مشاهدات..
ليلى العامري
وجوه جميلة الملامح، لكنها تشبه الفاكهة المجففة، المعاناة اليومية سلبتها ماء النضارة و واعطتها كثيرا من شحوب الحياة ، لكنها احتفظت بالود و اللطف و الوسامه المغطاة بطبقات من الوجع، فتيات انتشرن في شوارع الشام و أبنيتها، بعضهن يفترشن الأرض عارضات بضائعهن من منتجات صغيرة و رخيصة يسترزقن منها، و أخريات يعملن في تنظيف الأدراج أراهن و أميزهن من ثيابهن، منهن من يحملن شهادات ثانوية و معاهد متوسطة و منهن طالبات جامعيات.. و أنا لهن أنحني احتراماً لأولئك النسوة العاملات الحافظات لشرفهن.
و تتكرر المشاهدات مع تكرر الأيام .. فلا أعتقد أن هؤلاء النسوة كن ينتظرن، غياب رجالهن من أزواج و أخوة و أبناء، حتى يخرجن إلى خضم الحياة و إلى مجالات عمل شاقة و مضنية، كانت حكراً لوقت قريب على الرجال، فهاهن ينتشرن على طول شارع فارس الخوري من ساحة العباسيين إلى كراجات السرفيس و الهوب هوب الذي تنطلق منه الباصات إلى المدن الداخليه و الشرقية، من الواضح أنهن نساء من البلدات و المدن المنكوبه مجموعة هنا تنقل بلاط الأرصفه و أخرى تدفع عربات الرمل أمامها .. يعملن ب إصلاحات طرقيه حيث النظام يعيد ما خربته جنازير الدبابات ..
في المقعد الخلفي للسرفيس كان زوجان يجلسان المرأه هادئه و صموته أما الزوج من الواضح إنه سخيف فقد أشار إلى النسوه العاملات و قال :
الله لا يئيمها عن ئلبن ولا ئلب أهاليهم شو كان صاير عليهم خربو البلد … هنا هيهات للعامرية أن تسكت فقلت له :
أي معك حق هنن يلي قصفوا بلادهم و هجروا حالن و حبسوا ولادن و رجالن بس يبدو أنك حافظ درسك مبرمج منيح .. ضحكت الزوجة و رفعت إبهامها علامة الموافقه ، و حين وقف السرفيس أمام مشفى ابن رشد كانت امرئتان واحده تصفق و تغني و ترقص ب الشارع و تقول :بدي روح ع القامشلي و تضحك وتبكي , الأخرى تحاول أن تهدء من روعها.. اقترب الناس من الإمرتان و بادر أحدهم بسؤال للمرأه التي تحاول تهدئة رفيقتها ف جاوبته بكل بساطة قائلة : ولا شي فقدت عقلها من من لما كانت بحزة بعد ما ماتو أهلها بقصف الطيارة .. سألتها : طيب الها حدا ب القامشلي ! قالت: لا ما بعرف من وين (معلئه بعئلها هالكلمة) …
في طريق عودتي .. كانت شريفة عم تتصل فيي و عم تخبرني أنها استلمت هوية أخوها محمد و حمدت الله أن أمها توفيت من أشهر و قبل معرفتها بمصير ابنها …