لماذا الذهاب باتجاه النظام السوري ؟.
الهدف إيران وليس بشار الأسد
فراس علاوي
تتسارع خطوات عودة النظام للجامعة العريية فبعد قرار إعادته من قبل وزراء الخارجية العرب في القاهرة , يحضر فيصل المقداد الاجتماع التمهيدي لوزراء الخارجية العرب في جدة تحضيراً لانعقاد القمة العربية والتي تم تأجيلها لعدة أيام لأسباب تتعلق بالأجواء الاقليمية والدولية المرافقة من جهة وباجراءات لوجستية تتعلق بحضور أكبر عدد من القادة العرب للقمة .
ولعل السؤال الأكثر تداولاً بين المهتمين بالشأن السوري هو لماذا هذا التسابق والتزاحم لعودة بشار الأسد للجامعة العربية , وهل هي فعل عشوائي أم خطوات يتم التحضير لها ؟
حقيقة الأمر أن محاولات تعويم النظام السوري ليست جديدة وإنما بدأت منذ العام 2016 بعد أن ظهرت آثار التدخل الروسي في سوريا والصفقات الروسية التركية ومن ثم تراجع التداخل الدولي في سوريا وانكفاء الدور الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط , وكانت الجزائر والامارات والعراق ولبنان ودولة عمان تشكل المحور الضاغط باتجاه إعادته للجامعة , فيما كان الجناح المناهض لعودته أقوى ويملك من الأسباب مايجعل عودته غير ممكنه حينها , وأهم هذه الأسباب هو عدم وجود توافق دولي وإقليمي على مصير النظام السوري ورئيسه بشار الأسد , استمر هذا الانقسام حتى قمة الجزائر والتي بدا فيها أن محور إعادة تعويم النظام بات يحمل زخماً ودعماً أكبر ويعود ذلك لتراجع المواقف الاقليمية خاصة التركية , وبدء الغزل التركي لنظام الأسد ومن ثم توسيع التعاون الروسي التركي بعد الحرب الروسية في أوكرانيا والانشغال الأمريكي الأوربي بها والنشاط الايراني في المنطقة , وزيادة المعاناة السعودية في اليمن وحدوث شرخ جديد في العلاقات العربية العربية بما يخص التعامل مع اليمن .
كان من الممكن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية ولم يكن هناك أي رفض حقيقي لعودته بعد حصول الاردن على ضوء أخضر أمريكي للتحرك باتجاه النظام , لكن الخلاف حول كيفية عودته والتحفظ حينها من بعض الدول على كيفية التعامل معه وتذرع البعض بأن الوضع الاقليمي لم ينضج بعد . لذلك أُجلت عودته لقمة جدة .
لماذا عاد الأسد في قمة جدة ؟
بداية هي رغبة سعودية بالعودة للساحة الاقليمية من بوابة القمة العربية , كذلك محاولة عربية لاستباق التقارب التركي مع النظام وبالتالي تحصيل مكاسب جيوسياسية من خلال العودة لدمشق , تنامي الدور الايراني من خلال تزايد العلاقات الروسية الايرانية والايرانية الصينية , ودخول الصين عبر قوتها الناعمة لمنطقة الشرق الأوسط , واستخدام تجارة المخدرات وتهريبها من قبل النظام كورقة ضغط على المجتمعات العربية , وسط فشل في التقدم بالحل السياسي نتيجة الشلل الدولي في التعاطي مع نظام الأسد .
الاتفاق الايراني السعودي ومحاولة تبريد الجبهات /سياسياً / في ظل تخوف خليجي وعربي من انسحاب أمريكي متوقع ومفاجئ من المنطقة , الأمر الذي كان سبباً بنشاط دبلوماسي باتجاه اسرائيل حاولت إيران كبحه من خلال التقارب مع السعودية من جهة وتنشيط الفصائل الفلسطينية من جهة أخرى .
ماهي الوعود التي قدمتها إيران للسعودية ؟
على الرغم من الغموض الذي يعتري بنود التوافق السعودي الايراني واقتصار الحديث عن الحوار حول اليمن , وضعف تأثير هذا الاتفاق على الوضع السوري , إلا أن التطورات اللاحقة جعلت من التقارب مع النظام ذريعة وليس هدفاً من أجل تحقيق الاستقرار وهو الهدف الاساس الذي تعمل عليه دول الخليج .
لم يعد الملف السوري بشكله القديم / نظام يقتل شعبه / مغرياً للتعامل السياسي بين أطراف النزاع في ظل انسداد أي أفق لمحاسبة النظام فاتجهت الدول نحو التعطيل بما فيها الولايات المتحدة الامريكية والتي ركزت جهدها في سوريا على قوانين التعطيل والتي تحتاج إلى وقت وآليات مما يسمح للقوى المتداخلة على الأرض بحرية وهامش للحركة استغلته الدول المتداخلة .
العمل الان هو على تعطيل نفوذ الدول في سوريا , لذلك فالهدف العربي هو تعطيل النفوذين التركي والايراني في سوريا ويتم هذا العمل بدعم وضغط روسي واضح , فليس من مصلحة العرب تشكيل محور ايراني تركي في سوريا , كذلك ليس من مصلحة روسيا نشوء حلف اقليمي قد يقوي إيران في المنطقة .
لذلك فمن الممكن أن يكون الاتفاق الايراني السعودي قد ضمن عدم تصعيد ايراني في حال حدث اي عمل عسكري محدود جنوباً .
الخطوات التركية المتسارعة اتجاه النظام , سرعت من الخطوات العربية في سباق لتحصيل أكبر عدد من المكاسب والتي أهمها الطرق البرية الواصلة للخليج عبر الممر السوري وبالتالي كان لابد من إعادة النظام للجامعة العربية رغم ادراك العرب بأنه ليس هناك جدوى من عودته ولافائدة ترجى منه , وذلك لعدة أسباب أهمها وجود تيار قوي داخل النظام موالي لايران ولايرغب بالانفكاك عنها , وقد كانت زيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي ضمن هذا السياق لتأكيد الوجود الايراني في سوريا ولضمان التواجد الايراني من خلال ربط النظام السوري باتفاقيات اقتصادية , مما يعني بأن ايران وجهت ضربة استباقية لكل الجهود التي ترمي لتحجيم الدور الايراني في المنطقة .
وبالتالي فإن تحول الجغرافيا السورية لساحة صراع سياسي بعد ابتعاد الخيار العسكري وتراجع فرصه , يعني تشكيل محاور وتوافقات سياسية جديدة قد تظهر خلال فترة الانشغال الامريكي بالانتخابات الرئاسية , هذا التحول دفع الادارة الامريكية بالاسراع لاقتراح قانون في طريقه للاقرار على منع التطبيع مع بشار الاسد كرئيس لسوريا .
وبالتالي فإنه يمكن وصف مايحدث بأنه رسم الخطوط العريضة للحل في سوريا عبر إعادة رسم التوافقات وحدود التدخل , وتوازع الادوار على الجغرافيا السورية , مما يعني أننا قد نشهد انسحابات عسكرية مقابل حضور سياسي واقتصادي وتقاسم للنفوذ عبر قوى محلية وأذرع تدعمها الدول المتداخلة بالشأن السوري .
لذلك فقد تشهد الفترة القادمة ظهور قوى جديدة على الساحة السورية مدعومة من قوى دولية وإقليمية تتوازع السيطرة على الجغرافيا السورية , وهو مايتعارض مع المشروع الايراني الهادف للسيطرة على الجغرافيا السورية .
لذلك نحن أمام احتمالين
الأول الذهاب إلى استقرار ميداني مع تقاسم للنفوذ محلياً بدعم دولي اقليمي بانتظار نضوج الظروف لايجاد حل سياسي يرضي جميع الاطراف المتداخلة .
الثاني الذهاب لصراع اقليمي بادوات محلية وبالتالي عودة الاشتباكات والعمليات العسكرية وإنما بصورة محلية تشبه ماحدث أعوام 2015 و2015 قبيل سيطرة تنظيم الدولة .