها في الوقت نفسه يشوبها كثير من التعقيدات؛ فالجانب السوري لا يسيطر بالكامل على الشريط الحدودي مع العراق، إذ تهيمن “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) على أجزاء واسعة منه، وتُستخدم تلك المناطق في عمليات تهريب النفط والسلاح. وما زال هذا الواقع قائمًا، ويتوقف تغييره على نتائج المفاوضات بين الدولة السورية و”قسد”، التي تفرض نفوذها فعليًّا من شمال البوكمال إلى نقطة التقاء الحدود السورية- العراقية- التركية.

أما الجانب العراقي، ورغم بنائه جدارًا أمنيًّا على طول الحدود، مدعومًا بتقنيات مراقبة متقدمة، فإن هواجس دمشق تبقى قائمة من تسلل مجموعات متطرفة موالية لإيران عبر الأراضي العراقية، وهو ما تراه تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، لا سيما في ظل نفوذ هذه المجموعات وخبرتها في التحايل على الإجراءات الحدودية، واختراق الشريط من طرق غير شرعية، وهو ما يُربك المعادلة الأمنية، ويُعقّد التنسيق بين الطرفين.

التأثير الإيراني على الديناميكيات السورية- العراقية

مثّل سقوط النظام السوري ضربة موجعة لإيران، التي فقدت إحدى أهم ركائز نفوذها الإقليمي. ولا يزال تأثير طهران قويًّا في مفاصل السلطة العراقية، من خلال أدواتها وخطابها التحريضي الذي يعمّق الانقسامات الوطنية داخل كلا البلدين، وفيما بينهما على حد سواء، ويُرتب ضبط هذا الخطاب مسؤوليات مشتركة على الطرفين في تفكيك إرث الانقسام المذهبي لإعادة بناء علاقة متوازنة تدعمها إرادة وطنية وشعبية.

في المقابل، تُواجه سوريا تحديات الانقسام الطائفي الناتج عن إرث النظام السابق، وتبعات التدخل الإيراني خلال فترة الحرب، وما ولّده ذلك من ردّات فعل دينية وفكرية، ناتجة عن التوتر المذهبي.

ويُعد هذا الملف من أكثر الملفات حساسية لدى البلدين؛ لما يحمله من أبعاد إقليمية ترتبط بلاعبين يستثمرون في الانقسام لخدمة مصالحهم، في وقت يتطلب فيه تحقيق الاستقرار الداخلي نزع فتيل الطائفية، وتحجيم أدواتها.

الفرص الاقتصادية بين الشراكة والتكامل

يمثل الاقتصاد قاطرة ممكنة لإعادة بناء العلاقات، والحفاظ على مستويات تقدمها. وتمتلك الصادرات السورية حصة جيدة في السوق العراقية، منافسةً للبضائع التركية والإيرانية؛ ما يجعل تعزيز هذه العلاقة أولوية للإدارة السورية الجديدة؛ نظرًا إلى دورها الحيوي في دعم الاقتصاد الوطني خلال مرحلة التعافي وإعادة الإعمار، ودعم خطط الاستثمار.

في المقابل، تتطلع بغداد إلى الانفتاح على دمشق اقتصاديًّا من خلال الاستفادة من موانيها البحرية لتصدير النفط، والدخول في شراكات مستقبلية بمجال الطاقة متمثلة في الغاز والربط الكهربائي، وهو ما طُرح رسميًّا خلال زيارة الوفد العراقي إلى دمشق، ولقائه مع الرئيس السوري أحمد الشرع مؤخرًا.

 كما أن مشروعات الربط التجاري عبر الأراضي العراقية والسورية، ضمن خطوط الترانزيت الكبرى (الهندي- الصيني- الأوروبي)، تُعد فرصة ذهبية لكلا البلدين، خاصة في ظل التوترات التي تشهدها خطوط الملاحة في البحر الأحمر نتيجة الحرب في غزة واليمن، وعدم استقرار مسارات التجارة التقليدية.

يشكل هذا الواقع دافعًا مشتركًا لسوريا والعراق نحو التنسيق والتكامل في إطار منظومة التجارة الدولية الجديدة، كجزء من إعادة تموضع إقليمي يُعيد رسم خرائط النفوذ والفرص، ويشكّل أرضية صلبة لتكامل بعيد المدى.

مستقبل الوجود العسكري التركي وإعادة تشكيل التوازنات الأمنية والإقليمية

يتشارك العراق وسوريا مخاوف الجانب التركي على حدوده الجنوبية، لا سيما فيما يتعلق بنشاط حزب العمال الكردستاني (PKK) وفروعه، حيث تحتفظ أنقرة بقوات عسكرية في كلا البلدين، تخضع لتفاهمات أمنية وسياسية تختلف بواعثها بين دمشق وبغداد، ويُحتّم هذا الواقع إعادة صياغة مقاربة ثنائية تُوازن بين متطلبات السيادة والمصالح المشتركة، وضرورات التنسيق الأمني مع أنقرة.

وفي بعد آخر للوجود التركي، وما يرتبط به من تداخلات في ملف “قسد” و”العمال الكردستاني”، تُعد مخاوف التداخل الأمني والتنافس الإقليمي بين إيران وتركيا تحديًا مشتركًا لاستقرار سوريا والعراق ومصالحهما. كما يُعدّ هذا الملف من “الخطوط الحمراء” للمنظومة العربية؛ ما يستوجب من العراق وسوريا إدارة هذا التوازن بحساسية عالية؛ تجنبًا لتكرار سيناريوهات الصدام، أو الاستقطاب.

بالنظر إلى المتغيرات الجذرية في المشهد السوري، تبدو الفرصة سانحة لإعادة بناء العلاقة بين البلدين على أسس مصلحية عقلانية، تتجاوز منطق المحاور والأيديولوجيا؛ فالعراق، بوصفه لاعبًا إقليميًّا بين قوى متنازعة، وسوريا الخارجة من حقبة الانغلاق السياسي والحرب الطويلة، يمكن أن يؤسسا معًا لشراكة إستراتيجية مرنة تقوم على الأمن المشترك، والتكامل الاقتصادي، والتنسيق الإقليمي. إن نجاح هذه العلاقة مرهون بقدرة الطرفين على تبني مقاربة واقعية تستثمر الجغرافيا، وتستوعب التحولات الدولية والإقليمية، دون الانزلاق في حسابات الأيديولوجيا، أو ردود الفعل؛ وبذلك يمكن للعلاقة السورية- العراقية أن تتحول من جسر عبور للنفوذ، إلى قاعدة استقرار في قلب المشرق.

شاهد أيضاً

إيران..في لبنان وسوريا محاولات الضغط والتشويش

لبنان بين ضغوط الدولة وتكتيكات حزب الله: كيف يواصل النظام الإيراني دعمه السري رغم التحديات؟ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × أربعة =