الخميس , نوفمبر 7 2024
الرئيسية / مقال / التجمعات السياسية السورية ظاهرة صحية أم تجارب فاشلة؟

التجمعات السياسية السورية ظاهرة صحية أم تجارب فاشلة؟

التجمعات السياسية السورية ظاهرة صحية أم تجارب فاشلة؟
هناء درويش

منذ بداية نشوء الدولة السورية في ثلاثينيات القرن الماضي وما شهدته فترة الخمسينيات من تاريخ سوريا بصورة خاصة،
من تداول للسلطة بين العديد من الشخصيات السياسية والعسكرية إضافة للحريات السياسية والانتخابات الرئاسية والبرلمانية ، إذ وصل عدد من تولى الحكم بين فترة العشرينيات و أواخرالخمسينيات إلى 12 رئيسًا، بما فيهم أصحاب الانقلابات العسكرية.

بالإضافة إلى الحالة السياسية الصحية التي كانت تعيشها سوريا، كان للإعلام نصيب من هذه الحريات وكان للصحف السياسية سقف عالي من الحريات وصل لدرجة السخرية من شخصيات سياسية على مستوى عالي دون قمعها من قبل السلطات مادامت تحت سقف القانون .


إلا أن انقلاب آذار عام ١٩٦٣ الذي قاده مجموعة من الضباط البعثيين، وأطلق عليه زوراً (ثورة آذار) كان له دور في قلب الحياة على كافة الأصعد في سوريا ونقل سوريا من واحة التنوع السياسي إلى حالة تصحر سياسي متزامن مع ممارسات الاستبداد والقمع وتكميم الأفواه .
وصولاً لسياسة الرجل الأوحد مع وصول حافظ الاسد بانقلاب آخر عام ١٩٧٠ أزاح خلاله رفاق الأمس الذين شاركوه في بناء سلطة البعث.
فقد أصبح هو القائد المفدى والسياسي الأول والحزب (حزب البعث) هو القائد للدولة والمجتمع ، مع رشة ديمقراطية كاذبة تم تصنيعها على قياس السلطة، تتمثل بما كان يُسمى بأحزاب الجبهة الوطنية التقدمية.

كان اغتصاب الحكم والحياة السياسية من أكبر جرائم هذا النظام الفاشي إذ أنه قضى على الحياة السياسية في سوريا ، وبقي الحال على ما هو عليه حتى انطلقت الثورة السورية في منتصف آذار ٢٠١١ والتي فتحت الباب على مصراعيه للتحول السياسي والديموقراطي في سوريا، على الرغم من مواجهتها بأعتى أشكال القمع والترهيب والقتل والتي وصلت لاستخدام الأسلحة المحظورة دولياً ضد الشعب الأعزل .
كان لهذا التصحر السياسي الذي عاشته سوريا لعقود طويلة أثره السلبي على حالة الوعي الجمعي السياسي عند السوريين الذين عادوا للحياة السياسية السورية بعد سنين عجاف عبر تجمعات تمثلهم سياسياً .
فقد بدأ الحراك السياسي بتجربة المجلس الوطني التي دعمها السوريون بأرواحهم عندما رفعوا شعار (المجلس الوطني يمثلني) وعلى الرغم من وجود شخصيات لها تاريخها وحضورها وثوريتها إلا أن هذه التجربة لم تكلل بالنجاح، إذ سرعان ماتم إجهاض هذه التجربة بسبب المنازعات الدولية والاقليمية والداخلية، ونزل بعض السوريون للساحات مجدداً رافعين شعار (المجلس الوطني لا يمثلني) في صورة من الخذلان لمن شعروا بأنه طاقة تدخل منها ريح الحرية، منذ ذلك الحين بدأت تظهر تجمعات تشمل عدداً من السوريين أخذت من وحدات التنسيق الثوري على امتداد الجغرافيا السورية قاعدة لها. حيث تجربة التنسيقيات الغنية والتي عملت على تجميع الطاقات الثورية ضمن ماسمي تنسيقيات فبتنا نسمع بأسماء تنسيقية حماه، حمص، درعا، دير الزور، حلب، أحرار الساحل وباقي المحافظات السورية.

مرحلة جديدة في تجربة الثورة السياسية. التنظيمية بدأت مع تعدد التجمعات والتكتلات التي استطاع بعضها الوصول لعقد مؤتمر تأسيسي لها. وفشلت تجمعات أخرى بذلك.
تشابهت أسباب الفشل بالكثير من هذه التجمعات.
منها عدم تبلور الوعي السياسي الكافي لدى الكثير من النخب السورية وكذلك عوامل تنظيمية ، ومنها تقاذف الاتهامات والطعن والتهجم بين أفراد هذه التجمعات بين بعضهم البعض أو بين تجمع وتجمع آخر، إضافة إلى العوامل المادية وعامل الانتشار بكل بقاع الأرض وعدم قدرة أعضاء هذه التجمعات التعرف على بعضهم البعض بشكل شخصي بسبب المسافات الجغرافية الشاسعة بينهم مما تسبب باختلافات فكرية منشأها اختلاف التجربة بين الأفراد ، كذلك عدم قدرة بعضها الحصول على دعم دولي .
في السنوات الثلاث الأخيرة بدأنا نسمع عن مؤتمرات عديدة تُعقد في ( الداخل السوري المحرر وتركيا وأوروبا)
كان آخرها المؤتمر الذي دعت له منظمة مدنية وهي منظمة مجتمع مدني.
ومؤتمر القوى الوطنية السورية المزمع عقده في الرابع والعشرين من حزيران الجاري.
ومؤتمر بروكسل وغيرها من تجمعات سياسية كالجالية السورية في أمريكا واللوبي الأمريكي الذي تعمل على انتاجه.
بالرغم من أن عوامل الاختلاف بين هذه المؤتمرات المتعددة إلا أن هناك قواسم مشتركة بين بعضها بعضها يصل حد الاستنساخ .

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هل هذه التجمعات والمؤتمرات حالة صحية طبيعية نتيجة التصحر السياسي الذي عانى منه السوريون في العقود التي حكمهم فيها آل الأسد؟
هل هي حالة مؤقتة سننتقل بعدها إلى حالة أكثر صحية وحالة تدفع الثورة والحالة السياسية نحو الأمام؟
أم أنها إذا استمرت في الدوران في هذه الحلقة المفرغة ستتحول هي بحد ذاتها إلى مرض مزمن عصي على العلاج والشفاء؟
أسئلة تجيب عليه نتائج هذه التجارب وقدرتها على إحداث الأثر والتغيير المطلوب.

شاهد أيضاً

يسار يمين يمين يسار أزمة النخب السورية التائهة

مقال رأي  فراس علاوي تعيش كثير من شخصيات اليسار السوري وشخصيات ذات مرجعيات ايديولوجية دينية …

تعليق واحد

  1. للأسف هذه ظاهرة مرضية إن ازمنت فقد تنهك القوى الثورية في دوامة الفراغ وفقد أمل الجماهير من تلك القوى وبالتالي الإحباط وقبول أي حل للخلاص ورائه قوة ماكرة تكون الطلقة الأخيرة على الحلم اللذي نما وتعاظم وسيبقى حلما حتى تتبناه أجيال أخرى أكثر وعيا وأكثر قوة لتحطيم القيود التي اعاقد مرحلة هذا الجيل الفكرية والثقافية وتدني الوعي والتبعية وعدم النضوج.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة + أربعة عشر =