لبنان بين ضغوط الدولة وتكتيكات حزب الله: كيف يواصل النظام الإيراني دعمه السري رغم التحديات؟
طهران
الشرق نيوز
شهد لبنان في الأشهر الأخيرة تحولات عميقة في توازن القوى الداخلية، خاصة بعد التوترات العسكرية مع إسرائيل والتغيرات الإقليمية التي أضعفت موقع حزب الله إلى حد ما. فعلى الرغم من الغارات الإسرائيلية الواسعة التي استهدفت معظم البنية التحتية العسكرية لحزب الله في جنوب لبنان، وإعلان الجيش اللبناني أنه تم تدمير أكثر من 90% من مواقع الحزب في تلك المناطق، لا يزال حزب الله يحتفظ بنفوذ سياسي وعسكري كبير.
أعلن رئيس الجمهورية اللبنانية، جوزيف عون، أن عام 2025 سيكون عام حصر السلاح بيد الدولة، وأن هذا الهدف سيتم تحقيقه من خلال الحوار مع حزب الله وليس عبر المواجهة الداخلية أو الضغوط الخارجية. ومع ذلك، سارعت قيادات حزب الله إلى التأكيد على أنهم لن يتخلوا عن سلاحهم تحت أي ظرف، معتبرين أن المقاومة “حق مشروع” في ظل التهديدات الإسرائيلية المستمرة.
ورغم تراجع الدعم المالي العلني من إيران بسبب الأزمة الاقتصادية الحادة هناك وصعوبة نقل الدعم عبر سوريا، إلا أن النظام الإيراني لا يزال يواصل دعمه السري لحزب الله. وتشير التقارير إلى أن إيران غيرت مسارات التهريب، وأصبحت تعتمد بشكل أكبر على البحر وميناء بيروت. وأكدت مصادر أمنية غربية أن وحدات خاصة من الحرس الثوري تستخدم شركات وهمية وشحنات تجارية لتهريب الأسلحة والمعدات عبر الميناء. كما تم نقل مبالغ كبيرة من الأموال النقدية عبر مطار بيروت لدعم الحزب مالياً، رغم الرقابة الأمنية المشددة على الرحلات القادمة من إيران.
على الصعيد السياسي، اتُهم حزب الله مراراً بعرقلة الإصلاحات الحكومية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية. فقد كان نواب الحزب وحلفاؤهم ينسحبون من جلسات البرلمان لمنع اكتمال النصاب القانوني لانتخاب الرئيس، مما أدى إلى فراغ سياسي استمر أكثر من عامين. ومع ذلك، أجبرت الضغوط الشعبية والدولية الحزب مؤخراً على التراجع جزئياً عن هذا التكتيك، خاصة في ظل حاجة المجتمع الشيعي اللبناني إلى المساعدات الدولية التي تتطلب وجود حكومة فعالة وموثوقة.
رغم كل هذه التحديات، لا يزال حزب الله يسعى لاستغلال حالة السخط الشعبي في بيئته لتقوية موقعه، مبرراً استمرار تسلحه بضعف الدولة اللبنانية واستمرار التهديدات الإسرائيلية. في الوقت نفسه، يواصل النظام الإيراني الاستثمار في حزب الله كأداة استراتيجية للردع الإقليمي، رغم التكاليف الباهظة والأزمات الداخلية التي يواجهها.
في المحصلة، يقف لبنان اليوم على مفترق طرق تاريخي: إما أن ينجح في فرض سيادة الدولة على السلاح والمؤسسات، أو يستمر حزب الله، بدعم إيراني سري ومتجدد، في عرقلة الإصلاحات وتهديد استقرار ومستقبل البلاد السياسي والاقتصادي.
تصعيد النظام الإيراني في سوريا بعد سقوط الأسد: دعم الفوضى وإشعال الحرب ضد الحكومة الجديدة
في الأشهر الأخيرة، ومع تولي حكومة أحمد الشرع السلطة في سوريا، كثّف النظام الإيراني من تحركاته التخريبية والحربية بهدف زعزعة استقرار البلاد وإضعاف الحكومة الجديدة. فبعد سقوط بشار الأسد وفقدان طهران جزءاً كبيراً من نفوذها الاستراتيجي في سوريا، تسعى إيران اليوم إلى إعادة ترسيخ حضورها عبر تنظيم ودعم فلول النظام السابق والميليشيات التابعة لها، في محاولة لإضعاف الحكومة الحالية وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
تشير التقارير والمصادر الرسمية السورية إلى أن النظام الإيراني يموّل ويدرّب ويوجّه بشكل مباشر بقايا القوات الموالية للأسد في المحافظات الساحلية مثل اللاذقية وطرطوس. وتقوم هذه المجموعات، بدعم من عناصر مرتبطة بالحرس الثوري، بشن هجمات عنيفة ضد القوات الأمنية والمراكز الحكومية الجديدة. ووفقاً لمسؤولين في وزارة الإعلام السورية، فإن هذه الاضطرابات تُدار بشكل منهجي وبإشراف مباشر من عملاء إيرانيين، ورغم استعادة الحكومة السيطرة على معظم المناطق الساحلية، لا تزال عمليات ملاحقة الخلايا المرتبطة بإيران مستمرة.
من ناحية أخرى، أكدت الأجهزة الأمنية السورية أن العديد من الضباط العسكريين والأمنيين التابعين للأسد، والذين فروا إلى الخارج بعد سقوطه، يلعبون دوراً مباشراً في تنظيم وتنفيذ الهجمات الأخيرة بدعم مالي ولوجستي من طهران. هؤلاء الأشخاص، الموجودون حالياً خارج سوريا، ينسقون مع عناصر إيرانية لتنفيذ عمليات تستهدف مؤسسات الدولة الجديدة بشكل دقيق.
كما يستغل النظام الإيراني وسائل الإعلام التابعة له لتشويه الحقائق وتقديم فلول الأسد كـ”مقاومة شعبية” ضد الحكومة الجديدة. وتأتي هذه الحملة الإعلامية بهدف خلق البلبلة ومنح الشرعية للأعمال العنيفة التي تُرتكب على الأرض.
إلى جانب ذلك، لا تزال شبكات تهريب الأسلحة المرتبطة بإيران نشطة، حيث يتم نقل الأسلحة والمعدات المتطورة إلى الميليشيات عبر موانئ مثل اللاذقية والمعابر الحدودية غير الرسمية. وقد ضبطت الحكومة السورية مؤخراً عدة شحنات من الطائرات المسيّرة والصواريخ التي دخلت البلاد تحت غطاء شركات تجارية إيرانية.
ورغم كل هذه التحركات، تتزايد المعارضة الشعبية الواسعة للتدخل الإيراني في سوريا. فقد شهدت مدن دمشق وحلب ودير الزور في الأشهر الأخيرة مظاهرات كبيرة تطالب بخروج جميع القوات الأجنبية، وعلى رأسها الميليشيات المدعومة من إيران.
إقليمياً، وبعد تراجع نفوذ إيران في العراق ولبنان واليمن، باتت سوريا تمثل آخر معاقلها الاستراتيجية، وتسعى طهران للحفاظ على هذا الموقع بأي وسيلة كانت. ومع ذلك، يبدو أن هذه السياسات لم تؤدِّ إلى استعادة النفوذ الإيراني، بل زادت من عزلة النظام الإيراني وأثارت ردود فعل أكثر حدة من المجتمع السوري.
في المجمل، فإن التحركات التخريبية والحربية للنظام الإيراني في الأشهر الأخيرة وضعت سوريا أمام مخاطر جديدة تهدد مسار بناء الدولة وتزيد من تعقيد المشهد الأمني والسياسي في البلاد.