السر في رائحة الورق
هناء درويش
حينما أخبرته عن شغفها بما قرأت من روايات إلكترونية ظنت أنه سيبادلها نفس الحماس.
لكنه فاجأها قائلاً: أنا لا أقرأ
استغربت كثيراً، كيف لمثله ألا يكون قارئاً؟
كيف يمكن لشخص عميق التفكير أن يخلو عالمه من الكتب؟
قرأ مادار بخلدها وحتى يخرجها من صدمتها أضاف: أنا لا أقرأ إلا الكتب الورقية، فأنا أعشق رائحة الورق.
غادر المكان، وهو لا يعلم ما أثارته كلماته من زوبعة من الذكريات والتساؤلات في قلبها وعقلها.
تساءلت: هل تكمن أزمة القراءة لدى الجيل الحالي في هذه الشاشات الذكية التي تفتقر إلى رائحة الورق؟
نعم لقد غابت عن هذا الجيل لذة الكتابة على الهوامش
تلك الرسائل السرية والقلوب التي ترسم وتُمزق على أوراق الكتاب.
عادت بذاكرتها إلى أيام مراهقتها.
حيث كانت تتسابق مع أختها الكبرى لتقرأ الروايات.
تذكرت كيف كانت ترسم شخصيات الروايات على الورق
وكيف كانت تضع وردة كعلامة بين صفحات الكتاب لتعود لاحقاً وتتابع القراءة فتختلط رائحة الورد برائحة الورق العتيق.
وكيف كانت تحمل كتابها بين يديها وأمها تعد الطعام
فتتسلل رائحة الطعام إلى تلك الصفحات
تترك أثراً عابراً يربط بين الذكرى والنكهة.
كم من رسالة سرية كُتبت بين سطور الروايات لم يقرأها أحد سواها.
وكم من القلوب الصغيرة والخربشات العفوية بقيت معلقة على تلك الأوراق،
شاهدة على تلك اللحظات العابرة.
نعم ربما هذا هو السبب الذي يجعل الجيل الحالي لا يقرأ.
حتى أصبح جيلاً بلا ذاكرة بلا ورق.
جيلاً يفتقر إلى ذلك السحر الخفي الذي تحمله رائحة الورق تلك الرائحة التي تحمل معها عبق الزمن ودفء الذكريات.
جيلاً لا يعرف قيمة الارتباط العاطفي بكل صفحة ..بكل سطر… بكل هوامش الكلمات.
جيلاً ضاع بين الشاشات الباردة، يفقد لحظة تلو الأخرى، دون أن يشعر.
ربما…يوماً ما..سيعود هذا الجيل ليكتشف مجدداً سحر الورق…
ويدرك أن للكتب الورقية حياة ورائحة لا تضاهى وأن الذكريات تُصنع بين الصفحات وتُحفظ بروائح لا تُمحى من ذاكرة القارئين .