في موت الدكتاتور
فراس علاوي
ثلاثة أجيال سورية نشأت وتربت كان فيها رأس السلطة واحداً، لم تعرف هذه الأجيال رئيساً للبلاد غيره.
كانت تنام وتصحو على أقواله وصورته التي كرسها له الإعلام الرسمي، حتى بات الأول في جميع المجالات، فقد كان الجندي والطيار والفلاح والطبيب ولاعب كرة القدم الأول.
جميع الإنجازات تهدى إليه، فإذا قام الطبيب بعملية جراحية تكون بتوجيهاته، وبتوجيهاته وقيادته الحكيمة يسجل لاعب الكرة هدفاً.
وحدها توجيهاته في بناء البلد لم تكن حكيمة، بل كانت موجهة، سخّر كل مافي البلاد لخدمة السلطة، خلال العقود الثلاثة تراجع الاقتصاد والحريات السياسية والثقافية والعامة وتصدع المجتمع وهربت رؤوس الأموال وامتلأت المعتقلات بأصحاب الرأي، وتحولت الثقافة إلى ارتزاق وأصبح الفساد منظماً.
كل شيء كان في خدمة السلطة، حاول حافظ الأسد الإمساك بجميع خيوط اللعبة، وبالتالي السيطرة على المجتمع وجعله في خدمة السلطة بدلاً من حدوث العكس.
أمسك حافظ الأسد بيده السلطة والاقتصاد والجيش
وامتلك دائرة من المنتفعين والمتزلفين انتقاهم بعناية لدعم سلطته، متحولاً عندهم إلى نصف إله، حاول كثير من مثقفي السلطة اسباغ هذه الصورة عليه شعراً ونثراً وغناءاً، كما عمل الإعلام المدجن على إظهار صورة غير نمطية للدكتاتور تظهره بصفات أكبر مما يتصف بها، في محاولة لفرض هالة تحيط به وتعزز سطوته.
كل ذلك دفع إلى تحول الدكتاتور من شخصية بشرية إلى حالة متكاملة بكل مافيها من غموض وتسلط، لذلك كانت وفاته خاصة فيمن صدق تلك الروايات وبُنيت في مخيلته تلك الاسطورة والهالة شيئاً غير طبيعي، فهم لم ينظروا لموته على أنه شخص كباقي الاشخاص، بالرغم من المرض الذي انهك جسده وبان على ملامحه، وإنما هم كانوا يرون انهيار الحالة التي شكلتها هذه الشخصية والتي كانوا يتمنون ديمومتها، من هنا يأتي سقوط الدكتاتور مدوياً في أذهان تابعيه، بينما يكون حالة تتعدى وفاة شخص إلى انهيار منظومة متكاملة في أذهان معارضيه.
ولعل اسقاط تماثيل حافظ الأسد بعد انطلاق الثورة، ومن ثم إعادتها لمكانها بعد عودة النظام للمناطق التي خرج منها، دليلاً مهماً على الحالة التي شكلها وجود حافظ الاسد في أذهان معارضيه ومؤيديه.
ولعل رمزية تحطيم تماثيله تعادل إن لم تكن تغلب حالة موته الفيزيائي الأول في اذهان الجميع.