الأحد , ديسمبر 22 2024
الرئيسية / كلام سوريين / حكايا الجدات. الحبابة التي تفك المطلوب

حكايا الجدات. الحبابة التي تفك المطلوب

من كتاب #شجيج_عتيج_9
16 أكتوبر 2019 ·

 

عيسى الشيخ حسن 

لا نظفر بشيء، أو لا نكاد نظفر بشيء في بحثنا عن الرافد الذي جاء بدلالة “حبّابة” المتداولة في الشرق السوري من أرياف حماة وحمص وحلب وصولًا إلى الشرق السوري القصيّ المرتبط بالريف العراقي الغربي، فتعدّل إلى “حبّوبة”. وفي ذلك الماعون الجغرافي، تحتل “الحبّابة” مكانة سامية، تخطف أدوارًا كثيرة، فهي القائد العام للبيت، وقد تمتلك “الفيتو” الذي يعطّل قرار ربّ البيت “ابنها” وتمتلك ميزة “الوجه” إذا لجأ إليها أحد.
.
وقد تجد “الحبّابات” الشابّات يشاركن في الحروب الصغيرة في القبيلة، فيحملن أوتاد الخيمة، لا العصيّ “العصيّ يحملها الرجال” ويشهرنها، فلا يتصدّى لهنّ أحدٌ احترامًا، وقد تخبّئ وراءها أحد المطلوبين للموت، فإن طارده غريمه، أشهرت “الودّ” في وجهه وصرخت: “تخسا يا وال، عجل ماني حبّابتك”، والوتد هنا ليس للضرب، بقدر ما هو قيمة رمزية، تشبه “عصا الماريشالية”، في يد جنرال كهل، تستبطن في حملها الهيبة دون العنف.
.
لا تستنكروا دور الحبّابات اللاتي طالما كنّ صوت الأمومة الذي كسر عنف مجتمع الرجال الصلب بنداء مختلف، ويجبره على التراجع والامتثال. ويمكن القول إنّ سطوة “الحبّابة” تلطيف نديّ يغمر النظام الذكوري اليابس الشرس.
.
لم أجد في “الحبّابة” إلّا “أنبوب زجاج يوضع فيه الدواء” وربّما جاء ذلك من حمل الأنبوب لحباب الماء المتقطّر. فصارت اسم آلة، وليس “مبالغة اسم فاعل”.
طوّر الشوايا مصطلحات كثيرة، طافوا حول دلالاتها القديمة، وأنتجوا معاني جديدة، وبخاصّة بعد “القطيعة المعرفية” مع مجتمع ما قبل الكارثة الديمغرافية الرهيبة، وأقصد بعد احتلال المغول.
وأحسب أنّهم أطلقوا شيئًا من شعور الحبّ، على بعضٍ من سلوكه، وهي القبلة، وهذا ما وجدت دليلًا عليه في التاج الذي أضاف موادّ كثيرة إلى المعاجم السابقة، وألحق بها بعضًا ممّا أنتجه القوم.
يقول التاج: “الحُبّةُ ما أحببت أن تُعطاه، أو ما أحببت أن يكون لك” ولعلّ الحبّابة مانحة “الْحْبب” هي الشجرة التي تمدّ أذرعها لجميع الطيور. ولعلّ حبّابة: مبالغة اسم الفاعل من “حَبَّ” بمعنى قبّل..
.
في أيّام أهلنا القديمة، ليس للأنثى دور في إشعال الحرب، حين يُستنخى الشباب بأسماء أخواتهم، بل في صناعة معنى للحرب. ولكنّ الحبّابات هنّ من يصنعن السلام، ويجعلن له معنى ساميًا، فهنّ من جرّب وعرف أثر الفقد والموت والرحيل والدّمار واالخوف على أغصانهنّ الخضراء الصاخبة في مصاولة الريح.
.

شاهد أيضاً

عيشة كلاب

المعتز الخضر أوصلتُ ابنتي إلى المدرسة في الصباح الباكر و عُدتُ أدراجي في السيارة الجرمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثلاثة عشر + تسعة =