هل سيتم إنهاء مشروع قسد شرق سوريا؟
مصطفى الحلبي
مع تزايد الأحداث السياسية والعسكرية في منطقة الشرق الأوسط والتي أصبحت محط اهتمام دولي واسع، خاصة بعد إسقاط نظام الأسد، وتداخل المصالح الاستراتيجية بين القوى الكبرى.
في هذا السياق، تبرز قضية ميليشيات قوات سوريا الديمقراطية (قسد) كواحدة من القضايا الشائكة التي تثير الكثير من الجدل والتحليل.
تمثل قسد، التي تشكلت عام 2015 بعد اندلاع الثورة السورية، جزءًا من التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، مما منحها دعماً عسكرياً وسياسياً من دول كبرى منها الولايات المتحدة الأمريكية.
وبعد إعلان ( القضاء على التنظيم) بقيت مسألة وجودها وتأثيرها على الاستقرار في سوريا موضوعًا للنقاش والتحليل.
ظهرت قسد كفصيل عسكري أساسي في الصراع السوري، حيث نجحت في تحقيق وجود لها في الحرب ضد تنظيم داعش في مناطق كالرقّة ومنبج.
تتشكل قسد أساسًا من وحدات حماية الشعب الكردية، وتعتبر نفسها حامية للأقليات العرقية والطائفية في المنطقة. على الرغم من ذلك، فإن الحكومة السورية الجديدة ومعظم الدول الإقليمية تعتبر وجود قسد تهديداً لوحدة سوريا وطرفاً ساعياً للإنفصال عن سوريا، وهو ما يتعارض مع النزعة الوطنية السورية وسياسات الدول الإقليمية في المنطقة.
تأثر وجود قسد بالعديد من العوامل الإقليمية والدولية، فقد وفرت لها الولايات المتحدة الدعم العسكري واللوجستي في معركتها ضد داعش، إلا أن هذا الدعم لم يكن خاليًا من المخاطر. فالإدارة الأمريكية تسعى لتقليص وجودها العسكري في المنطقة، مما يثير تساؤلات حول مستقبل قسد. في هذا السياق، يمكن أن تتغير الديناميكيات سريعًا، خصوصًا مع إسقاط نظام الأسد وعودة العلاقات الدولية مع الإدارة الجديدة بين سوريا من جهة، وتركيا التي تعتبر قسد تهديدًا لأمنها القومي من جهة ثانية.
هناك العديد من التحديات التي تواجه قسد، سواء من الداخل أو الخارج. داخليًا، تعاني من عدم الاندماج الكامل مع المجتمع السوري، حيث تظل هناك حساسيات تجاه سياساتها في المناطق العربية. كما أن الإحباط والتهميش لبعض الفصائل العربية المحسوبة على قسد قد يهدد الوحدة في المنطقة.
خارجيًا، يواجه وجود قسد تحديات إقليمية كبيرة.
إذ شنت تركيا سابقاً عدة عمليات عسكرية ضد مواقع قسد، باعتبارها تنظيمًا( إرهابيًا) يهدد أمنها القومي على الحدود الجنوبية.
تمثلت هذه العمليات العسكرية في انطلاق عدة عمليات عبر الحدود بهدف طرد قسد وتوسيع نطاق النفوذ التركي في الشمال والشرق السوري. كما يمكن أن تعزز الدول الإقليمية دعم الإدارة السورية الجديدة للسيطرة على كامل التراب السوري ، مما يزيد من الضغط على قسد ومشروعها الإنفصالي.
بناءً على التحليل السابق، يبقى مستقبل قسد غير مؤكد وقد يتجه نحو عدة سيناريوهات.
الأول، هو السيناريو الذي يستمر فيه الدعم الأمريكي لها ، مما يمكّن قسد من الحفاظ على وجودها في بعض المناطق.
الثاني، هو السيناريو الذي يشهد تغييرات كبيرة في السياسة الأمريكية، مما يؤدي إلى انسحاب تدريجي للقوات الأمريكية وبالتالي إضعاف موقف قسد.
السيناريو الثالث، فهو تصعيد التوترات العسكرية، حيث يمكن أن تتحول قسد إلى هدف رئيسي لقوات الجيش التابعة للإدارة السورية الجديدة، ولبعض القوى الإقليمية مثل تركيا، مما يؤدي إلى حرب مفتوحة في المنطقة. ستؤثر هذه الحروب بشكل كبير ليس فقط على قسد، بل أيضًا على مجمل الاستقرار في سوريا الجديدة.
تعتبر قضية ميليشيا قسد في شرق سوريا معقدة ومليئة بالتحولات السياسية والعسكرية. في ظل المتغيرات والمصالح الإقليمية والدولية، يبقى السؤال حول إمكانية طرد تلك الميليشيات أم لا مفتوحًا ويعتمد على تفاعلات متعددة.
إن مستقبل قسد يتوقف على قدرتها على تنفيذ مطالب الإدارة السورية التي بدورها تريد أن يكون الحل غير عسكري، ومن جهة ثانية الإبتعاد عن تهديد الأمن القومي التركي، مما سيبعد تركيا عن شكل الحل العسكري في الفترة القادمة، التغييرات في موازين القوى في المنطقة مستمرة، مما يجعل الأيام القادمة مجهولة للجميع.
في نهاية المطاف، إن معالجة قضايا الهوية والانتماء الوطني ومصالح الشعوب ستكون هي المفتاح لتحقيق الاستقرار الدائم في سوريا.