سوريا إدارة الأزمة وليس حلها
محمد سليمان
على مدى سنوات يسأل السوريون أنفسهم بشكل يومي، سواء في الداخل أوالخارج مجموعة من الأسئلة، خلاصتها:
أين يمضي بهم المآل؟
وهل من مخرج للمأساة السورية؟
وهل لهم دور بالخروج منها؟
بعد توقف العمليات العسكرية الكبرى في سوريا، وتثبيت خطوط التماس بين القوات المتحاربة، والوصول إلى وقف إطلاق نار نسبي على كافة الجبهات، بالرغم من وجود بعض الانتهاكات، وتعثر العملية السياسية واقتصارها على مسار بطيء وغير مجد هو اللجنة الدستورية ، هل مايحدث مقدمة لإيجاد حل سياسي شامل وعادل في سوريا وفق مايتحدث به الفاعلون بالملف السوري من جميع الأطراف؟
أم إدارة لأزمة لم يجد الفاعلون الدوليون حلاً لها بعد.
هل اقتنع الروس والإيرانيون بأن حسم الصراع محال عسكرياً؟ وبالتالي إعادة ترتيب أولوياتهم ، خاصة بعد التطورات الدولية الأخيرة المتمثلة بالحرب الروسية الأوكرانية.
هل سيدفع مايجري في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا وإيران للتفكير بضرورة إيجاد حل سياسي ما في سوريا؟
أم أنهم ذاهبون باتجاه المشاركة في إدارة الأزمة، بطريقة يتم فيها احتواء المعارضة، وتمييع أي حل مطروح، ولو كان شكلياً، أملاً بتغيير موازين القوى مستقبلاً.
مايبدو ظاهراً للعيان بعد هذه السنوات العشرية، أن ما قام به المجتمع الدولي من خطوات والتي حاولوا اقناعنا من خلالها بأنها سعي لإنهاء المأساة السورية، إنما هو إدارة للأزمة، وليس سعياً جدياً لحلها، وأن كل ما قاموا به من مفاوضات في جنيف، وطرح هيئة حكم انتقالي بالتوافق بين الطرفين (وهي فكرة لم تكن عملية في يوم من الأيام) لأسباب تتعلق بالملف السوري وخصوصيته، وطرح فهم جديد لقرار مجلس الأمن 2118 والذهاب باتجاه قرار أممي جديد هو 2254، والسلال الأربعة، واللجنة الدستورية ،وتبريد الواقع العسكري على الأرض وتهدئة الأوضاع، من خلال مسار أستانا، إنما كان هذا إدارة للأزمة ولم يكن في يوم من الأيام حلاً لها.
لا بل إن الطروحات الأخيرة من قبيل خطوة مقابل خطوة التي يروج لها المبعوث الأممي بيدرسون، وبرامج التعافي المبكر، وليس إعادة الإعمار التي تتطلب حلاً سياسياً، ومشاريع إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود وعبر الخطوط ،وتوزيعها بما يتناسب مع الاحتياجات النسبية لكل منطقة، درءاً لإنهيارٍ إنساني من شأنه أن يكون عبئا ً على السلطات المسيطرة على هذه المناطق، كل هذا لايمكن أن يُفهم إلا في نطاق إدارة الأزمة وليس حلها.
ومن الواضح أن إدارة الأزمة تكاليفها أقل بكثير من حلها، وأن ما يشغل المجتمع الدولي قضايا أهم بكثير حسب وجهة نظرهم، من انقاذ الشعب السوري الثائر من جرائم نظام الإبادة.
ولقد اتضح أن هذا الطرح (إدارة الأزمة) يخدم مصالح الدول التي لها علاقة بالملف السوري، جميع الدول المتداخلة، وكل له أسبابه ولعل أمريكا وروسيا هي الأكثر خصوصية بهذا الطرح، مما لا يخدم تطلعات الشعب السوري بنيل الحرية والكرامة، وأدت إلى انهياره اقتصادياً وفككته اجتماعياً.
إذا اقتنع الشعب السوري بأن ما يجري هو إدارة للأزمة، وأن هذا النهج لايخدم مصالحه، فما الذي ينبغي أن يفعله السوريون؟ ممثلين بقادتهم الفكريين والسياسين والثوريين والشعبيين، للخروج من هذا المأزق التاريخي الذي وقعنا فيه.
ألا ينبغي هذا أن يدفع السياسيين إلى إجراء مراجعات سياسية شاملة لكل المرحلة السابقة، وتغيير الكثير من الأفكار الاستراتيجية، التي كانوا يعتقدون أنها ستؤدي إلى إيجاد حل سياسي في سوريا، وأن يقدموا للمجتمع الدولي طرحاً سياسياً من شأنه الاقناع بأنه آن أوان الحل في سوريا، والكف عن سياسة إدارة الأزمة.
ألا ينبغي هذا أن يدفع الكثير من المفكرين والباحثين إلى طرح أفكار عميقة جديدة؟ ، من شأنها إعادة النظر في كل ما تداولناه من أفكار سابقة، ونجم عنها انخفاض المستوى العقلاني للمجتمع ونقص الانسجام فيه، وكانت عائقاً حقيقياَ في طريق رقيه وعدم نيله الحرية.
ألا ينبغي أن يدفع هذا القادة العسكريين والثوريين إلى رص الصفوف وتنظيمها، والبعد عن التنازع الشقاق الذي انخرطنا فيه طويلاً.
كل ما سبق هو مجموعة من التساؤلات يطرحها شعب قدم كل غالٍ وثمين، وأخلص لقضيته الكبرى أيما إخلاص، ولكن لم يحصل مقابل ذلك على ما يستحقه من ثورة عظيمة بهذا الحجم.
محمد سليمان