في مفهوم الوطنية والانتماء
هل هي مسألة وعي أم مسألة وقت؟
لا أحد ينكر على أي سوري في أي بقعة من هذه الأرض _التي شُردنا فيها _ قلقه وترقبه وانتظاره لنتائج الانتخابات التركية، وذلك لارتباط القضية السورية ارتباط وثيق بكل تفاصيلها ومراحلها بتركيا خاصة بعد تدخل تركيا بكل مراحل ومفاصل الثورة السورية، ولانعكاس نتائجها على الوضع السوري سلباً أم إيجاباً، ونحن هنا لانناقش انعاكاسات السياسات التركية على الملف السوري وإنما ننظر بصورة بانورامية لمعنى الوطنية الاصيلة والفهم العميق للديموقراطية التي يتميز بها الشارع التركي مقارنة، بالضحالة الفكرية والسياسية التي أصابت الشارع السوري بسبب سياسات النظام وعلى مدى عقود.
اليوم وتركيا تنتخب.
المواطن التركي يتجه لممارسة حقه دون أي تكلف أو تصنع لمعرفته بأنه يقوم بواجبه من مكانه ومن موقعه الذي هو فيه، وأن مايقوم به كما هو واجب هو حق له وأن على من انتخبه أن يكون وفياً لوعوده التي جعل منها برنامجاً انتخابياً، هذا الاحساس العالي بالمواطنة والفهم العميق للديموقراطية حتى لو كانت محفزاتها ذات خلفيات مختلفة عرقية أو دينية أو قومية تبقى مثار احترام .
بالمقابل فإن ممارسات الشخص السوري الذي حصل على الجنسية التركية تظهر أنه طارئ على تلك الممارسة ابتداءاً من طريقة تعامله مع العملية الانتخابية وليس انتهاء بخياراته السياسية والتي لاتستند على قناعات سياسية بقدر ما تقع ضحية الدعايات من كلا الطرفين.
تراه قد أعد العدة من أفضل لباس لأجمل العبارات لأحلى الصور التي ينشرها هنا وهناك تعبيراً عن مشاركته في هذا العرس الديمقراطي (وكأنه أخ/ت العريس) وكل يحدد عريس الوطن حسب هواه هو لا مصلحة بلده أو مصلحة البلد الذي أصبح حديثاً مواطناً فيها، وربما دون أن يطلع على البرنامج الانتخابي لهذا أو ذاك.
بنظرة تأملية لهذه الحالة يداهمنا التساؤل التالي.
كم من السنين والدماء نحتاج حتى يتطور الوعي الجمعي عند شعبنا؟
ان قسنا معاناتنا بالسنوات فهذه السنوات كفيلة ليتطور هذا الوعي ويصبح لدينا فهم حقيقي نستطيع من خلاله قياس رغباتنا واحتياجاتنا بكافة اشكالها.
وإن قسنا معاناتنا بالدماء التضحيات والكوارث التي عشناها فهي كفيلة بأن تجعل الرضيع حكيماً وفيلسوفا.
يبرر البعض بأن مايحدث تجربة جديدة على السوريين، وهذا فشل آخر إذ لم تستطع المعارضة السورية خلال عقد من الزمن وأكثر أن تنتج حالة جمعية ووطنية تميز بين مايجب ومايكون وماهو مطلوب، خلال هذا العقد وبالرجوع للتجربة التركية نشأ جيل كامل، لكنه فهم مايتوجب عليه فعله اتجاه بلده.
فلم يذهب لانتخاب اردوغان فقط لانه الرئيس السابق، ولم يذهب لانتخاب منافسيه لمجرد المناكفة السياسية، لقد ذهب المواطن التركي لانه مقتنع بدوره في بناء وحكم وطنه، وهذا مايسمى بحق الوطنية.
الوطنية ممارسة وليست شعارات، وأول أشكال هذه الممارسة هي معرفة مايجب ومايكون وماعلينا فعله.
هناء درويش