الدراما السورية .. .. وجه القمر المنير ونصفه الآخر الذي لانراه !
زهرة محمد
يقول سيغموند فرويد، لعل الاستمتاع الفني هو قمة اللذات المتخيلة , ومن خلال الفنان يتيسر تذوق الأعمال الفنية لمن لا يستطيعون الخلق ولا الإبداع ..)
الفن أفيون الشعوب، وهو حالة الخيال الجميل الذي يعطيك حافزا لتعيش الحقيقية، وعندما ينطلق الفن من روح الواقع المعاش يصبح أقرب للقلب والروح، وبالحديث عن الفن السوري التلفزيوني المعشوق الخالد لكل صغير أو كبير، الدراما التي تعتبر المتنفس والمساحة التي تعكس الحياة بين الشخوص والحكاية على المشاهد، التي شكلت نقطة مفصلية في سيرة الفن السوري المقدم منذ سنوات طويلة .والتي تم تأسيسها في يد فرقة المسرح في بداية الستينات على يد عمالقة زرعوا الفن ولكن لم يحصدوا ثمرتها كما هي الحال الآن!، أمثال نهاد قلعي، عبد اللطيف فتحي ، نجاح حفيظ، هاني الروماني، يوسف حنا، سليم كلاس، هيثم المالح … وغيرهم الكثير .
عاشت الدراما بأعمال خجولة ولكنها قوية جدا، وقدمت عدد من الأعمال حيث لا ينسى الجميع كلمة (أسعد) المشهورة في آخر مشهد للممثلة العظيمة منى واصف من مسلسل أسعد الوراق 1975والذي أعيد انتاجه في مطلع قبل سنوات عام 2010، أيضا مسلسل الزباء تمثيل سلوى سعيد عدنان بركات ، مسلسل حارة القصر الشهير إنتاج عام من تمثيل كوكبة كبيرة من الفنانين وإخراج علاء الدين كوكش و 1970الذي قدم حكاية درامية ذات حبكة بوليسية تأخذ المشاهد لدور المحقق بأسلوب جميل لا يخلو من العمق في تلك الفترة .
الدراما بالأمس القريب !!
منذ انطلاق أول مشهد لمؤسسي هذه الصناعة , وتطورت الدراما السورية بشكل لافت خلال سنوات، سواء على الصعيد الفني أو شركات الإنتاج، والتي انتقلت من الإنتاجات المتواضعة إلى أعمال ضخمة هزت قلوب الملايين في الوطن العربي وليس فقط المساحة التي خرجت فعلى سبيل المثال لا الحصر مسلسل ( العبابيد ) ( أخوة التراب ) (نهاية رجل شجاع ) ( خان الحرير ) ( الثريا )( هجرة القلوب إلى القلوب ) والتي ضمت أهل الدراما السورية وبدأ الممثل حينها يعمل بمصداقية أكبر، و أكثر قربا للمشاهد ، هذه الأعمال وغيرها في فترة التسعينات من المسلسلات السورية التي دخلت بيوت السوريين دون استئذان و أثارت لديهم التذوق الفني ، وقد شاهدها السوريون بشغف كبديل عن الدراما المصرية وبدأوا يتعلقون بها على ما كان قبلا.
وخرجت أعمال ذات طابع جديد أيضا و رغم أنها لم تكن بتلك الواقعية فقد عرف بخط (الفنتازيا) الذي أنتج العديد من الأعمال والتي استساغها السوريون في تلك الآونة كفكرة جديدة لم يعرفها من قبل كالبركان و الفوارس والكواسر و الكثير من الأعمال المشابهة.
ويتحدث المخرج المنفذ بسام قطيفان عن أعمال درامية، في أواخر التسعينات ومطلع الألفية الثالثة، وقد لاحت بالأفق بذرة النبوغ و الخروج عن المألوف بقوة الأعمال والزخم الإنتاجي الكبير لها ، والتي كانت تحصد أعجاب وحب الملايين،حيث عمل على توليفة خاصة و نشأت بينه وبين المخرج شوقي الماجري صداقة فنية مثيرة، أنتجت العديد من الأعمال الكبيرة لكنها تعتبر أعمالا عربية أكثر منها سورية، مثل أسمهان, توق، هدوء نسبي، ومسلسل الإجتياح الذي نال جائزة إيمي العالمية لسنة 2008.ويقول أنه كان هناك أعمالا راقية نوعا ما.
أما المخرج السوري عبد الكريم النبيه، عضو مهرجان كان السينمائي فيرى أن الدراما السورية ((عاشت فترات ذهبية وارتقت حتى طغت على الدراما المصرية في مرحلة ما، وقاربت ما يلامس السوريين بشكل عام في بعض المواضيع، ونوه هن مسلسلات قوية ضربت في الصميم، وقال أن النص هو ما يحكم الدراما القوية فالورق الجيد يعطي مسلسلا رائعا، وأضاف أن الدراما حققت نصيبها من النجاح قبل سنوات واستطاعت أن تأخذ الصدارة باعتراف الجميع وليس فقط السوريين .
ومن الناحية الإنتاجية فقد ظهرت شركات الإنتاج لتبدأ مرحة جيدة بإنتاج مسلسلات تتحدث عن الفساد ويقول مدير الإنتاج أحمد منصور، أنه قد قدمت أعمالا كبيرة وتحدثت عن الفساد كان لها سقف جيد نوعا ما وكانت في مرحلة انفتاح واستطاعت استيعاب طرح مواضيع شائكة، وقد أشرف على مسلسلات قوية مثل الخط الأحمر والخيط الأبيض وأسياد المال، والتي كانت تتناول قضايا الفساد والانحلال وحاولت كسر حاجز الجليد في تناول الدراما السورية لمثل هذا المواضيع ، وأضاف أن شركات الإنتاج تقسم لقسمين شركات تريد الربح مقابل شركات تبحث عن الربح والجودة في العمل،وكانت المواد النصية تنتقى حسب قوتها والمواضيع الحساسة والجيدة التي تتناولها .
وقال منصور أنه أشرف أيضا على عمل كان جديد من نوعه وهو معالجة السيرة الذاتية في مسلسل نزار قباني والذي تحدث عن قصة حياته و شعره، بأسلوب تكريم الشخصيات الكبيرة بعد موتها، والتي تعتبر نقطة إيجابية وتحتسب لصالح شركات الإنتاج التي تهتم بالنوع وليس بالكم .
طوال سنوات انطلقت الفضائيات وأصبحت تدخل كل بيت في الوطن وكانت الدراما السورية قد قفزت قفزة نوعية في الكم والنوع ، حسب أراء، فحققت النجاحات ونالت الجوائز العربية والعالمية، وكانت المحطات الفضائية تتسابق للحصول على المسلسل السوري خاصة في السباق الرمضاني المحموم للدراما بشكل كبير.
الأعمال المدبلجة (سوري على تركي) !!
ظهرت خلال العقد ين الأخيرين، أعمالا صنعت دراما من نوع جديد ، تلك النوعية من المسلسلات جعلت الوطن العربي لسنوات طويلة رهين الشاشات لينتظر الأحداث والمجريات في كل حلقة ،ألا وهي الأعمال المدبلجة ، والتي قامت بعض شركات الإنتاج السوري بالاهتمام بها، ورغم أن عدد حلقات تلك المسلسلات كبير جدا وقد يطول لأشهر طويلة فقد استطاعت تلك الشركات إيجاد الفنان المناسب للصوت المناسب ليقوم بدور البطل والذي أصبح معبود الفتيات والعكس صحيح، وقد أدمن المشاهدون المسلسلات المدبلجة ، و بدؤوا بالاعتياد على اللهجة ( السورية الشامية) ، وقد بدأت أعمالا تحظى بنصيب الأسد أيضا وأشهر المسلسلات المدبلجة التي شاهدها الملايين ( سنوات الضياع، نور ، وتدور الأيام ، فاطمة والقائمة تطول، وأصبح هذا النوع ورغم أنه لا يعكس الواقع العربي أبدا ، قريب جدا من قلوب الناس والمتابعين، لأنه يعكس حالة غريبة عن المجتمع العربي ولكن بلغة عربية ، ويجوز أن تلك الحالة الغريبة من التعلق إلى هذا الوقت بالمسلسلات التركية أو غيرها كنوع من الهروب لواقع أجمل أو التعرف على تلك الثقافة الغريبة , ورغم أن النقاد اتهموا الدراما المدبلجة التركية بأنها متدنية المستوى و تجارية وتنزل بالدراما للحضيض ، إلا أن كل هذا بات لا يهم أمام الإقبال من المحطات الفضائية عليها رغم كل تلك الانتقادات، ومن الغريب في الأمر أن تلك الأعمال طبعت وبشكل لافت اللهجة السورية في قلوب الكثيرين من العرب، ومن المفارقات أن الكثير من شعب ( المغرب العربي) يظنون أن السوري إذا تحدث معهم هومن تركيا ،وهذا إن دل على شيء فهو يدل على انتشار ها النوع من الدراما شاء من شاء وأبى من أبى .
ورغم أن هذه الإعمال قد أثرت على إنتاج الأعمال من وجهة نظر شركات الإنتاج، إلا أنها تبقى أيضا مسلسلات مدرة للربح لشركات أصبحت متخصصة في الدبلجة التركية وغيرها .
هل كانت الدراما السورية تمثل الحقيقة أم تمثل عليها!!
رغم كل تلك النجاحات التي حققتها الدراما السورية ، والتي حصدت المشاهدات وتقلدت الجوائز وأخرجت مارد الدراما من القمقم إلى الشاشات والمحطات ، وأصبحت حديث ربات البيوت والشباب و كسرت حاجز الحدود في الوطن العربي ، فتخطت اللهجة و أدخلت عادات المجتمع السوري إلى البيوت العربية.
ولكن على ما يبدو أن الدراما العربية والسورية على وجه الخصوص لم تري المشاهد أو الجمهور وجهها المظلم ،فالكثير من المتابعين والهاوين للشاشة الفضية لا يعرفون بأروقة هذه الصناعة والتي بينما تبدي لنا الوجه المشرق فإن لها وجها أسودا كاذب لا يعلمه الكثيرون، فالدراما لم تكن يوما بمنء عن السياسة المال والسلطة، ودائما ما مشت بخط متواز مع الجهة المتحكمة او المنتجة أو السيادية التي تفرض لها اتجاهاتها وعملها وتصوراتها، فتحذف مشهد أو تضيف ولربما حلقة أو حلقات، حين يبدأ سقف الحرية بالنزول ليلامس رأس العاملين في هذا المجال !!
فحينها لا ينفع الرؤية الإخراجية المبدعة ولا النص الشفاف المحبوك ، بل إن الدخيل القوي هو المحرك وهو الأساس كما في كل شيء في الدراما أيضا!!٠
ويقول الفنان نوار بلبل أن الدراما العربية قبل الربيع العربي، كان يلائم تلك الفترة والتي تعمل على مسايرة المشاهد في الظاهر بينما هي تجعل المتابع يعتاد أمر السلطة والحاكم تبجيله، حيث كانت الأعمال ترسخ هذه المفهوم وتطبل له أيضا، وأضاف أن من أكثر المطبلين المشهورين رأينا على سبيل المثال لا الحصر ، الممثلين دريد لحام في سوريا وعادل امام في مصر، وكانت أعمالهما دائما ما تنتقد السلطة والقمع والفساد، وحين حقت الحقائق انقلبوا على عاقبيهم ، وكانا من ألد أعداء الثورات !!
وأضاف أيضا (( لم تكن الدراما بأفضل حالا يوما ما ،ولم يكن هناك أي شيء يسمى فنا، حتى يصبح فنا حقيقا لأنه لم يخرج من عباءة السلطة ولأنه يعتبر تابعا لما تريد أروقة المخابرات ولا سقف لأي حرية يدعيها ، بل هو أفيون قدم للسوريين، وكذبة كبيرة تخبئ فسادا وعارا، فكل تلك الأعمال كانت فقط للف على المشاهد وتنويمه مغناطيسيا ، واعتبر بلبل أن كل ما تقدم من أعمال كان لتلميع الصورة التي كان يريدها مطبلو نظام الأسد، وقال أن الأعمال كانت عبارة عن (صحن قذارة) زين بالجواهر والبهرجات ليخفي حقيقة الدراما المخيف القذر!!.
قد يبدو هذا غريبا ولكن الحقيقة مؤلمة للبعض أو للكثيرين، إلا أنه وعلى ما يبدو لم تترك الأمور أبدا للصدفة في أورقة السلطة، والغريب أن السلطات كانت فعليا توجه دفة الدراما والمسرح وكان يرعى وجوها مؤثرة كي تؤثر فيما بعد على المشاهد والتابع السوري .
ويتفق مع هذا الكاتب والمؤلف حافظ قرقوط، حيث قال ((أي فن هذا إن لم يكن للكاتب حرية والفن هو الحرية بذاتها؟ !! ورغم ظهور بعض المسلسلات التي كانت تتحدث عن الفساد، إلا أنها كانت لتعويد المواطن على الفساد وليس لمعالجة المشكلة وطرح أسبابها وكشفها !!، و قال أن كل تلك الوجوه ( الملمعة) كانت بأوامر وتوجهات، وأضاف الكاتب أنه ككاتب لم يكن يسمح له بدخول مبنى الإذاعة والتلفزيون إلا لدقائق وهذا بعد أخذ الإذن بينما أسماء كبيرة نعرفها الآن كانت تحرك كل شيء وتقرر ولها صلات مع المسؤولين، وأن أصحاب القرار السلطوي هم من يزكون فلانا وينزلون غيره للقاع، وهذا من طبع النظام الذي فرد أجنحته على كل شيء حتى الفن و كل ما يخصه)).
الدراما خلال الثورة السورية … التدرج إلى القاع !!
خلال سنوات الثورة تعمدت الدراما السورية والتي تتبنى توجهات السلطة الحاكمة، إلى إظهار الحراك والشعب السوري لزمرة من الفاسدين والإرهابيين وكانت المسلسلات تمعن بإسقاطات فارغة على الثورة السورية، حتى في مسلسلات السيرة الشعبية والبيئة الشامية مثل باب الحارة و( أشباهه)، فقد أقحم التشدد والتأسلم، و الزعيم والحارة وعمد إلى تحوير وتحويل المسلسل الذي لاقىا النجاح في مواسمه الأولى إلى دمية خشبية تحركها أيد ولكنها ليست خفية مطلقة فالمعالجة الفجة كانت واضحة ولا تحتاج لفك شيفرة !! .
من جهة أخرى باتت المسلسلات الاجتماعية، وكأنها في حالة فصام وانفصال عن الواقع الذي يجري منذ سنوات، ففي البداية عمد للتجاهل، وبعدها عمد للتدوير القصة رأسا على عقب، و في بعض المسلسلات التي تناولت ما يجري بشكل سطحي وساذج ومضحك في بعض الأحيان على تصوير النظام وأتباعه كأبطال حقيقيين، يهجمون في ساحة الوغى لصد الهجوم الشرير والإرهاب الذي عاث فسادا من الحدود إلى الحدود !! .
وتحدثت الكاتب حافظ قرقوط والفنان نوار بلبل عن(( أن هذه المرحلة هي حصيلة ما تريد السلطة فالسياسة هي التي تملي التوجهات، وأنها عمدت السلطة إلى تسطيحها وتسخيفها كي تخدم مصالحها))
أما المخرج عبد الكريم النبيه فقال (( ليس هناك عملا قبل لمرحلة الحالية وما قبلها، منوها عن المرحلة السياسية التي تمر بها سورية بل إن في كل زمان هناك الجيد والسيء في الأعمال الدرامية، وأن النصوص الجيدة حتما سوف تطرح نفسها وتلقى الرضا والقبول عند المتلقي و قال أن الكتاب الذين كانوا يكتبون قبل سنوات قد تغيروا وهذا ما يعطي لمحة عن سبب الإعمال التي تعتبر ضعيفة و تقدم بأسلوب فج وغير مرضي
ومن الملاحظ أن ذلك لم يكن ذلك مقتصرا على محطات سورية وشركات أنتاج ( مؤيدة) بل كانت الموجة العامة لكل من أتهم الربيع العربي بالإرهاب و بدأ بمحاربته بشكل غبي ومقصود وقد نوه عن ذلك الكاتب فؤاد حميرة في أحد المواقع، و في الإمعان لكل المحطات التي بدأت تدر الأموال الهائلة لمحاربة الإرهاب ومشيرا أن الدراما في ترسيخ النظرة السياسية العامة في تصوير الجماعات المتطرفة بعيدا عن السبب الحقيقي وراء ذلك و كأنها تروج أكثر ما تضع المادة الدرامية لمعالجة قضية أو موضوع ما ودون طرح السبب والحل وتعاطيه بأسلوب مسيس جدا و التي باتت ترسخ مفهوم السلطة ( الكيوت) ضد الإرهاب !!
يقول حميرة (( لن تشاهد مسلسلا يقول إن الظلم والفقر والقهر يولّدون التطرف وإن هذا التطرف يأتي من المناطق والنواحي التي تغيب فيها الدولة، ويغيب دورها في فرض القانون والرعاية الصحية والتأمين الاجتماعي وغياب سيادة القانون وطغيان الفلتان الأمني الأخلاقي، لن ترى كاتبا ينوه إلى دور انتشار البطالة والقهر والافتقاد إلى أدنى أنواع العدالة، من أهم الأسباب التي تؤدي إلى تكاثر التطرف والشبان الأكثر راديكالية.)).
مواخير وأوكار دعارة و شخصيات بلاستكية !!
لم يقتصر حدا انحدار الدراما عند تحويل الحقيقة،بل اتخذ منحا آخر هو إقحام المشاهد الساخنة والحميمية الفجة الفاضحة في كل المسلسلات التي تنتجها منذ سنوات، وكانت تتعمد عدم الخروج من غرف النوم والمشاهد العارية والتي تظهر المجتمع السوري وكأنه وكر دعارة وماخور كبير، تدور فيه المجريات بشكل مرتاح دون قيود ، مثل صرخة روح ، المسلسل الذي خرج عن كل ف حتى الغير مألوف أيضا قد تجاوزه بأميال في الخوض بشكل صارخ عن علاقات الخيانة و العلاقات المحرمة بين الحماة و الصهر والعمة وابن الأخ والأخت وزوج أختها والشذوذ الجنسي، و الذي أثار الرأي العام حتى انطلقت حملة لإيقافه ، أيضا مسلسل فوضى ، عناية مشددة ، وكل تلك الإعمال التي باتت تروج للرذيلة والانحدار أكثر منها بطرح قضية أو قصة !! مقابل تهميش القضايا الأخرى الهامة و التي يجب طرحها كالتشرد واللجوء والقتل وتدمير المدن والاعتقال، في حالة من الاختباء وراء الإصبع، أو تغطية الشمس بغربال و كما يقول المثل ( ( الطبل بحرستا والزمر بعربين )) !!
اللافت ورغم أن الدراما السورية كانت تطرح بعض قضايا الفساد والانحلال بأسلوب ما قبل الثورة إلا أنه أصبحت تطرح القضايا والظواهر الغريبة، أمام الشاشات في حالة اندهاش مما آلت إليه الدراما السورية في المرحلة الحالية، وقد اتفق أغلب السوريين على عدم جلوسهم أمام الشاشات مع أطفالهم وعائلتهم كما كان الحال لأن المشاهد التي تعرض باتت مؤذية للعين والأذن في حوارات بين الممثلين تشكل خدشا للحياء والأخلاق !! .
ويقول المخرج بسام قطيفان (( أن ذلك نتيجة عدم طرح السبب والحل بل تسليط الضوء على المشكلة فقط بأسلوب غريب وفج ، وأن الدراما تعبر عن نمط السياسة التي باتت تحب تلك النموذجات وتشجعها )).
أما المخرجة المسرحية والممثلة بثينة سلوم، فقالت أن الدراما السورية ليست الملامة وحدها ، حقا فهذا حال التخبط الذي يجري بشكل عام ، وقالت أن هذا نتيجة العولمة التي حدثت فما من شيء بات مخبئا وكل شيء مباح، فالدراما هي حصيلة التغيرات الأخرى ، وليست مستقلة بذاتها، وأضافت أن ذلك بات يعتمد على الرادع الأخلاقي، والرغبة حول ما يفضله الفرد عن الآخر، والرادع التربوي الذي يوجد في الأسرة ومتابعة ما يريد أو العكس، فالانفتاح بات يفرض التغيير وعدم وجود رقيب، وقالت أنه يمكن لأي شخص أن يعبر عن حريته وأنها تمارس حريتها الأخلاقية ، مشيرة أن الفرد هو ما يضع تلك القاعدة الخلقية وليس هناك رقيب فعلي، بالدراما وغيرها ))!!.
حيث ترى ممثلا عالميا يسعى بشتى الطرق ليلعب دوره بشكل جدير، فيمكن أن ينقص وزنه أو يرفعه أو يحلق شعره… ويقوم بكل شيء ليحصل على دور يقدمه لجمهوره الذي يهمه رأيه، مثلا فيلم (المكانيكي ) الرائع ل ((كريستيان بيل )) يقوم به بتخفيض وزنه بشكل كبير(28) كيلو، ليمثل دور مريض نفسي يعاني حالة نفسية، ورغم أنا لا نتحدث عن السينما إلا أنه يحضرني تلك القامات الكبيرة التي تبذل كل شيء مقابل أن تحصل على رأي إيجابي من النقاد والجمهور على حد سواء، ورغم ذلك لا يسلم من النقد . .
فيما يفصل الدور في الدراما السورية حسب قياس الممثل على العكس، وترجخ الرغبات أمام رغبة اممثل الشهير الذي لا يريد التأثير سلبا على صورته أو صورتها الجميلة الأخاذة، ويقابل ذلك أن تقوم كل تلك الأعمال على ممثلين بيضوا أسنانهم بالليزر في مسلسل يروي قصة البيت الدمشقي قبل مئة عام، أو فتاة ( معترة) حاقنة البوتوكس ، والتاتو على حاجبيها !!
أما عن الأزياء فحدث ولا حرج فأنت ترى ( المحزق والملزق ) على قول أخوتنا المصريين، والفساتين المزركشة ذات القصة المثيرة، في بيئة شعبية ومسلسلات تحكي عن البيت الدمشقي والأمثال كثيرة ولا تنحصر، هذاعدا المشاهد التي تقوم فيها ربة المنزل بالعمل والتنظيف وهي على أخر موضة .
والحقيقة أن هذه الأمور أصبحت حديث الناس ومجالا كبيرا للسخرية، فهي تقوم على الاستخفاف بعقل المشاهد وتقليل أهميته بأنه يقيم العمل الجيد والراقي من غيره، بالإضافة أنها باتت تشكل نقطع ضعف قوية في الإعمال حيث باتت تحتسب على الإعمال التجارية والتي يهمها الربح والربح فقط بعيدا عن الكيفية والنوعية .
و في شتى الأحوال فإن الدراما لم تكن أبدا بذلك الانحدار كما هي الحال اليوم، والجميع بات يتساءل ما الذي سوف يشاهد غدا أو بعده، وهل هناك أبواب ونوافذ لم يتم فتحها؟، وهل هناك خط أحمرو أخضر واًصفر لم يتم اختراقه؟ ، ويراهن الجميع على الدراما التي خرجت لتعبر عن رأي الناس فعكست واقعا أسودا أكثر من واقعها، كونها لم تتعاطى معه بشكل إيجابي وراقي، فحيث وليت وجهك ترى صدمة وارتباك وحالة من التخبط تعيشه الدراما منذ سنوات …