صراع الهويات في عصر العولمة
يزن المحمد
الهوية كساحة صراع
في عالم يتسارع فيه اندماج الثقافات وتتصادم فيه القيم، تبرز إشكالية الهوية كواحدة من أكثر القضايا إلحاحًا.
وهنا فإن هناك أسئلة تطرح حول “صراع الهويات” لعل أبرزها: هل يمكن بناء هوية مرنة تقاوم الاستقطاب دون أن تفقد جوهرها؟
في عصر تتدفق فيه الثقافات عبر الحدود بلا قيود، أصبحت الهوية ساحة معركة وجودية. نحن أمام مفارقة تاريخية ،كلما زاد الاتصال بالعالم، اشتد تمسك الأفراد بالهويات الضيقة. وبالتالي لابد من تفكيك إشكالية الهوية المعاصرة، من خلال تحليل ثلاثي الأبعاد ، التشخيص، التداعيات، والحلول الممكنة عبر بعض الأجوبة التي تساق كتعاريف للهوية وفق موقعها المجتمعي والتاريخي.
الهوية كـسردية مفتوحة
الهوية ليست كيانًا ثابتًا، بل سردية متغيرة تُكتَب وتُعاد كتابتها بتأثير التاريخ، السياسة، والثقافة وتموضع المجتمع وقوننته عبر حدود مكانية وزمانية. المشكلة تكمن في تحوُّل هذه السرديات إلى أيديولوجيات مغلقة تُستخدَم كأسلحة لتبرير الصراع ، يتجلى ذلك في تحويل الهوية إلى حيز جيوسياسي ( ديني | قومي) ضمن خطاب شعبوي يكمن في اختزال الهوية الوطنية إلى نزعة عدائية ضد “الآخر” ، وفي تسييس الهويات الفرعية (مثل النوع الاجتماعي أو العرق) لخلق انقسامات بدلًا من حوار.
هنا تبرز فكرة أن “الهوية النقية”، غير حقيقة وأن كل هوية هي نتاج تيارات متداخلة، وأن محاولة تجميدها يزيد من عُرضتها للانفجار.
العولمة بين الذوبان والتشدد
يقول الكاتب والمحلل السياسي خطار ابو ذياب ( منذ وصول ترامب إلى السلطة بدأت العولمة في طور الانهيار ) . إذن هي حرب من نوع جديد ، ليست باردة و وليست على تماس مع الحداثة وما بعدها .. إنما نستطيع أن نطلق عليها مصطلح حرب ما بعد العولمة .
في عصر العولمة، يواجه الأفراد تناقضًا صارخًا ، ضغوط الذوبان تفضي إلى فرض الثقافات المهيمنة نمطًا عالميًا يُهدد الخصوصيات المحلية ،ردود الفعل التشددية كالارتداد إلى الهويات “الأصلية” بصورة متطرفة، كما نرى في صعود الشعبويات والخطابات المتشددة.
نحن هنا أمام مسارين ، الأول يُنتج هويات هشة، والثاني يُحوِّل الهوية إلى حصن منيع ضد أي حوار. وعليه يمكن طرح بديل مقاوم لمفهوم ( الما بعد ) وهي هويات عبور تقبل التعدد دون خوف من الذوبان.
نحو هوية سائلة
الحل الذي قد يكون مناسباً وإن كان غير مباشر يكمن في تفكيك القداسة عن الهويات ، وتشكيل رؤية نحو أدوات لفهم الذات، لا كأوثان تُعبَد.
والحل الأنجع الذي تحدثت عنه الكاتبة نور حريري في تبنّي اللايقين ، فالهوية الصحية هي التي تترك مساحة للشك، التطور، والانزياح.
الاعتراف بالتناقض الداخلي، فالإنسان يمكن أن يكون مسلمًا وعلمانيًا، عربيًا وعالميًا، محليًا ومنفتحًا في آن واحد.
هل نستطيع الفكاك من الفخ ؟
صراع الهويات ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة خيارات سياسية وثقافية. التحدي الأكبر هو بناء مجتمعات تتعامل مع الهويات كحدائق متنوعة لا كخنادق متصارعة.
السؤال الأوسع ، هل نجرؤ على تبني هويات ناقصة، مرنة، ومتسائلة… أم سنظل أسرى سرديات الماضي التي تكرس الانقسام ؟!