الأحد , ديسمبر 22 2024
الرئيسية / مقال / عندما كنت مراسلا… 4_6

عندما كنت مراسلا… 4_6

عمار مصارع

يمكن لي تصنيف الضيوف الذين كنت أدعوهم للمشاركة في برنامج “ساعة حرة”، كممثلين لوجهة نظر النظام في القضايا المطروحة الى قسمين يتشظى كل منهما الى أقسام، الأول منهما، أولئك الذين يسيل لعابهم أمام “حفنة الدولارات” الموعودة(لم تتعدى المئتين وخمسين دولاراً في حدها الأعلى) غير آبهين بالعواقب، ومتأكدين أن الأجهزة الأمنية التي يتعاملون معها كفيلة باخراجهم من أي ورطة قد يقعون بها، لهذا لايسألون عن انتماءات الضيوف الذين يواجهونهم، ولا عن الموضوع الذي سيناقشونه، مقتنعين أن جملهم المحفوظة عن ظهر قلب كفيلة بانقاذهم من أي مطب قد يصادفونه. والقسم الآخر يحسبها جيدا، ويسأل عن ضيوف الحلقة الآخرين، وعن موضوعها، ولايعطيني جوابا الا بعد استشارة أولي أمره في هذا الجهاز الأمني أو ذاك، ووضعهم في”الصورة”، فإن وافقوا ذهب معي الى بيروت حيث كان البث من هناك، وإن لم يوافقوا يغلق هاتفه، ولا يفتحه إلا بعد انتهاء ساعة البرنامج..!

بَحْحْحْ..طار المستشار !!

لاأذكر الموضوع الذي ناقشته حلقة برنامج “ساعة حرة” عندما دعوت مستشار وزير الاعلام للمشاركة، فوافق من فوره، ولم يكلف خاطره فيسألني عن موضوع الحلقة التي سيشارك فيها، واكتفى بالطلب مني أن أدفع له ” كاش ” أجرة السيارة التي ستقلنا الى بيروت، وأن لامانع عنده أن تكون بالليرة السورية، وذلك لأننا سنذهب بسيارته الحكومية.

وصلنا الى الاستوديو في الوقت المحدد تماما، وكان من بين ضيوف الحلقة في استوديو واشنطن، المحلل السياسي المرحوم محمد الجبيلي ( طليق الشاعرة الأمريكية من أصل سوري، وعضو هيئة التفاوض التي لايشق لها غبار، وأمينة عام حزب “هرتك” من الاحزاب التي “فرختها” الثورة، والتي توحي بأحاديثها – بعد لقائها اليتيم مع هيلاري كلينتون مع عدد من الناشطين- أن “مس هيلاري” لم تكن تذهب الى مكتبها في الخارجية قبل أن تزورها، وتجلس في “تيراس” منزلها في واشنطن العاصمة، لتشرب القهوة التركية معها وتأخذ التوجيهات منها ثم تتيسر الى مكتبها..إنها المعارضة مرح البقاعي.. وعلى أونة وعلى دوه. ..!.)

يومها وضع الجبيلي “مستشار الوزير” في خانة “اليك”، وأحرجه الى الحد الذي أُضطر فيه المستشار لأن ينسى نفسه، ويخرج عن الكلام المكرورالمحفوظ في الاجتماعات الحزبية، ويوافق الجبيلي على فكرة “تنقط سماً” على نظام الوريث المجرم بشار الأسد.. انتهت الحلقة، وقدمت صبية من مكتب بيروت مغلفا للمستشار فيه مئتي دولار، وغادرنا الى فندق خمس نجوم لنتعشى وننام ثم نتيسر صباحا الى دمشق.

جلسنا في “تيراس” الفندق على طاولة العشاء، وفتح المستشار خطه الهاتفي الذي أغلقه أثناء بث البرنامج، وإذ بالهاتف يرن فوراً.. لقد كانت زوجة المستشار على الطرف الآخر، ولأن صوتها كان مرتفعاً، فقد سمعتها تقول له :

– الله لا يوفقو عمار مصارع. ما إن انتهى بث الحلقة حتى أخبروني من مكتب الوزير، إنهم ” شالوك” ( بمعنى طردوك) ويريدون تسليم مفاتيح السيارة بكرة الصبح دون تأخير..!

لم نكمل العشاء، ومن فورنا سلمنا غرفنا لادارة الفندق، وانطلقنا بسيارة المستشار باتجاه دمشق، صامتين ووجوهنا مكفهرة ويلفحنا هواء لبنان العليل..!

عندما بَكُمَ رئيس الحزب

تعني جملة “بَكُمَ الرجل” أنه انقطع عن الكلام جهلاً أو تعمداً، وذلك حسب ماورد في معجم المعاني، الذي بحثت فيه عن جملة تصف بشكل قريب من الدقة، حالة رئيس الحزب الذي لم أعد أذكر اسمه الأول ولا اسم حزبه، وكل ما أذكره عن الرجل أنه من عائلة “المسلط” المعروفة في شمالنا العربي السوري، وأنه درس في جامعة أمريكية (على ذمته)، وأنه بحث عني حتى وجدني، وبحكم أننا من منطقة واحدة فقد التقينا مرات عدة بعد تعارفنا، وكان الرجل “ذرب اللسان”، وقادر على تقديم فكرته بكل فصاحة وطلاقة ووضوح، عندما كان يتحدث عن أنه يبحث عن فرصة اعلامية، يقدم من خلالها نفسه وحزبه، دون أن يخفي غايته بالحصول على رضى النظام عنه، وعن حزبه الذي أسسه، وربما بدعم من عشيرته الكبيرة (وهي كذلك بالفعل ) يتمكن من دخول الجبهة الوطنية التقدمية..!

وقد جاءته الفرصة “على طبق من ذهب”، عندما عجزتُ عن ايجاد ضيف يمثل وجهة نظرالنظام للمشاركة في حلقة من برنامج “ساعة حرة”، مما اضطرني لدعوته، فلبى الرجل الدعوة، وذهبنا الى بيروت، وأنا مطمئن البال أن ضيفي سيكون “قدها وقدود”، ذلك لأني كنت متأكداً أن “لسانه بسبع جطلات..!”

مع وصولنا الاستوديو لاحظت أن صاحبي قد “تلخبط” وأن اصفراراً واضحاً علا وجهه، وطلب كأس ماء، شربه “كرعة واحدة” ودخل غرفة البث وهو يرتعش، وترتعد فرائصه..”كل شي حسبناه الا هذا ..؟!.”..مع أول سؤال من أسئلة الزميل حسين جرادي لرئيس الحزب “انكشف مستوى البضاعة” التي جلبتها.. تلخبط الرجل.. تعرقت جبهته..بدأ يتأتئ..” لاحول ولا قوة الا بالله ..شو هالمصيبة ؟!..”.. الشباب في واشنطن كانوا على الهاتف..طلبت منهم أن يخرجوه من كادر الصورة ..دخلت الغرفة وبيدي قلم غليظ الريشة وأوراق بيضاء، وبعد أن مسحت له وجهه في فترة الفاصل الاعلاني، وقفت خلف الكاميرا وكلما سأله حسين سؤالاً أكتب له رؤوس أقلام للاجابة.. صحيح أن تأتأة رئيس الحزب لم تنته، وأن تعرقه لم يتوقف، لكننا تمكنّا من متابعة الحلقة بالحد الأدنى من الأسئلة الموجهة إليه، وخرجنا مسرعين من مبنى استوديو البث، فيما صوت الزميل “موفق حرب” يلعلع على الهاتف – الذي رميته بعيدا عني – متسائلاً عن مصدر هذه البضاعة التي جلبتها، وهو يلطم على صلعته وينتف ماتبقى من شعر فيها، وعلى مقربة منه – حسب مافهمت لاحقا – يقف العزيز شربل أنطون، فاغراً فاه، متعجباً من مستوى هذه البضاعة التي ورطته فيها…!

700 دولار كلفة عشاء الرفيق

نعم..أحياناً تضطر الى أن تشدّ سرجك على ظهر حمار..لا أعرف حتى الساعة من أين حصلت زوجة الرفيق(..!!) كريم الشيباني على رقم هاتفي، فكل معرفتي بزوج المخلوقة أنه مؤلف لكتاب”حافظ الأسد قائد تاريخي في مرحلة حرجة”، وأنهم كانوا يجبرون كل من يشتري كيس اسمنت أو كمية من الحديد على شراء نسخة من الكتاب، وأنه من شعراء “الستوك”، وأنه علوي من طائفة الرئيس، وأنه كان قد أسس حزباً سياسياً، كاد أن يدخل الجبهة الوطنية التقدمية، لولا أن عزرائيل قد تذكره، وصعد به الى الأعلى..ماعلينا..بعد أن عرفتني “المستورة” بنفسها، دعتني بالحاح الى أن أكون ضيفاً على لقاء سيعقده زوجها لأعضاء حزبه في أحد مطاعم منطقة الكفرون..وما أن قالت أنها وزوجها يتابعاني وهم معجبون بما أقدمه في “الحرة” و”سوا” حتى أطرقت تواضعاً، ووافقت على الحضور من فوري.. ذهبت الى “الكفرون” ذات الطبيعة الخلابة، وحضرت اجتماع حزب زوج المدام، واحتفوا بي الى درجة جعلتني أعد “المدام” بتذكر زوجها في أول فرصة مناسبة، ليظهر على “الحرة” ويدافع عن “سيد وطنه”، ويبهر العالم بفصاحته..!..وهذا ماكان..إذ اقترحته ليكون ضيفا في احدى حلقات “ساعة حرة”، وشحنته معي الى بيروت مع حقيبة ثياب كبيرة أخذها معه، رغم أننا لن نبيت الا ليلة واحدة، وشارك “المخلوق” في حوار البرنامج، وكان راضياً عن أدائه، مؤكداً أن ماقاله سيلفت نظر القيادة، وسيحظى برضى فلان وفلان وفلان من قادة الأجهزة الامنية، الذين ذكر لي أسماءهم، دون أن يغفل عن تذكيري بروابط قربى المدام مع هؤلاء “العتاولة”.. تعشينا في الفندق، وودعته على أمل اللقاء صباحا للعودة الى دمشق.

في الصباح كانت المفاجأة عندما عرفت أنه قد غادر الفندق مبكرا، وأنه مطلوب مني دفع فاتورة مقدارها 700 دولار لقاء تواقيع “زوج المدام” على فواتير طلباته الاكسترا، إذ لم يترك “أخوالحفيانة” بابا من أبواب خدمات الفندق الا وفتحه، حيث طلب من الفندق غسل عدة أطقم وعدة قمصان وبعض الكرافات وكويها عالناشف وبشكل مستعجل، كما قام ب بالاتصال مع بعض معارفه ودعوتهم على مأدبة طعام وشراب في الفندق.. اتصل بهم ” أخو الحفيانة” بعد مغادرتي..!..

دفع مكتب بيروت الفاتورة، وعدت الى دمشق، ومن يومها لم يرد لا هو ولا المدام على اتصالاتي، التي لم تتوقف إلا بعد أن عرفت أن عزرائيل قد تذكره..!..

الصراف الآلي

بجهد جهيد استطعت اقناع الزميل “توفيق جبران” معد ومقدم برنامج أي تيك الذي يعنى بأخبار التكنولوجيا، ويقدم آخر ماوصلت اليه، بأن أقوم باعداد تقرير مصور عن “دخول الصراف الآلي” الى سورية. ويعود سبب صعوبة الاقناع، أن الرجل قال لي – وهو على حق – أن العالم بدأ يتعامل ماليا بالانترنيت، وأن مليارات الدولارات تتنقل من هذا الحساب الى ذاك بالثانية عبر الانترنيت، وأن التعامل بالعملة الورقية يكاد أن يندثر، وأن وأن ..، لكنه في النهاية، وكرمى لعيني وافق على مضض على انجاز التقرير وبثه في برنامجه..!!.

ذهبنا الى المصرف العقاري صاحب “الصراف الآلي ” الأول، إلا أن مديره طلب منّا انتظار موافقة وزير المالية أحمد الحسين (كان وزيرا وعضوا في القيادة القطرية وهو غير أحمد الحسن وزير الاعلام)، لأن الوزير أصدر قرارا بعدم الحديث عن هذا الانجاز الضخم (..!!) إلا بعد الحصول على موافقته.. انتظرت صدور الموافقة اسبوع ..اسبوعين..ثلاثة ولم يجب الوزير، فقررت حينها، وبعد أن انتهت كل الحجج التي كنت أسوقها لتوفيق مبررا التأخر، قررت أن “أطحش” فليس غير”الزعبرة” طريقاً يوصل للهدف.. اتصلت بمكتب وزير المالية، وطلبت منه رقم الهاتف الموصول بالفاكس، كي يستلم مني رسالة موجهة للوزير.. وماهي الا دقائق معدودة حتى كانت رسالة “من كعب الدست” على مكتب وزير المالية، استعنت في صياغتها بكل ماحفظته من مزايدات البعثيين في حب الوطن والقائد، واتهمت الوزير وعضو القيادة القطرية بأنه عدو مستتر للقائد بشار الأسد قائد الاصلاح والتقدم، وأنه من الاجرام بحق بشار الاسد ووالده أن يمنع “حضرة جنابو” تصوير تقرير عن انجاز خارق ماحق ساحق ماكان ليتم لولا حنكة وحكمة بشار..وأنهيتها بأنني إذا لم أصور غدا فسأرفع ماجرى الى القصر الجمهوري..!..

مرت ساعات قليلة، وإذ بوزير الاعلام أحمد الحسن ” شخصياً..!”، يكلمني على الهاتف، ليدعوني الى مقابلته مساءاً في مكتبه بالتلفزيون لأمر هام، عارضاً ارسال سيارته، فوعدته بالمجئ لوحدي وأن المشوار قريب لايحتاج هذه المرة الى سيارته..!.

في اللحظة التي دخلت فيها مكتب الوزير، ومشاهدتي لوزير المالية جالسا قبالته ، قررت أنه لاتراجع عن مضمون ولغة رسالتي، وأنه يجب أن “أرفع الدوز” قليلاً، والافإنهما سيأكلاني لحما ويرمياني عظما.!!..

وهذا ماكان..بين جملة وأخرى “أدحش” اسم قائد مسيرة التصحيح والتطوير، وأرثي لحاله – حال القائد- على تحمله هكذا “قيادات” لم تصل الى مستوى وعيه وحكمته، ونفاذ بصيرته، وأنهم أصبحوا عبئا عليه .. الى آخر هذه الاسطوانة، التي انتهت عندما أكد “الحسين” أنه لم يكن يتقصد التأخر في الاجابة على طلبي، وأن أبواب وزارته مفتوحة لي ساعة أشاء، فيما تكفل “الحسن” بتذليل أي صعوبة قد تعترضني مستقبلا، وهكذا فزت على ” الحسن و الحسين” بزعبرة واحدة وبصوت مرتفع مدروس في كل ثانية منه، مستعيناً بكل ماحفظته عن “الالقاء المسرحي”، الذي درسته في الجامعة، أنا خريج النقد المسرحي
عن موقع ليفانت

شاهد أيضاً

عيشة كلاب

المعتز الخضر أوصلتُ ابنتي إلى المدرسة في الصباح الباكر و عُدتُ أدراجي في السيارة الجرمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

15 − 6 =