الخميس , نوفمبر 21 2024
الرئيسية / كلام سوريين / ثلاثُ رصاصاتٍ في جبين النهر .. ثلاثُ وردات لأمّي

ثلاثُ رصاصاتٍ في جبين النهر .. ثلاثُ وردات لأمّي

2016

ــــــــــــــــ

 

ثلاثُ رصاصاتٍ في جبين النهر .. ثلاثُ وردات لأمّي

أحمد بغدادي 

 

***

*الوردة الأولى:

 

صباح الخير أماهُ

لن أخبركِ عن أيِّ شيءٍ يخصّ إخوتي الذين عبروا بحرَ “إيجة” مبلّلين بشتاتهم وأعمارهم المتحفّزة إلى المنفى الجديد، 

قبل أنْ أخبركِ عن القلوبِ التي تغلّفها الطحالبُ

 والحكاياتُ المؤقّتة في الحبّ.

أماهُ …

عشقتُ كثيراً بكامل قلبي 

ودمعي ودمي؛ 

خذلني الحبُّ يا أمي 

وركلني من أوسعِ أبوابهِ كتلميذٍ فاشلٍ في المدرسة 

رغمَ أنني ألبستهُ القصائدَ والوردَ 

ورويتُ له عن الجنونِ

 والشعراءِ، وكيفَ يشهقُ النبيذُ على شفاهِ المحبينَ ويرتجفُ الأنبياءُ غبطةً 

كلما تكرّرَ المشهدُ في الأراضي القصيّة ويعتّقُ العشقُ. 

أمّي …

الحربُ فعلت ما فعلت بنا 

والموتُ أماطَ أقنعتهُ كلّها وأسقطها كما الحبُ

والليلُ يا أمي صديقي … ولديّ قطٌ صغير كنتُ قد حدّثتكِ عنهُ قبل أيام… 

اسمهُ “بوتشي” 

هكذا تريد “حبيبتي” التي تكتنزُ في عينيها قلبي المؤقّتَ والكثيرَ من الحدائقِ الرائعة والغياب.

يا أمي 

أنا لستُ سيّئاً 

نعم؛ كلّهم يقولون ذلك 

وحتى أصدقائي الذين لم تتعرّفي عليهم بعدُ يا أمي… يقولون كذلك أيضاً؛ وأنتِ تعرفينَ أنّ ابنكِ كان في صغرهِ يلعبُ مع الخنافسِ ويقلّبُ الترابَ الساخنَ في الظهيرةِ بسبّابتهِ ويلعقهُ بحثاً عن الحقيقة، ويرى النحلاتِ طائراتٍ صديقةً لدالياتِ العنبِ والبيوتِ الريفية

وكان ينامُ في حضنِ جدّهِ كي يصحو معهُ إلى الفراتِ لصيد الغرقِ ورعي الغنم والضحكات.

يتمزّقُ جلدي الآن يا أمي 

أنبضُ كلّي 

كلّي الآن قلب… 

كلُّ مسامةٍ في جسمي تتضوّعُ ذكرى وطيوراً تخفقُ حولي بعد أن تولدَ منه…

وماذا سأحدّثكِ أيضاً ؟

أحبُّ أصدقائي 

وأكرهُ المنفى والكاذبين 

ولم أعد أفرطُ في الخمرةِ … أشربُ كلَّ ثلاثةِ أيامٍ وحدي.. وأحياناً 

أمنحُ قلبي بضعاً من البشاشةِ في ساعةٍ مُبكّرة عندما أمرّ بصديقي “سحبان”.

 

الحربُ يا أمي سكرى

بمَ … يلومني الخالقُ قبل الخلقِ في الثمالةِ

وهو خالُقنا؟!

 

لقد نسيتُ أمراً يا أمي … أعتذر 

كنتُ أريدُ أن أحدّثكِ عن “حبيبتي” 

ــ “حبيبتي” يا أمي .. لا تعرف ما تريد 

.. مرةً قالت لي (أحبّكَ) ………. فطارت فراشاتٌ من صدري..

هل تعرفينَ يا أمي معنى كلمة ــ أحبّك ــ ؟

ما من داعٍ … فأنتِ تعرفينَ كلَّ شيءٍ عن الحبِ يا أمي، لكنها

لا تعرف إلاّ أن تقولَ لي: كنْ جانبي .. ولنترك المستقبل أو الصدفة أو الكواكب تتصادم ببعضها كي أرى وجهتي معك.

***

 

أمّا إخوتي يا أمّي

 

فأنا كنتُ أتحايلُ عليكِ في هذا النصِ كي تصغي إليّ وتكملي القراءة؛

إخوتي يا أمّي منذ يومين تحدّثوا معكِ حيث جزر اليونان وطمأنوكِ وأخبروكِ عن أسعارِ زجاجاتِ المياهِ والأكياس الفارغة للاستفراغ وأنواع الهروات التي تلقّوها على رؤوسهم وظهورهم من قبلِ حارسيّ حدودِ الدول الديمقراطية.

 

والليلُ يخنقني يا أمي والمنفى يضيقُ.

 

أريدُ أن أكتبَ أكثر .. أبكي،

أريدُ أن أخبركِ أكثر

.

.

نامي يا أمّي

قطيْ الآن نائمٌ بعدَ أن غيّرَ ترتيبَ غرفتي بقفزاتهِ 

وخلقَ فيها حرباً تنطفئُ في الصباحِ كالعادة.

 

نامي

 

“حبيبتي” الآن تغرق، وأريدُ لهذا الكون أنْ يصمتَ الآن، حتى تستيقظ “حبيبتي” صباحاً على صوتِ الورودِ وتذهب إلى الطريق الطويل كحبٍ قاتل 

وحديقةٍ توزّعُ صدى العطرِ للعابرين بعدها.

 

ــ نامي يا أمّي

 

قلبي هذا الجريح 

أعمق من بحرِ ” أيجة”.

 

.

شاهد أيضاً

خواء

خواء  مجموعة من الأفكار التي تدفع بعضها بعضاً في خواء المكان فداء صوان  قد تظن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

13 + خمسة =