استهداف أبو ظبي رسائل إيران المتناقضة
عمار جلو
باستهداف منشأة نفطية في منطقة المصفح التابعة لإمارة أبوظبي, تنشط ذاكرة المعلومات لتعيد إلى الواجهة رسالة التهديد التي تلقتها الإمارات من الجارة المشاكسة إيران في العام 2019, بعد الضربة التي تلقتها منشآت النفط السعودية في منطقتي خريص والبقيق, وفحوى الرسالة الإيرانية ” ضربة إيرانية واحدة تدمر اقتصادكم”, والتي أثّرت مع عوامل أخرى لا مجال لذكرها الآن, في تغيير مسار السياسة الخارجية الإماراتية، وصلت بها للهبوط في طهران ودمشق وأنقرة بعد سنوات من التنافس والقطيعة بين أبو ظبي والعواصم المذكورة.
فما الرسالة التي حملها استهداف أبو ظبي من قبل إيران أو أحد المليشيات التي تتأبطها ؟
لم تشفع زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي, طحنون بن زايد إلى طهران ومن قبلها زيارة وزير الخارجية الإماراتي, عبدالله بن زايد إلى دمشق, /الصخرة الثابتة في المحور الإيراني /, في تبديد مخاوف أبو ظبي من استهداف أراضيها, لا بل زادهتا بلة مع توجيه زعيم حركة “أنصار الله”عبد الملك الحوثي, تهديداً مباشراً إلى الدول والشركات التي تعمل في الإمارات جاء فيها : “يجب على كل الدول والشركات التي لها استثمارات في الإمارات عدم التعامل معها كدولة آمنة “.
لم تعلن طهران مسؤوليتها أو تأييدها للعملية, وكذلك لم تقم بإدانتها بحسب تصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية, خطيب زاده التي أشار فيها أن الصراعات الإقليمية لا يمكن حلها بالوسائل العسكرية, إلا أن استضافة طهران للمتحدث العسكري للحوثيين,/ يحيى سريع/ في اليوم التالي لاستهداف أبو ظبي يشير إلى وقوفها خلف العملية, أو الرضا عنها على أقل تقدير, في رد إيراني على مقتل سفيرها لدى الحوثيين حسن إيرلو في العمليات الأخيرة لتحالف دعم الشرعية في اليمن, والمسؤولية الإماراتية القادمة من تأسيس ودعم ألوية العماليق، الفصيل الفاعل في العمليات التي تشهدها الأراضي التي كانت سعيدة يوماً ما.
لا تنفصل الأحداث التي تشهدها المنطقة عما يوضع على طاولة التفاوض في فيينا, بين طهران ودول 4+1 بالإضافة لواشنطن, في مسعى من الأخيرة للعودة للاتفاق النووي الموقع بالعام 2015, والذي انسحبت منه الإدارة الأمريكية السابقة, في رغبة منها للوصول لاتفاق يحّجم نفوذ إيران ومشاريعها الصاروخية والتوسعية, وهو ما عبّرت عنه الإدارة الأميركية الحالية بتعبير اتفاق أقوى, قابلته طهران بعملية تحوير للملفات والاهتمامات التي يمكن أن تربط الجانبين, الأمريكي والإيراني, ومن ذلك تبديل التوسع الإيراني بأمن الخليج والممرات المائية التي تعبرها ناقلات على متنها ما يقارب ثلث التجارة العالمية.
مع استهداف السفينة ميرسرستريت ,في مياه خليج عمان الصيف الماضي, وجهت طهران خلالها رسالة لواشنطن والعواصم الغربية من خلفها, تقايض فيها أمن الخليج والممرات المائية بملف التوسع الإيراني في المنطقة, في خطوة إيرانية للعودة إلى وظيفة شرطي المنطقة, التي مارستها إيران الشاه سابقاً, على إيقاع مبدأ نيكسون القائم على اعتماد قوة إقليمية تضمن مصالح الولايات المتحدة دون وجود قوات لها في المنطقة, وهو ما فرضته الانتكاسة العسكرية للولايات المتحدة في المستنقع الفيتنامي, وترى طهران تشابه في الظروف لإعادة طرح نفسها كقوة إقليمية مؤتمنة أمريكياً, في ظل الانسحاب المتأرجح للأخيرة من الشرق ومعاركه العبثية, وعلى ضوء ذلك تزايدت التحرشات الإيرانية في مياه الخليج وبحر العرب, واستهدافها لبعض الدول المطلة عليهما وآخرها استهداف المنشأة النفطية في أبو ظبي, بأيدي إيرانية عارية أو تغطيها القفازات.
لا تعجز طهران عن رمي أوراق بديلة عن الأوراق المرمية في مواجهتها من قبل أمريكا ودول المنطقة, ضمن مخططات التحول لقوة فوق إقليمية, فمن الإفراج عن مزدوجي الجنسية في مقابلة ملف حقوق الإنسان في إيران, إلى أمن الخليج والممرات المائية في مواجهة تمددها خارج حدودها, إلا أن الحدث الإماراتي وعلى الرغم من سلبيته يحمل في طياته رسالة أخرى تعاكس الرغبة الإيراني, و مفادها ألا مأمن لدول المنطقة من لسعات العقرب الإيراني مهما حاولت التصالح مع ملاليها, ولعل الرسالة قد وصلت للدول الحالمة بمجاورة طهران الملالي .