فرق ثقافات
محمد أمير ناشر النعم
سافرت وعائلتي إلى مصر سنة ٢٠١٣، وسكنّا في الإسكندرية، وبدأت، من أجل العمل، أبحث وأجري اللقاءات والزيارات التي ما كانت تأتي بنتيجة. وفي غمرة التفكير لمعت في ذهني فكرة: لماذا لا أنشئ معملاً لصناعة دبس القصب. لم أجد منتجاً مكتوباً عليه دبس القصب في مصر! في اليوم التالي سألت جاري في المنزل العم جرجس:
ــ هل تصنعون الدبس من قصب السكر؟
ــ إيه الدبس ده؟
ثم سألت صديقي في الحي الحاج إسماعيل السؤال نفسه؟ فأجابني الجواب عينه.
وهنا طرت من الفرحة، ورجعت إلى المنزل لأزفهم البشرى. خلاص وجدتها. سأنشئ معملاً لصناعة دبس قصب السكر، وسوف أصدّر البضاعة لكل أنحاء العالم، وقد حان وقت إجراء التجارب.
نزلت إلى أقرب بائع عصير قصب، وقلت له: أريد عشرة ليتر من عصير القصب، وأريد أن تخرج لي من الماكينة قالب الثلج، وتنظفها من الماء جيداً. اريد أن يكون العصير بدون ماء إطلاقاً، وسوف أعطيك عشر جنيهات زيادة. فأجابني متبسماً:
ــ وإنت عايزه كده ليه يا باشا؟
ــ عشان أعمل دبس القصب.
ــ إيه الدبس ده؟
نظرت في عيون أبنائي وكانوا معي، وكأنني كنت أقول لهم: أرايتم. إنه مشروع العمر. المصريون لا يعرفون دبس القصب.
رجعنا إلى البيت. ومباشرة بدأت بغلي العصير إلى أن غدا دبساً، وعندما تذوقناه شهقنا من الفرحة! إنه دبس مثالي. سينافس دبس العنب ودبس التمر.
كيف لم يخطر على بال الشعب المصري كل هذا العمر أن يصنع دبس القصب؟ هل صرف الله ذهنه عن ذلك حتى آتي وأبدأ مشروعي.
دققت باب جاري وفي يدي صحن من دبس القصب، وضيفته إياه. وقلت له: هل يمكن أن تتذوقه؟
غمس إصبعه في الصحن وتذوقه.
ــ ما رأيك يا عم جرجس؟
ــ آه… ده عسل أسود. طيب. جرّب تأكلو مع الطحينة. دي أكلة فاخرة.
ــ يعني إيه عسل أسود؟
ــ عسل أسود… يعني عسل أسود.
ــ من فين بتستخرجوا العسل الأسود ده؟
ــ من قصب السكر.