في المطالبة بحقوق الكراجاتيين
مؤيد اسكيف
نعم.. يمكن القول وباعتقادي أن خطاب المثقف الإسلامي يتصف عموما بالمنبرية والوصائية والتعاليمية، فيه تقريع – على الدوام – للشريحة المستهدفة، وينعت الناس والقراء أو المستمعين أو من لديه رأي مختلف بأنهم جهلة وغير مطلعين ولا يحوزون العلم الكافي والفهم المناسب الذي خصهم به الله تعالى، راجع كتابات كثير منهم خاصة في ردودهم على منتقديهم، سوف ترى تبخيساً دائماً بعقول الناس أو “العوام والجهلة” حسب تسميتهم، وأنه دوماً يوجد مشكلة في أفهامهم، أحيانا يتم استخدام مصطلح شعبوية، ولكن على طول الخط يتهمون الناس بأنهم جهلة دهماء ورويبضة .. الخ.
على الضفة الأخرى “الموازية” استقطبت جهات ومراكز بحثية ذات التوجه الواحد، نخباً سورية غالبيتها علمانية، وتمكنوا معاً من عمل نتاج فكري مهم أغنى المجال العام والمكتبة السورية على العموم، إلا أنه وللأسف تورطت غالبية هذه النخب في فخ التقريع الدائم للناس، والتصدي لأي عملية نقدية بإطلاق حكم سلبي عليها على غرار الشعبوية و”المغرضة”، يبدو أنه لدى هؤلاء، مشكلة مع النقد وتقبله والتعامل معه عوضاً عن ترسيخه في الثقافة العامة، تحت هذا الاستقطاب وجدنا استقطابا آخر لعشرات.. بل وأكثر من الشخصيات “الشعبوية بامتياز” والتي صارت جزء حيوياً في هذه المراكز ، تجلى نشاط هؤلاء في عدة مواقف لا تنسى من ذاكرة السوريين المشتغلين بالشأن العام، وهي “ممارسة الشعبوية والتنمر” على الجمهور المفترض لتلفزيون سوريا الذي باشر بثه في وقتها، عندما اعترض الجمهور -المفترض- على أنس أزرق ليكون مديرا لهذا التلفزيون، فضلا عن مواقف أخرى عديدة ..
وهكذا صرنا أمام شعبوية نخبوية وأكاديمية تعالمية، تطغى عليها الأستذة النزقة، تصف أي معترض أو ناقد سواء امتلك اللغة المناسبة للتعبير أو لم يمتلكها بـ “الكراجاتي” أو “الهوشة”، أو شعبوية دولارية تصف كل من لديه رأي ناقد بأنه “لم يحصل على فرصة عمل لديهم”.
نعم نحن غارقون بالشعبوية وباعتقادي هذا صحيح – هنا يكمن فشل أو نجاح النخب – ولكن هذا لايمنع أنه حتى الشعبوي هو مواطن ولديه حق في الإعتراض والتعبير، لديه حكاية ليقولها، أو ليدعمها، لكن المشكلة حينما تمارس بعض النخب هذا الأسلوب المؤسف في هذا النوع من التقييم والأحكام والمهاترات بينما عماد مهمتها قياس الرأي العام وقراءة توجهاته وليس شتيمة الناس والتبخيس من الوعي الجمعي أو الفردي، ومن مسؤولياتها ترجمة أفكار الناس ومخاوفها ومقولاتها وتحويلها إلى أوراق عمل تستند إلى المنهج العلمي وليس تقريع شرائح المجتمع، وأن تعيد تصدير ذلك بمهنية ومسؤولية وأمانة إلى الرأي العام مجدداً، لا أن تغرق المجال العام باتهامات واستفزازات، لا أن تنحو نحو التعالي والتقزز والغرور والعنجهية و وصف الناس بالكراجاتيين، أو بـ “الاستنقاع” أو أنهم “مغرضين” على أقل تقدير كما فعل الباحث ومؤلف كتاب بعنوان يختصر نضالات السوريين بأنها حربا أهلية. من قال أنه يجب أن يكون كل الناس أكاديميين؟! بينما واجب على كل الأكاديميين والنخب الفكرية والثقافية أن تقدم خلاصات مبنية على أسس مهنية وعلمية ونقدية، وأن يعملوا على تعميم مقولاتهم الفكرية وعلى رأسها المقولات النقدية للناس وللمجال العام لرفع سوية الخطاب الشعبي، وأن يدافعوا عنها دون اللجوء إلى اتهام الناس بطريقة صلفة، أو كما يقال شعبياً فيها “عنطزة”. أعتقد في الحقيقة أن بعضهم حينما يقابل شخصاً ما يسارع إلى تفحصه وتصنيفه مباشرة إلى كراجاتي أو مغرض أو لم يحصل على وظيفة أو أكاديمي أو أكاديمي نصف كم حسب الحاجة، وذلك بنظارات من نرجسية. – “أنا أشفق عليهم”.
للأسف يوجد لدينا مروحة أصناف من أصحاب العقلية الوصائية التسلطية، وهؤلاء هم نموذج لمن يعتبر أنه على صح وحق ومنطق أينما كان موقفه وموقعه و ووجهته ومهما طرأ عليها من تحولات وتبدلات.
وفي الختام يقول المثل الإنكليزي: السفر يجعل الرجل الحكيم أكثر حكمة والرجل الأحمق أكثر حماقة. كذلك الثورة والحب والحرب والقراءة والمغامرة وتأليف الكتب والحصول على شهادات دكتوراه، وأيضا العمل في مؤسسات محسوبة على الثورة.
الوسومالثورة السورية النخب السورية
شاهد أيضاً
انتخابات قسد البلدية في دير الزور: قراءة في السياق والمآلات
انتخابات قسد البلدية في دير الزور: قراءة في السياق والمآلات ديرالزور عمر خطاب تعتزم قوات …