الثلاثاء , أبريل 29 2025
الرئيسية / كلام سوريين / طابور جاسم

طابور جاسم

طابور جاسم

محمد الحمد 

في يوم من الأيام، وقف جاسم أمام فرن الخبز، ورأى الحارة مزدحمة، وطوابير الناس تلف الحارة كلها.

وبشكل مفاجئ اتخذ القرار ووقف على الرصيف، حيث لا طابور و لا فرن ولا دائرة حكومية ولا مركز توزيع إسطوانات الغاز، ولا شيء حرفيا، لكنه وقف بحركة فنية محترمة، ووضع يديه وراء ظهره، وبدأ ينظر إلى الأعلى.

بعد خمس دقائق…جاءه رجل و سأله: “شو الدور هون؟” رد جاسم وهو ينظر بعيدا بنظرة حزينة ومدروسة: “والله بطيء كتير… بس الدور بيستاهل”.

الرجل سمع الكلمة السحرية “بيستاهل”، ووقف وراءه.

جاء ثالث… رابع… خمسين رجل!

جاءت أم خالد و افتتحت طابورا جانبيا للنساء.

الناس تنتظر، تتذمر، تتحمّس… “أكيد فيه توزيع بطاقات؟”، “يمكن فرن مدعوم فتح جديد!”، “يمكن توزيع معونة!”، ” سلة غذائية!”. كل واحد يكمل للثاني الأسطورة.

ظلّ جاسم واقفا ثابتا كالصنم.

مرت ساعة…

تململ الطابور تعالت الأصوات رويدا وريدا، ثم ولدت مظاهرة صغيرة تهتف: “بدنا نعرف شو عم نستنى!”

جاء شرطي البلدية وقال لجاسم: “وين الطابور رايح؟” قال له بهدوء: “أنا شخصيا ما أعرف، بس اللي وراي واثقين”.

شاهد الشرطي الحماس والجدية لدى الناس، وخاف أن يفشل في عمله، فدخل بحماس الشرطة المعينين حديثا وصار ينظم الطابور رسميا.

بعد ساعتين، انتشرت إشاعة تقول سيتم توزيع قسائم سفر للإمارات، مع إقامة ذهبية!

ازداد طول الطابور، وصل إلى آخر الحارة.

 تعب جاسم وشعر بالجوع، خرج من الدور بهدوء، واشترى سندويشة شاورما، وجلس على الرصيف المقابل ياكل و يتفرج.

بقي الطابور صامدا ينتظر الشيء الذي لا يعرفه أحد.

وبعد ساعة ونصف، دب الخلاف فيه من أتى أولا؛ من كان واقفا بشكل نظامي؛ ومن دحش نفسه دحوشة، صاروا يوزعون أرقاما عشوائية ويتقاتلون عليها.

أما جاسم، فقد أنهى سندويشته، شرب كولا، دخن بهدوء وملل، حك لحيته، و عاد ليقف.. لكنه هذه المرة وقف بعيدا و وضع يديه وراء ظهره بثقة و صار ينظر للأعلى بجدية وافتتح طابورا جديدا.

شاهد أيضاً

حلب التي تسكننا

حلب التي تسكننا هناء درويش في شتاء عام 2016 عندما كانت حلب تسقط كنت أنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة × ثلاثة =