مدى فعالية الرقابة في دعم جودة اتخاذ القرارات:
سعد الأطرش
تُعتبر الرقابة بمفهومها القانوني والسياسي كعملية مساءلة ومعاقبة لصانع القرار عند الخطأ أو التقصير من أهم الأدوات التي تُعزز الانضباط المؤسسي وتدعم اتخاذ قرارات رشيدة. إذ إن وجود نظام واضح للرقابة والمساءلة يفرض على صانع القرار أن يتحرّى الدقة، ويُفكر بعواقب قراراته، مما ينعكس إيجابًا على جودة الأداء العام في المؤسسات والدولة. فهل فعلاً تؤدي الرقابة إلى قرارات أفضل؟ وما حدود فعاليتها في الواقع؟ هذا ما سنحاول معالجته في هذا المقال.
أولاً: مفهوم الرقابة كأداة للرقابة والردع
الرقابة تعني إخضاع أصحاب القرار للمساءلة القانونية أو الأخلاقية أو الإدارية، في حال اتخذوا قرارات أضرت بالمصلحة العامة أو تجاوزوا صلاحياتهم. وتختلف الرقابة حسب النظام القائم، فقد تكون:
إدارية: داخل المؤسسة نفسها (مثل اللوم أو النقل أو الفصل).
قانونية: من خلال القضاء (مثل العقوبات الجنائية أو المدنية).
سياسية: من خلال البرلمان أو وسائل الإعلام أو الرأي العام.
وجود هذه الأشكال من الرقابة يمنع تغوّل السلطة، ويُرسي مبدأ المسؤولية.
ثانياً: كيف تؤثر الرقابة على جودة اتخاذ القرار؟
1. تزيد من الحذر والدقة في القرار:
المسؤول الذي يعلم أنه سيُراقب ويُساءل إذا أخطأ، سيكون أكثر تمحيصًا، وأقل اندفاعًا.
2. تشجّع على جمع المعلومات والتحليل الموضوعي:
الرقابة تفرض على صانع القرار أن يبني قراره على أسس علمية ومدروسة حتى يمكنه الدفاع عنه لاحقًا.
3. تحفّز على مراعاة المصلحة العامة:
المسؤول الخاضع للرقابة يضع في اعتباره الآثار الاجتماعية والاقتصادية للقرار، لأنه يعلم أن التجاوز سيُكلّفه منصبه أو سمعته أو حتى حريته.
4. تحدّ من الفساد والانحراف الإداري:
حين تكون الرقابة فعلية وليست شكلية، تقل فرص المحاباة، والمحسوبيات، والقرارات ذات الطابع الشخصي أو السياسي الضيق.
ثالثاً: شروط فعالية الرقابة
لكي تكون الرقابة أداة فعالة في دعم جودة القرارات، يجب أن تتوفّر عدة شروط، منها:
1. الوضوح في تحديد المسؤوليات:
لا يمكن رقابة المسؤول إذا لم تكن صلاحياته وحدود قراره واضحة.
2. العدالة والنزاهة في إجراءات الرقابة:
الرقابة يجب ألا تكون أداة انتقام أو تصفية حسابات، بل مبنية على معايير عادلة.
3. الاستقلالية في الجهات الرقابية:
لا بد أن تكون الجهة التي تُراقب مستقلة عن الجهة التي تُتخذ فيها القرارات.
4. التدرّج والتناسب في العقوبات:
حتى لا تؤدي الرقابة إلى شلل في اتخاذ القرار بسبب الخوف المفرط من العقوبة.
رابعاً: التحديات التي تواجه الرقابة في دعم القرار
رغم أهميتها، إلا أن الرقابة تواجه عوائق عدة في كثير من البيئات، منها:
غياب الشفافية: مما يعيق كشف الأخطاء أو تتبع القرار إلى مصدره.
الروتين الإداري وضعف المتابعة: ما يجعل كثيرًا من القرارات تمرّ دون مراجعة حقيقية.
الخوف المبالغ فيه من الرقابة: قد يؤدي إلى التردد، والامتناع عن اتخاذ قرارات ضرورية، خاصة في الأزمات.