بين ساعة الضياع ومرارة العودة
هناء درويش
منذ أن تبدأ ملامح شخصية المرء بالتشكّل وأفكاره بالتبلّور ، ويبدأ برسم ملامحها وخطوطها العريضة، وتأخذ تجربته بالنضوج شيئاً فشيئاً.
يبدأ معها ببناء مبادئه وتكوينها كأعمدة راسخة يغرسها في أعماق ذاته، لتشكل أساس شخصيته وقواعده.
يرسم حدوده بصمت، ويبني أسواراً حول قلبه لحماية ذاته من الإنكسار والضياع.
مع مرور الزمن تتطور هذه القواعد لتصبح أكثر انسجاماً مع نضجه، وتتماهى مع وعيه الذي يُنحت ببطء على صخرة الحياة.
لكن الحياة لا ترحم ، فقد تأتي لحظة ضعف تنهار فيها تلك الأسوار التي طالما صمدت أمام الرياح العاتية،
حين تتراكم الأعباء على كتفيه وحين تخونه القوة والحكمة يجد نفسه وقد جرد نفسه من مبادئه كأنه يترك بعضاً من روحه يسقط في العدم
لحظة ضعف عابرة، أو ربما ساعات تطوي في دقائقها سنين، حيث يتوقف الزمن فيها ليتخلى الإنسان عن نفسه وكأنه يفرّ هرباً من ثقل ما كان يظنه يوماً لا يتكرر.
ويال ألمه حين يستفيق على حقيقة هذا التخلي،
الإنسان الذي بنى قناعاته بروحه سيعود إليها مهما طالت أيام التيه.
سيعود مجروحاً، مثقلاً بالندم، باحثاً عن تلك القواعد التي كانت يوماً ملاذه الآمن.
فالعودة بعد الإنكسار هي أشد مراحل الألم،
كأنك تحاول جمع شظايا قلبك المنكسر بيدين مرتجفتين،
وليس كل من ضلّ يعود.
وحدهم المخلصون والصادقون مع أنفسهم، من يجدون طريقهم إلى تلك الأعمدة الراسخة يعودون وقد حملوا جراحهم دليلاً على صمودهم، ليقفوا مرة أخرى على أرض مبادئهم أكثر ثباتاً وقوة، فهم يدركون أن هذه العودة ليست ضعفاً.
بل هي تذكير موجع بأننا مهما ضللنا الطريق سنظل نبحث عن ذواتنا بين رماد الأخطاء،
وبين شقوق الروح التي ستظل تنزف بصمت.