الإثنين , أبريل 29 2024
الرئيسية / مقال / “رياض الترك: روح النضال ضد الظلم ورمز الحرية الذي لا ينسى”

“رياض الترك: روح النضال ضد الظلم ورمز الحرية الذي لا ينسى”


هناء درويش

في أعماق الظلمة التي تلف السجون السورية
ينغمس المعتقلون في رحلة تعذيب مستمرة. تحلق أرواحهم في جناح الظلمة ,محاولةً العثور على بريق أمل لحريتهم أو لخلاصهم من هذا الموت الذي يعيشونه كل لحظة .
حيث يزرعون ورود الصبر في حدائق اليأس.
يصنف النظام السوري المجرم وسجونه على أنها من أبشع السجون وأكثرها وحشية في التاريخ.
حيث يتفنن المسوخ في طرق تعذيب هؤلاء القديسين المكلومين وكلما كان المعتقل أكثر صلابة كلما أوغلوا في تعذبيه وإهانته.
في تلك المسالخ البشرية
تُقفل أبواب السجون، ويصبح الزمن محلقاً بين الساعات التي تتحول دقائقها إلى سنوات .
فالزمن هناك يُقاس بالسياط والزيت المغلي والسجائر التي تترك أثرها على الأجساد, بين هذا المد المجرد من ثواني الموت والعودة للحياة ، يُجبر المعتقلون على تحمل عذابات الحاضر وظلم الماضي وخوف سجانيهم من المستقبل.
يتفتت الحلم في غرفة الظلام، حيث تتعالى صرخات العدالة المكبوتة , تلك الصرخات التي علقت بجدران الزنازين كان ذنب مطلقها أنه قال ((لا للظلم)) في بلاد الدكتاتور.
في حين كانت حشود الملايين تتوافد (مجبرة) إلى ساحات الوطن لتعزي بمن سموه قائداً خالداً وقف هو ليعلنها بكل جرأة لقد مات الديكتاتور
كان رياض الترك اًو ابن العم كما كان يناديه رفاقه
من أبرز السياسيين السوريين ومعارضي النظام السوري وحكم عائلة الأسد.
اعتقل في زمن أربعة من الرؤساء كان أطولها في زمن حافظ الأسد, حيث أنه دخل السجن لأول مرة عام 1952 لمدة خمسة أشهر في عهد الرئيس السوري أديب الشيشكلي (قائد الانقلاب العسكري الثالث في تاريخ سوريا). واعتقل للمرة الثانية عام 1960 أيام وحدة سوريا ومصر 15لمدة شهراً.
غادر سوريا عام 1963 فور تولي حزب البعث السلطة، وعاد للبلاد بعد عامين تقريباً.
في سبعينيات القرن الماضي تولى الترك منصب الأمين العام لـ”الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي الذي كان محظوراً حينها
كان الترك قد عارض انضمام حزبه إلى الجبهة الوطنية التقدمية عام 1972 لينشق بعدها بعام منشئا “الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي”. قبل أن يتنحى عن منصبه عام 2005.
عام 2000 أجرى الترك مقابلة مع قناة الجزيرة، إبان وفاة حافظ الأسد، ووصفه أثناء المقابلة بالـ”دكتاتور”، فتم الزج به في السجن عامين ونصف العام تحت ضغط من أنيسة مخلوف، التي طالبت ابنها بشار باعتقاله، فتدهورت أوضاعه الصحية قبل أن يطلق سراحه أواخر عام 2002.
وفي عام اعتقاله كان قد كتب مقالا بعنوان “حتى لا تكون سوريا مملكة للصمت”، انتقد فيه تعديل المادة 83 من الدستور السوري لتناسب سن بشار الأسد كي يتولى الحكم.
وبعد عام ونصف من خروجه قال “خرجت من السجن الصغير إلى السجن الكبير، وعلينا جميعا أن نسعى إلى فتح أبوابه. لن أتخلى عن حقي في ممارسة السياسة مهما كانت الظروف. وأهلا بالسجن إذا كان ثمنا للتمسك بالرأي وحرية التعبير”
يوم 16 أكتوبر/تشرين الأول 2005 أطلقت المعارضة السورية “إعلان دمشق”، وهو وثيقة وقعت عليها عدد من القوى السياسية والشخصيات المدنية المعارضة للنظام، دعت فيها إلى إنهاء حكم الأسد وإقامة نظام ديمقراطي تعددي مع رفع حالة الطوارئ، وكان الترك أحد موقعيها.
رد النظام فورا على البيان بسلسلة اعتقالات واسعة طالت معارضين كثرا، منهم الترك الذي اعتقل عام 2001، وشنت حملة قمع ضد الموقعين على البيان،
في بداية حكم حافظ الأسد، الذي تولى رئاسة البلاد عقب انقلاب عسكري ترأسه حزب البعث، اعتقل الترك عام 1980 في زنزانة انفرادية دون محاكمة بسبب انتقاده الطريقة الأمنية التي تدار بها البلاد، ولعضويته في “الحزب الشيوعي”. وبعد 18 عاما من السجن خرج من المعتقل عام 1998 مريضا متأثرا بظروف الاعتقال.

حكمت عليه محكمة أمن الدولة الأسدية على بالسجن عامين ونصف العام بتهمة “الاعتداء على الدستور وإلقاء الخطب بقصد العصيان وإثارة الفتنة، ونشر أنباء كاذبة توهن عزيمة الأمة .
مع اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 أعلن الترك تأييده الكامل لها ودعمه للحراك السلمي ضد النظام السوري، وكان من أبرز ما قاله عامها “ثورتنا سلمية شعبية ترفض الطائفية، والشعب السوري واحد. لا تنازل ولا تفاوض”.
رفض الخروج من سوريا أول الثورة، لكن بعد أن باتت حياته مهددة خرج منها عام 2018 إلى تركيا متخفيا، إذ كان النظام السوري يلاحقه لنشاطه المعارض للسلطة، قبل أن يستقر في فرنسا.
كان الترك من المساهمين في تأسيس المجلس الوطني السوري بين عامي 2012-2014.
و عضوا في المجلس الوطني الانتقالي السوري.
و أمينا عاما للجناح الثالث في “الحزب الشيوعي السوري-المكتب السياسي”.

توفي ابن العم في الأول من يناير/كانون الثاني 2024 عن عمر ناهز 93 عاما في العاصمة الفرنسية باريس.

رحل ابن العم الذي حمل صليب الحرية على كتفيه طويلاً ,لكن كلماته عن الحرية ستبقى محفورة في ضمائر الأحرار ، تدعونا مع إشراق كل صباح إلى مواصلة النضال لبناء سوريا, وطن الحرية والعدالة التي لن تتحقق وفينا معتقل واحد .

شاهد أيضاً

إيران.. ثمنٌ باهظٌ لطموحات خامنئي النووية!

إيران.. ثمنٌ باهظٌ لطموحات خامنئي النووية!   نظام مير محمدي  كاتب حقوقي وخبير في الشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

20 − 17 =