الخميس , أبريل 3 2025
الرئيسية / مقال / سوريا العدالة الانتقالية أم المؤجلة؟

سوريا العدالة الانتقالية أم المؤجلة؟

سوريا العدالة الانتقالية أم المؤجلة؟

أنس الفتيح

 

انتشرت في الأيام الأخيرة صور لفادي صقر وهو يتجول بحرية في مناطق الساحل السوري، والذي يعتبر واحدًا من أبرز قادة الميليشيات التابعة لنظام الإجرام الأسدي قبيل سقوط النظام، يأتي ظهور صقر المتكرر بالتزامن مع الإفراج عن مئات من عناصر النظام ممن يوصفون (بالشبيحة) الذين تورطوا في جرائم موثقة ضد المدنيين. 

 

بدا هذا المشهد وكأنه شكل من اشكال تجاهل ملف المحاسبة، فلم يكن مجرد صدفة، بل بدا وكأنه يعكس نهجًا متبعًا في إعادة تدوير واستيعاب شخصيات تابعة للنظام السابق تحت غطاء التسوية السياسية.

 

إلى جانب ذلك، ظهرت شخصيات محسوبة على نظام الإجرام الأسدي بشكل أو بآخر، في الإدارة التي جرى تشكيلها مؤخرًا، بدءًا من اللجنة الدستورية، مرورًا بمؤسسات حساسة مثل مجلس الإفتاء وصولاً لبعض الوزارات الجديدة.

 

نظرة سريعة على ماسبق تشير إلى وجود تحديات معقدة تتعلق بالمحاسبة والعدالة، حيث تذهب بعض التحليلات إلى أن هناك تطبيقا ضمنيًا للقرار 2254، مما يعني إدخال “شبيحة الدرجة الثانية” أو على الأقل مؤيدي نظام الأسد البائد إلى مفاصل الحكم بطريقة أو بأخرى. 

 

هذا القرار، الذي كان يهدف إلى إيجاد حل سياسي في سوريا والذي لطالما ماطل الرئيس الفار تطبيقه، قد يفضي اليوم إلى تقوية وضع بعض الشخصيات أو الجماعات التي كانت جزءًا من نظام القمع الممنهج، مع التأكيد على وجود تصريحات للمسؤولين في الإدارة الجديدة على أن المحاسبة ستطال رموز التشبيح الذين ارتكبوا الجرائم الأكثر شهرة في مراحل سابقة.

 

مع ذلك، حتى لو أرادت الإدارة السورية الجديدة المضي قدمًا في مسار المحاسبة وكانت جادة في ذلك بعيدًا عن أي ضغوط، فهي لن تتمكن عمليًا من ملاحقة جميع المسؤولين عن الانتهاكات. حيث عمد نظام الإجرام الأسدي على ربط طيف واسع من الأفراد والكيانات بجرائمه، بحيث أصبح من الصعب محاسبة جميع المتورطين دون زعزعة ركائز الدولة بأكملها. علاوة على ذلك، فإن الحرب امتدت لأكثر من عقد من الزمن، منذ اندلاع الثورة السورية في مارس 2011، مما يعني أن عدد المتورطين كبير للغاية، بدءًا من الأجهزة الأمنية وقادة الميليشيات وصولًا إلى شخصيات مدنية استفادت من شبكات الفساد التي بناها النظام.

 

ورغم أن بعض التوصيات التي خرج بها مؤتمر الحوار الوطني، وكذلك أحد مبادئ الإعلان الدستوري، قد نصت صراحة على العزل السياسي، إلا أن الواقع على الأرض يبدو مختلفًا تمامًا. إذ أن التجاذبات السياسية الدولية والاحتقان الطائفي واصطفافات (الضد) تعرقل تطبيق هذا المبدأ.

 

التجربة التي حصلت في البوسنة والهرسك في ملف العدالة الانتقالية تقدم دروسًا مهمة للحالة السورية، حيث واجهت البلاد بعد انتهاء الحرب الأهلية في التسعينيات تحديات كبيرة في محاسبة مرتكبي الجرائم. وعلى الرغم من إنشاء المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة لمحاكمة المسؤولين، إلا أن العملية كانت بطيئة ومعقدة، إذ تمكن العديد من الجناة من الإفلات من العقاب بسبب ضعف التعاون السياسي، ونقص الأدلة، وتعقيدات قانونية أخرى. وحتى في القضايا التي شهدت إدانات بارزة، استغرقت العدالة سنوات طويلة، ما أثر على عملية المصالحة والاستقرار في البلاد.

 

في سوريا، قد تواجه عملية المحاسبة عراقيل مماثلة، مثل صعوبة جمع الأدلة، وغياب بيئة قانونية مستقلة، وضغوط سياسية قد تؤدي إلى تسويات تتيح لبعض المتورطين في الجرائم الإفلات من العقاب. يضاف إلى ذلك الأعداد الهائلة للاجئين السوريين، مما يؤدي إلى غياب جزء كبير من الشهود المحتملين.

 

ولتحقيق العدالة الانتقالية، لا بد من العمل على مسارات موازية تبدأ بالمحاسبة القانونية لمجرمي الحرب، من خلال محاكم وطنية أو دولية، مع توثيق الجرائم وجمع الأدلة لضمان كشف الحقيقة. كما يتعين تقديم تعويضات للضحايا، سواء كانت مادية أو معنوية، وهو أمر يواجه صعوبات بالغة نظرًا للوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا. 

إلى جانب ذلك، يجب إعادة هيكلة القضاء لضمان عدم تكرار الجرائم، مع السعي لتحقيق مصالحة وطنية تقلل من الانقسامات المجتمعية وتساهم في بناء مستقبل أكثر استقرارًا وبناء عقد اجتماعي جديد قائم على العدالة.

 

وفي هذا الإطار، ولإطلاق هذه المسارات، يمكن التفكير في حلين،

 أولهما وهو ما يحدث حاليًا ويتمثل في الحشد لحملات مناصرة تطالب بالمحاسبة عبر الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للضغط بما يسمى المحاكم الجماهيرية، والذي يبدو أنه ذا أثر عند الإدارة الجديدة إلا أن هذا النهج يبقى محصورًا في محاولات فردية لا ترقى إلى مستوى قضية وطنية عامة. أما الحل الثاني فيكمن في دعم جمعيات الضحايا والمنظمات القانونية لرفع قضايا جماعية ضد مرتكبي الجرائم، وهو نهج قد يمنع الإدارة من (التهرب) ويجبرها على المحاسبة.

 

 

وبينما يحاول السوريون دفع عجلة العدالة، سيظل التوازن بين المساءلة والاستقرار السياسي والاجتماعي تحديا رئيسيا لا يمكن تجاهله.

في النهاية، يظل تحقيق العدالة في سوريا اختبارا حاسما لمدى جدية المجتمع الدولي والإدارة الجديدة في إنهاء إرث الجرائم والإفلات من العقاب، وهو أمر لا يمكن فصله عن مستقبل البلاد واستقرارها.

شاهد أيضاً

لبنان وأزمة الداخل السوري: أين الأولوية ؟

 لبنان وأزمة الداخل السوري: أين الأولوية ؟ عبد الله عبدون ✍🏻. ما يجري اليوم في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

1 × خمسة =