الخميس , مايو 8 2025
الرئيسية / مقال / الوضع العشائري المعقد في دير الزور: بين ضرورة الفهم ومخاطر التحشيد

الوضع العشائري المعقد في دير الزور: بين ضرورة الفهم ومخاطر التحشيد

الوضع العشائري المعقد في دير الزور: بين ضرورة الفهم ومخاطر التحشيد

معاذ طلب الناصر

دائمًا ما تُلح عليّ الرغبة في التطرق إلى الحالة العشائرية المعقدة في محافظة دير الزور، لا من باب الاصطفاف أو الانحياز، بل بدافع المصلحة العامة، والبحث عن طرق تساهم في تفكيك الأزمات لا إعادة إنتاجها. فمقاربة هذا الملف – دون إثارة أي نزعة عشائرية – تحتاج إلى توازن دقيق، وإلى خطاب عقلاني لا يُستقبل، للأسف، إلا على وقع التحشيد أو الاتهام.

 

إن محاولة وضع اليد على الجرح في هذا الملف تشبه الدخول في حقل ألغام، فالنقد البنّاء قد يُؤوّل على أنه انحياز لطرف دون آخر، وقد يكون ثمنه باهظاً في بيئة يغلب عليها الانفعال العشائري وتضييق الخناق على كل صوت منطقي أو موضوعي.

 

يُعد تحويل أي رأي أو نقد إلى مناسبة للاصطفاف العشائري أو التنافر بين الريف والمدينة، أحد أبرز مظاهر التخلف التي يجب مواجهتها والقضاء عليها. ذلك لأن هذه الانقسامات تُغلق الأفق أمام أي حوار مجتمعي ناضج، وتُفرغ القضايا الوطنية من جوهرها، ليُستبدل خطاب المصلحة العامة بخطابات ضيقة تهدم ولا تبني.

 

ولا يمكن في بيئة كهذه أن يُحترم الرأي المخالف، أو أن يُفسح المجال للحوار المتوازن، ما لم تكن هناك إرادة سياسية واضحة تسعى إلى خلق مناخ يسمح بذلك. من هنا، تبرز أهمية الدور الحكومي، الذي يجب أن يُبنى على دراية عميقة بالبنى العشائرية والاجتماعية في المنطقة، وأن يتجنب تماماً استخدام هذه البنى كأدوات للسيطرة أو الإضعاف المتبادل بين المكونات.

 

ما تحتاجه دير الزور – وسائر المناطق الشرقية – هو سياسة دولة تفهم تفاصيل هذه البنى، وتعمل على تحييدها عن مسارات الصراع، لا استغلالها لفرض مزيد من الانقسام. فوجهاء وشيوخ العشائر لطالما لعبوا دوراً في حفظ التوازنات الداخلية، عبر ما يشبه “نظام محاصصة اجتماعي” يتيح للجميع الإحساس بالتمثيل، أو من خلال تعيين شخصيات قيادية من خارج المنظومات العشائرية كي تقف على مسافة واحدة من الجميع.

 

ولكن، في ظل غياب الإحساس الجمعي بالمواطنة، يصبح أي خلل في هذا التوازن مصدراً إضافياً للتفجير. 

وعليه، فإن محاربة الفساد الإداري، والذي يتسلل غالباً من بوابات الولاءات الضيقة، يجب أن تكون أولوية قصوى، ليس فقط في دير الزور، بل في كل سوريا.

 

ختاماً، إن النقاش حول العشائر لا يجب أن يكون محرماً، بل يجب أن يُعاد تأطيره ضمن مشروع وطني جامع يعترف بواقع العشائر لكنه يعمل على تطويره، ويكبح جماح التحشيد لصالح بناء دولة لكل السوريين، يكون فيها الانتماء للوطن فوق كل الانتماءات.

شاهد أيضاً

مراسم العزاء في التراث العربي

مراسم العزاء في التراث العربي بين الثابت والمتغير دراسة بحثية خليل الأسود  مقدمة في تاريخ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

12 + واحد =