هل يتحقق التحول الديمقراطي في سوريا؟
محمد فريد الشيخ
لماذا لم تنجح الديمقراطية عندنا وهل من الممكن أن تنجح في المستقبل, لا توجد اجابات مطلقة, ولكني أعتقد أن كتاب (( الانتقال الديمقراطي وإشكالياته )) والذي اعتبره كما يعتبره الكثير من السياسيين و الباحثين وحتى المستشرقين الغربيين أهم كتاب في علم الاجتماع والسياسية في العصر الحديث أجاب على كثير من الأسئلة التي تدور في ذهننا ,ويمثل مفتاحاً للفهم السياسي لمسارات الإصلاح والانتقال الديمقراطي حيث يبين فيه ما هو ممكن وغير ممكن في التحول الديمقراطي العربي.
جورج طرابيشي قال :(( الديمقراطية تحتكم إلى صناديق الجمجمة وليس إلى صناديق الاقتراع )) .يعني أن الوعي لا يختزل بالصناديق الوعي يعني حرية صحافة وقوة مجتمع مدني وتعددية حزبية. هذا الطرح طرحه طه حسين منذ ما يقارب ١٠٠ عام . قال: اليونانيين نجحت عندهم الديمقراطية لأن عندهم حضارة عقل (( فلسفة الإغريق )) في حين أن العرب فشلت عندهم لأنهم (( مجتمع بداوة وحضارة فقه)). أرسطو يقول: أن الشعوب الشرقية شعوب بربرية لا تنجح فيها الديمقراطية إذا أخذنا دول شرق آسيا والصين واليابان كمثال لا توجد فيها ديمقراطية حقيقية لأن هذه الشعوب تحب الاستبداد وتحب الحكم المركزي, ومحمد عبده يقول :(( لا يصلح الشرق إلا مستبد عادل )) الأفكار لا تأخذ صفة كونية يعني أن التجربة الأمريكية أو البريطانية أو السنغافورية ليست حلاً مطلقا ولا تنجح في تغيير الأفكار حتى توجد البذرة الصالحة .المشكلة هنا تتضح عندما تزرع فكرة الديمقراطية في الأرض الشرقية بالاستنساخ نكون قد زرعناها في بيئة غير مناسبة مما يسبب وفاتها. هنا يجب أن نوجد الديمقراطية الخاصة بنا وليس أن نأخذ الغربية نصاً ,مثلاً التجربة الهندية أو البرازيلية أي نأقلم الفكرة بما يناسب سوريا وأن نوجد لها الظروف المناسبة كي لا تموت .أما في حال استنساخها بشكل كامل فسوف تموت ويزداد الفشل أي أن الديمقراطية في النموذج السوري يجب أن تكون خاصة بنا ولأن العلمانية والديمقراطية والإسلامية وجميع المصطلحات السياسية هي موضوعات للفهم وليس للتقديس ولأن سوريا سياسياً لم تمر بأحزاب حقيقية ولكنها مرت برموز سياسية .مالك ابن نبي يقول ((العقل العربي انتقل من مرحلة تقديس الأصنام إلى تقديس الأشخاص )) ويجب أن نخلق من هذه المصطلحات مصطلحات خاصة بنا نحن السوريين حتى لا نكرر الفشل ونتحول إلى كفار قريش نصنع أصنامنا بأيدينا ثم نعبدها. كما أن قوة الدين وقوة القبيلة كانت سبب أساسي بإجهاض أي عملية ديمقراطية على الأرض العربية. فالتدين عبر التاريخ كان ثلاث أنواع :فردي وهو التعبد في المعبد ,وجماعي أي تردد ما تقوله الجماعة ,أما التدين المؤسساتي وهو الأخطر (جماعة في مواجهة جماعة )أما القبلية فكان لها دور أكبر في الدينية في مواجه الديمقراطية لأنها أفسدت على العرب عالم الإسلام وعالم الحداثة حتى اليوم مثلاً وزير يستلم وزارة فيأتي بكل أهله وأقاربه.
على الوردي الباحث الاجتماعي والسياسي العراقي يقول :((العسكر الذين حكموا الوطن العربي كله من جمال عبد الناصر الى عبد الكريم قاسم إلى حافظ الأسد إلى صدام حسين جميعهم استبدلوا أهل الكفاءة بأهل السلطة واستبدلوا أهل الخبرة بأهل الثقة)) أي جماعتهم بينما ابراهام لينكولن الرئيس الأمريكي كان يقول انه كان يأتي بأعدا أعدائه في المنصب ويقول انه(( لا اقيس الناس بمقدار حبهم لي ومحبتي لهم ولكن أقيسهم بمدى كفاءتهم ))من هنا نستنتج الفروقات بالثقافة وأن الغرب تجاوزوا هذه المرحلة من خمسة قرون بينما لا زلنا نحن فيها ولأنهم غادروا روابط الدم وانتقلوا إلى روابط انسانية روابط الثقافة ودولة المواطنة .وأتسائل لماذا السوري يأخذ جميع حقوقه عندما ينتقل إلى دولة غربية لأننا دولة مكوناتها حتى أحزابها أحزاب قبائلية و أحزاب دينية حتى تبادل السلطة عندنا بالعوائل ولم ينجح مشروع التنوير عندنا .ومن عوائق التحول الديمقراطي عندنا ايضا الإرث القديم وازدواجية الشخصية, فالسياسي الـسوري يلبس بدلة انيقة ويحمل جوال حديث و لابتوب هذا من جانب الحضارة ولكنه في داخله يمتلك جانب البداوة ولا يزال أسير قيم البداوة أي أن هناك فجوة كبيرة بين الماضي والحاضر ولم تتحضر حياة السوري الأخلاقية والفكرية بل بقي بنفس أخلاق وقيم البداوة بالجزيرة العربية من الف عام وتحتاج إلى هزة تغير أخلاق وقيم السوري وتعيد دمجه بالعالم وبفكر التنوير. ازدواجية الشخصية ((كثير من السياسيين والمفكرين الذين كانوا يتهجمون على القيادة السورية الحالية باتوا اليوم على اعتاب القصر يتمنون التقاط الصور التذكارية معهم ويدّعون أنهم مقربون منهم في مصطلح أطلق عليه السوريين(التكويع ) هنا نجد أن الأسئلة مبصرة والإجابات عمياء وأن الوعي السياسي السوري لن يتحقق إلا إذا تحولت القناعات إلى آراء وحتى لا يتحول شعارنا((إذا لم تريد ما يكون فأرد ما يكون). والأفكار السياسية تنجح إذا استجابت لأفكار الناس وهذا ما يقع على عاتق المفكرين والمنظرين للأحزاب السورية القادمة حتى لا نكون سخرية للتاريخ. من جديد مالك بن بني المفكر الجزائري المعروف يقول.((كل من يدخل العصر ولا يدرك اضافات المعرفة سيصبح سخرية للتاريخ)).
عندما تتحقق هذه الشروط نكون قد أوجدنا لسوريا التجربة الديموقراطية الخاصة بها والتي قد تكون بالمستقبل ملهمة لبعض الدول الأخرى في منارة الحرية والديموقراطية لا أن نسعى إلى استنساخ تجارب الآخرين.