المعتز الخضر
الفراغ يُسَبِّب الرَّزيلي..
على خط الانطلاق لسباق ال 3 كم في ما يُسمّى مُباريات الجيش في مادة التربية البدنية و كُنتُ برتبة نقيب و أنا أقوم بعملية الاحماء استعداداً للسباق مع بقية ضبّاط و عناصر الكتيبة، دَندَلت آذاني 👂👂 و أصغيت لحديث جانبي بين رئيس أركان اللواء و أحد ضُبّاط لجنة الاختبار برتبة عقيد ركن.. حيثُ يقول العقيد للعميد : يا زَلمي العالم وصلوا القمر و نحنا لسّاتنا على سباق 3 كيلو و خمسة كيلو و رَكّب حِرابَك و انزع حِرابَك و حَمّالة حَلّ و حَمّالة شِدّ و حَرَس صاعد و حَرَس نازل (في إشارة لدروس النظام المُنضَمّ) و أضافَ مُتَذَمِّراً و يبدو أنّهً كان مدعوم كثير أدعَم من أكرم بومالحة في مسلسل الخربة قائلاً للعميد : من كم يوم كنت بمهمة خارج القطر لحضور معرض عسكري و من بين الأسلحة التي رأيتها دبّابة سويدية و راح يتحدّث عن تطوّرها و تكنولوجيا الرمي من هذه الدبّابة.. فقاطعهُ العميد قائلاً : يا عمّي بنعرف هالشّي لكن نحنا ما عنّا شي جديد ما حَدَن مَيعطينا (و كأنّهُ تَنَبّأ بالمؤامرة الكونية) و أضاف قائلاً :نِحنا مَنِشغِل هالرِّعاع و أشار إلى مجاميع العسكر (يقصد عناصر الجيش) لازم نِشغِلهِن بِ شِي لأنّو الفراغ يُسَبِّب الرَّزيلي (الرّذيلَة).. انتهت الحادثة.. لكّنهُ ذَكّرني بفترة من حياتِنا في إقليم دَهشة و وحواكمة شرق و وحواكمة غرب كَفر المِجاريح.. ففي بِطاح الكَفر و في فترة استراحة المُحارب التي يقضيها آهالي الكفر بين فترتَي انتهاء حصاد موسم الشّتوي و بداية الموسم الصيفي يحدُث هُناك فراغ يُسَبِّب الرَّزيلي.. حيثُ يجتمع بعض شيّاب و عجايز الكَفر و يبدأ بعضُهُم بتنكيت البراذع في الإقليم و ما حولهُ.. أذكُر وقتها من اقترح سَدّ نهر فُرات الأحزان بالكريكات و قطع ماءَهُ عن نجع التّلاتيح و ذلك بسبب مُشادَّة كلامية جرت بينهُ و بين أحد أهالي التلاتيح من يومين بالكَرنك حول مُشاركة أو عدم مُشاركة أهالي التلاتيح في التصدّي للحملة الفرنسية بقيادة اليَطنان ريشان على نجوع دَهشة و وحواكمة شرق و وحواكمة غرب عام ألف و تسع مية و خشبة و أنّهم لم يشتركوا بحرق الطيّارات في المطار و ما اجدَحَوا بيهن و لا جَدحَة .. و بعد جِدال و سِجال و أخذ و ردّ بين كوينيسة الشيّاب و العجايز ارتأت الأغلبية أنْ لا طاقةَ لهم بسدّ النهر و قطع المياه عن التلاتيح و أنَّ ذلك ضربٌ من الجنون.. نظرَ الآخر من مَقعَدِهِ على أحد جوايز توثة(ت) المِشعَل بعد أن رفع عُنقَهُ باتّجاه الشمال عابراً بنَظَرِهِ نهر فُرات الأحزان جِهة كَفر الشّلاتيح و قال : هذاك مو تركتور هذاك اللي يُكرب (يحرث)؟ رفعَ الجميع نظرهُ جهة الإشارة و جاء التأكيد من أكثر من شخص.. إي بالله تركتور.. فانتفضَ ذات الشخص الذي أراد قبل قليل سَدّ نهر فُرات الأحزان و قال : أشوفهم يكربون بگاعنا عجل الشغلة سايبة تساءَل بصوتٍ عالٍ و أيّدهُ لفيف من الحضور.. (كانت الأرض في الطرف الثاني من شاطئ فُرات الأحزان يوماً ما تتبع لأهالي المِجاريح و التّلاتيح قبل أن يجور نهر فرات الأحزان و يأكل الأرض من جهة الجنوب و يُخرِج أرض من جهة الشمال لتبقى تلك الأرض بعيدة عن مُتناوَل أصحابها و يفصل بينها و بينهم و يمنع وصولهم لفلاحتها لعدم وجود جسر يربط الأرض بأصحابها و بقيت على هذه الحال سنين طويلة لم يُقدِم أهالي كفر الشلاتيح على فلاحتها فهم يعلمون أنّ أصحابها هم من كفرَي المِجاريح و التلاتيح و تُقَدّر بحوالي خمسة آلاف دونم..) بعد تلك الرؤية للتركتور دخلت المنطقة بمرحلة حَرِجَة و مُنعَطَف تاريخي خطير دخلت في تفصيلات أحداثِها يد القائد المُلهَم و رجال أمنِهِ و عَسَسِهِ و حتى قوّات المَلِّيس في ذلك الوقت لتفرقة الأهالي و إحداث شَرخ اجتماعي و تفتيت عَضُد اللُّحمة الوطنيّة مُتجاهلين الهجمة الشّرسة للامبرياليّة التي طالما حَذّر منها مُثَقَّفو بيت بوقَعقور و بيت بو مالحة في مسلسل الخِربة.. تعالت الأصوات و انتقلت النّقاشات من جلسات العصر و المغرب مرّت لمّة خَيّالَة لمجموعة من الشيّاب و العجايز في دَهشة إلى الرَّبعات و الدّواوين و المَشيخات على طول الشريط المُلاصق لفرات الأحزان في دَهشة و حواكمة شرق و حواكمة غرب و التلاتيح و انتقل الجُهد الرئيسي لللمَدّ الجماهيري من مُقارعة الإمبريالية و الرجعية إلى التناوش مع نجع الشلاتيح و من يؤيّدهم من القوى الاستعمارية
كجمهورية مَدَغَشقَر و زَنجَبار.. دارت مُحادثات محمومة و أُقيمت التنسيقيّات و منابِر الخَطابَة في النّجوع الجنوبيّة للوصول إلى قرار استراتيجي و حازم في الموضوع و تمّ التوصّل إلى تشكيل لِجنة من عدّة شخصيّات تقوم بزيارة إلى نجع الشّلاتيح و تُبلِغَهُم رسالة دُبلوماسيّة لكنها شديدة اللّهجة تنطوي على شيء من التهديد و الوعيد في حال فلاحة الأرض المُتنازَع عليها ريثما يوجِدون حلّ للموضوع.. لم يُبدي الشّلاتيحيّون أي ردّ واضح لا سلباً و لا إيجاباً و عادت اللجنة.. عاد الرجل الذي اقترح سدّ نهر الفرات باقتراح آخر أكثر موضوعية و هو تقديم طلب للحكومة الرشيدة لدراسة إمكانية إنشاء جسر في المنطقة يشبه الجسر الأعيوِر ليمكّن سكّان دَهشة و حواكمَة شرق و وحواكمة غرب و التلاتيح من الوصول بآليّاتِهم الزراعية إلى أرضهم المُغتصبة لفلاحتها.. لكن المُقترح لم يجد تأييد لأنّ المنطقة بالأساس مغضوب عليها من قِبَل القائد المُلهَم و حكومتهِ و جلاوِزَتهِ من زمان و مَنسيّة و موضوعة خارج المُخطط التنظيمي هي و أهلها.. و هنا جاء المُقتَرح الثاني من قِبَل البعض و هو إرسال وفد آخر للشلاتيح يكون أعضاؤهُ من المايعرفون اطعَمة(ت) إثومهُم و يشيلون معاهم اجْنِي و سنديانات و مَحاذيف و كم امبَسمر و خنجرين ثلاث و گُردَة گُردتين و كم اكلُنُك و يتلَثّمون و يسولفون من ورا الحياطين كتهديد صريح و واضح و مُباشر للشلاتيح… و تمّ الأمر.. لكن ردّ الشلاتيح كان أكثر وضوحاً، كان الردّ : اليريد الگاع يجي و يزرعها زِلِم.. و ما أن عبرت اللجنة فرات الأحزان ألّا و التركتورات بالعشرات صارت تكرُب بالكاع و البلدوزرات تچرُف و اتمَهمَد.. أُسقِطَ في أيدي الجنوبيّين و وَجدوا أنفسهم أمام أمرٍ صِعيب.. و راح البعض يُهَدّئ من الإثارة : ألّا يا جِماعة احنا گيعانّنا المهجورات ال عندنا مِحنا فالحينهن تا انعدي ورا النهر.. خلهم يفلحونها إذنها طعوس و اگبَب علواه ما تعوّد.. أمّا الرأي الذي رسى عليه الجميع تقريباً فهو اللجوء إلى دَهاليز القائد المُلهَم و سراديب وسُرادق القيادة الحكيمة و قال أصحاب هذا الرأي : احنا يالجنوبيّين أگوى من الشماليين بالدولة و الحكومة عندنا جنرالات و هم ما عندهم و عندنا مسؤولين بالدولة و هم ما عندهم عندنا مثقّفين و نُخَب و هم ما عندهم.. اندَخِّل الموضوع بدوائر الحكومة بما فيها شركة معكرونة دانا حتى يصير فيها تشابك و تنسيق و ناخذها بالقانون.. سأل أحدهم : ليش الحكومة راح تسأل عنّا.. ردّ واحد مفَتّح بالسلسيون و قال : نجمع كم ليرة و يروح كم واحد عالعاصمة و يرشرِشون هين و هين ألّا يجيبون بيها قرار و تصير السالفة تحت حماية القانون.. قَبِلَ الجميع بالحلّ الاستراتيجي و تمّ تحديد أسماء اللجنة بقيادة صاحب الفكرة المفَتّح بالسلسيون و جمع الأهالي مبلغ مئة ألف ليرة مشمشيّة و لبس أعضاء اللجنة البِدَن و راحوا عالعاصمة و قضوا رُدهَة من الزمن و عادوا بخُفَّي حُنين.. و بعد استجوابِهم من قِبَل مجلس أعيان الجنوبيّين أجابوا أنّهم فعلوا ما بوِسعِهِم و أنّ القيادة وعدتهم خير فأُقيمت الأفراح و الليالي المِلاح سبع ليالي و في اليوم الثامن صدر قرار القيادة الحكيمة بأنَّ هذه الأرض تُعتَبَر أملاك دولة و أنَّ الدولة قد أجّرتها لِمن يفلحها الآن و على المُتضرّر سدّ نهر فُرات الأحزان و سَدّ بوزو بصرماية عتيقة.. التوقيع القائد المُلهَم..
#بعد أيام طويلة أراد أحد أعضاء اللجنة الجنوبية التي ذهبت للعاصمة لتخليص الموضوع قانونياً أراد يبَرّي ذِمتو قبل ما يواجه ربّ كريم و قال : و الله لا رحنا و لا جينا خذينا المية ألف مشمشيّة و قعدنا بفندق بالعاصمة و قضّيناها من مطعم لمطعم و من سوگ لسوگ ألّا خلصن المصاري.. بينما الموضوع كانت نهايتهُ على يدّ الشماليين بنفس الطريقة لكنهم لم يأكلوا كباب بكامل المبلغ بل تقاسموا الكباب بينهم و بين مِفتاح القائد المُلهَم و طَجّت لِعبَت..
الكولونيل من على ظهر الباخرة الإغريقية بلو ستار.