إيران وطوق النار القادم
فراس علاوي
يتراجع بشكل سريع الحديث عن مفاوضات فيينا المجمدة حول البرنامج النووي الإيراني , وتتسارع وتيرة التصريحات الامريكية والاسرائيلية حول اقتراب إيران من انتاج قنبلتها النووية ,
بذات الوقت تعمل إيران عبر قوتها الضاربة / الحرس الثوري الايراني / على محاولة إظهار إيران كقوة عسكرية لايمكن تجاوزها في المنطقة .
لذلك تستهدف قواته البحرية السفن في خليج عُمان وخاصة ناقلات النفط التي تحمل أعلام دول ليس لديها ثقل دولي وبذات الوقت فإن حمولتها تذهب لدول أخرى , وذلك لإظهار التفوق الذي تريده في هذه المنطقة الهامة للمنطقة .
كذلك تستعرض إيران عضلاتها من خلال الحديث عن صناعة الطائرات بدون طيار من طراز شاهد وكرار وملحمة وغيرها , كذلك الاستعراض العسكري لصواريخ بالستية من طراز خيبر وأجيال متعددة من صاروخ خرمشهرالبالستي .
كما زادت إيران من وتيرة نقل الاسلحة لحلفائها ومليشياتها في المنطقة سواء في اليمن و العراق وسوريا , وزيادة وتيرة عملها على بناء قواعد لصواريخها وتجميع طائراتها بدون طيارفي العراق وسوريا .
كذلك الدعم الايراني لروسيا سياسياً وعسكرياً في حربها في أوكرانيا , وتوسعها في محيطها الحيوي , ومحاولات اختراق مناطق أخرى في أفريقيا .
هذا الحراك والذي ترافق مع تراجع التوقعات بالتوصل لاتفاق نووي جديد , إضافة لاقتراب الانتخابات الامريكية وحاجة الديموقراطيين لجرعات داعمة بعد التصدعات التي أصابت جبهتهم الداخلية والخارجية بسبب الحرب الروسية الاوكرانية , وأزمة الدين العام وماسبقها من أزمات بسبب كورونا , والتنافس مع الصين , والضغط الذي تمارسه إسرائيل على الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بقرب توصل إيران لصناعة قنبلتها النووية , مما يهدد الأمن القومي لها من جهة , ويغير من خارطة التحالفات في المنطقة من جهة أخرى , إذ بدأت الولايات المتحدة تفقد شيئاً من نفوذها في المنطقة لمصلحة إيران والصين , حيث كان الاتفاق السعودي الايراني بوساطة صينية , بمثابة الحجر الذي ألقي في بركة المياه الراكدة في المنطقة .
وعلى الرغم من معاناة الداخل الايراني بسبب المظاهرات والاحتجاجات والعقوبات التي يعاني منها الاقتصاد الايراني , إلا أن التهديد الذي يشكله التمدد العسكري لأذرع إيران خارج حدودها الجغرافية , وفي ظل انسداد الأفق أمام أي توافق سياسي على المدى القصير .
كل ذلك يستدعي إشغال إيران عبر إشعال بؤر توتر على حدودها الإقليمية تجعلها تنشغل عن التمدد الذي تعمل عليه وبذات الوقت تكون غطاء لأي عملية عسكرية محتملة ضد المنشآت النووية الايرانية .
من هذا المنطلق يمكننا قراءة بؤر التوتر المرشحة لاشغال إيران على حدودها الاقليمية
أولاً : الصدام مع حركة طالبان والتي بدأت تأخذ شكلاً أكثر حدية مما يجعله مرشحاً للتصعيد مالم يقم الجانبان باحتوائه , ويرتبط ذلك بالتدخل الأمريكي وقدرته على تصعيد الصراع في منطقة حساسة من الحدود مع إيران , ولعل ماتحمله تصريحات بعض قادة طالبان في طياتها من تهديد لإيران يجعلها تحسب حساباً لتصعيد محتمل قد يجر عليها كوارث مستقبلية في حال دخلت في صدام مع طالبان .
ثانياً : التصعيد على الحدود مع أذربيجان , إذ تغذي العلاقات المتوترة بين البلدين والتي تعود لأسباب تتعلق بالجغرافيا السياسية والصراع في المنطقة , زاد من حدة التوتر مؤخراً محاولة إغتيال نائب أذربيجاني مناهض للنفوذ الايراني واتهام ايران بمحاولة اغتياله , كذلك التقارب الاسرائيلي مع اذربيجان والذي تعتبره إيران تهديداً لأمنها القومي , إذ تتحدث وسائل الاعلام الايرانية عن إقامة إسرائيل لقاعدة عسكرية لها قد تستخدم لاستهداف إيران بموافقة حكومة باكو ,
لذلك فإن أي تصعيد محتمل ستكون أذربيجان أحد بؤر التوتر المحتملة .
ثالثاً أبرز النقاط المرشحة للتصعيد ضد المليشيات الايرانية هي مناطق النفوذ الايرانية في العراق وسوريا , خاصة مناطق غرب العراق وشرق سوريا , والتي تعد أكثر النقاط تقارباً وتلامساً بين القوات الأمريكية والمليشيات الإيرانية حيث تشهد المنطقة احتكاكات ومناوشات عسكرية وإن لم تصل لمرحلة التصعيد بعد , إلا أن الوقت حان لاتخاذ خطوات تصعيدية ضد المليشيات الايرانية , بعد ازدياد وتيرة الاستهدافات للقواعد الأمريكية من المدفعية والطيران المسير الإيراني من جهة , وزيادة الشحنات الايرانية من الأسلحة لنظام الأسد وللمليشيات الايرانية وأذرعها في المنطقة وصولاً لحزب الله اللبناني , الأمر الي يستدعي تدخلاً إسرائيلياً عبر غارات تستهدف القوافل والشحنات الإيرانية , إذ تقوم الاستراتيجية الامريكية الاسرائيلية على منع استقرار المليشيات الايرانية في المنطقة وإقامة قواعد في المنطقة من جهة ومنع وصول شحنات الاسلحة الاستراتيجية لأذرعها في المنطقة من جهة أخرى , لكن يبدو أن هذه الاستراتيجية بدأت تتراجع أمام استراتيجية أخرى تقوم على قطع التواصل البري بين مناطق غرب العراق وشرق سوريا من أجل عزل المليشيات الايرانية في سوريا , وتجفيف مناطق الدعم اللوجستي والمادي والبشري لها من خلال السيطرة على الحدود العراقية السورية , مما يعني السيطرة على غرب العراق خاصة مناطق الأنبار , حيث بدأت الولايات المتحدة بتطوير قواعدها القديمة فيها والعمل على إنشاء قاعدة جديدة في المنطقة , كذلك فإن تطوير قواعد التحالف في شرق سوريا كقاعدتي حقل العمر وكونيكو ومايقابلها في البادية السورية كقاعدة التنف بدا أمراً ملحاً وواقعياً , مما يفسر أن أي تصعيد عسكري ضد المليشيات الايرانية يعني قطع الطريق الواصل بين الحدود الاردنية والعراقية عبر عملية عسكرية للتحالف الدولي تصل من خلالها قاعدتي التنف على الحدود الاردنية بقاعدة حقل العمر وبالتالي قطع الطريق البري الواصل بين غرب العراق ووسط سوريا الذي تستخدمه إيران لدعم أذرعها في سوريا ولبنان .
لعل العائق الوحيد أمام هذه العملية هو الوجود الروسي في المنطقة وعدم رغبة الأمريكان بالتصعيد مع روسيا في سوريا .
في حال نضوج الظروف الدولية والاقليمية فإن هذا الصيف سيكون ساخناً في المنطقة وسيغير خارطة التحالفات المحلية فيها , في ظل ازدياد عمليات التطبيع مع نظام الأسد .
فهل تستكمل الولايات المتحدة عملية حصار النظام السوري عملياً بعد سلسلة العقوبات التي أصرتها بحقه والقوانين المعرقلة لعمليات التطبيع معه ؟
لعل عملية عسكرية في المنطقة تجعل من ذلك أمراً واقعاً , وبالتالي خلط أوراق المنطقة مجدداً .