الأحد , يونيو 15 2025
الرئيسية / الشأن الإيراني / المواجهة الإسرائيلية الإيرانية .. ضغط لا اجتثاث

المواجهة الإسرائيلية الإيرانية .. ضغط لا اجتثاث

المواجهة الإسرائيلية الإيرانية .. ضغط لا اجتثاث

 

أحمد السالم

 

في زحمة الحروب التي خبرها الشرق الأوسط، لم يشهد الإقليم انفجاراً استراتيجياً كالذي نراه اليوم بين إيران وإسرائيل. فهذه ليست حرباً تقليدية، بل زلزالاً جيوسياسياً قلب خرائط النفوذ والتحالفات، وكسر قواعد الاشتباك التي ظلت سارية لأربعة عقود.

 

لكن ما يجعل هذه المواجهة مختلفة، ليس فقط اندلاعها المباشر، بل أن إيران تخوضها شبه منفردة بعد انحسار نفوذها الإقليمي. ومع ذلك، لا يمكن اعتبار إسرائيل المنتصرة فيها أخلاقياً أو تاريخياً. فالصراع بين الدولتين هو صراع مشروعين يتنازعان الإقليم، ويتشابهان في تغليب القوة على القانون، والفوضى على الاستقرار.

 

من غزة إلى الانكشاف: نزع أوراق القوة الإيرانية

 

بدأت الانهيارات المتسارعة مع حرب غزة الأخيرة، حين قررت إسرائيل إنهاء بنية حماس عسكرياً، بدعم غربي معلن. وسط هذا الزلزال، تحررت دمشق واتخذت قراراً بفك ارتباطها بالمحور الإيراني، مُغلقة طرق الإمداد نحو الضاحية الجنوبية الذراع الإيراني المبتور. بغداد انكفأت على ذاتها، وصنعاء تحجم دورها ببعض الصواريخ والمسيرات التي لا تصل غالباً.

 

بهذا التراجع، فَقَدت طهران أوراقها الإقليمية. انكفأت نحو حدودها لأول مرة منذ 2003، مكشوفة استراتيجياً. إسرائيل التي رأت في هذا الانكشاف فرصة نادرة، اختارت ضرب المشروع النووي الإيراني، لا سحق النظام. إنها حرب ضغط لكبح الطموح النووي، لا لتغيير الحكم.

 

حرب بلا قفازات

 

بموجة من الضربات الجوية الخاطفة، استهدفت إسرائيل منشآت نطنز وفوردو النووية، ومراكز قيادة الحرس الثوري، وبعض المواقع العسكرية المخصصة لتخزين الصواريخ البالستية. أسفرت الهجمات إلى الأن عن مقتل 78 شخصاً وجرح 320، بينهم علماء وضباط كبار، وتسببت بأضرار بالغة في منشآت الطرد المركزي وشبكات الكهرباء.

 

ردّت طهران بموجة من الصواريخ والمسيرات، تجاوزت المئة، أصابت منشآت في وسط إسرائيل، وأسفرت عن مقتل شخص واحد وإصابة 22 وفق أخر الإحصائيات. كما لجأت إسرائيل إلى استخدام طائرات مسيرة صغيرة وأدوات سيبرانية من داخل إيران، ما كشف حجم الاختراق الاستخباراتي.

 

خسائر تتجاوز الدماء

 

بعيداً عن الأرقام، لحقت بإيران خسائر استراتيجية عميقة: فقدان الثقة بقدرتها على حماية منشآتها، اضطراب في قطاع الطاقة، شل الاقتصاد الإيراني. إسرائيل أيضاً، رغم تفوقها التكنولوجي، استهلكت من مخزونها العسكري، وتلقت رسائل واضحة حول هشاشة جبهتها الداخلية.

 

الوكالة الدولية للطاقة الذرية علّقت باقتضاب على الضربات، محذّرة من “انزلاق خطير يُقوّض الضمانات النووية”، لكن دون تحرك فعلي.

 

صمت دولي وإقليمي

 

ردود الفعل الدولية جاءت باردة كجليد. واشنطن اعتبرت الهجمات “دفاعاً مشروعاً”، وأوروبا دعت إلى “ضبط النفس”، من دون مساءلة أو ضغط حقيقي. موسكو الغارقة في أوكرانيا بدت منشغلة، وبكين اكتفت بالمراقبة.

 

إقليمياً، أدانت دول الخليج القصف، كما تفعل عادة، بينما التزمت سوريا “الجديدة” الحياد سياسياً، وسط فرحة شعبية غير خفية في شوارعها، بما اعتبرته “اصطدام أقطاب الشر”. الكل قرأ المشهد وفق مصالحه، لا وفق مبادئه.

 

لا خلاص في هذا الصراع… بل تنازع شرّين

 

بعيداً عن الخطابات المألوفة، لا يمكن اعتبار هذا الصراع معركة بين نور وظلام. إيران ليست ضحية، بل نظام توسّع عبر الميليشيات والأيديولوجيا. وإسرائيل، رغم تقنيتها وتماسكها، تقف على سجل طويل من الاحتلال وانتهاك القانون الدولي.

 

هذا صراع بين مشروعين يتفقان في منطق السيطرة، ويختلفان في أدواتها:

إيران بلغة التسلل، وإسرائيل بلغة الإخضاع.

أما الشعوب، فلا صوت لها وسط هذا الصخب.

 

من سيكتب القواعد الجديدة؟

 

هذه الحرب ليست نهاية مرحلة بل بداية كسر توازن. إيران تراجعت، لكنها لم تُهزم كلياً. إسرائيل تفوقت تقنياً، لكنها لم تربح شرعية دولية أو سلاماً دائماً.

 

الشرق الأوسط يقف على أعتاب خارطة جديدة، لا بفعل حكمة المنتصرين، بل نتيجة فشل المصارعين وغياب أطراف أخرى تساهم في خلق توازن عقلاني . شبح النووي الإيراني أُخرج مؤقتاً من المعادلة، وهذا بحد ذاته تحوّل استراتيجي.

 

ومع انكفاء طهران، وتقدّم تحالفات تبحث عن استقرار بلا وكلاء، يتشكل شرق أوسط جديد. لا كمنطقة حرب مفتوحة، بل كمسرح تفاوض على قواعد القوة.

 

السؤال الأهم الآن:

هل ندخل فعلاً عصر ما بعد الاصطفافات؟

أم أننا نشهد فقط هدنة طويلة… بين شرّين، إلى حين الانفجار التالي؟

شاهد أيضاً

حول استراتيجية التعاطي الأمريكية مع سوريا

كتب الدبلوماسي السوري بسام بربندي فقرات من لقاء مع احد مستشاري ترامب للشرق الاوسط  واشنطن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − 10 =