الثلاثاء , ديسمبر 3 2024
الرئيسية / مقال / فارغ / ذكريات جامعية (الغرفة ٢١٥) .. كلام سوريين..

ذكريات جامعية (الغرفة ٢١٥) .. كلام سوريين..

كلام سوريين|| ذكريات جامعية (الغرفة ٢١٥)

د. أحمد منذر بنشي

دخل باب الغرفة في الوحدة الثامنة ملهوفاً فقد أنهى لتوه تقديم مادة من مواد كلية الاقتصاد التي يدرس و لابد له من تحضير وجبة غداء متأخرة فعمد لإشعال الغاز و قد وضع فوقه طنجرة كبيرة ملأها بالماء و حبات من البطاطا و كم بيضة
أحاديث دارت في الغرفة بين من تواجد حينها حول تقديم امتحانات الفصل الأول الجامعي لم ينتظر الضيوف طويلاً حتى شرع فائز بفرم البطاطا و البيض المسلوق في صينية كبيرة لتتشكل تلة من القطع البيضاء و الصفراء
عندنا مخلل اللفت يسأل و هو يعلم أن هنالك علبة قد جلبتها من إدلب و شرع يقطع شرائح اللفت و الشوندر ليضعها ضمن هذا الخليط العجيب الذي زينه برشة كمون و فليفلة حمرا و كثير من زيت الزيتون
دخل آخر الواصلين و المدعوين و قد هاله منظر السفرة و استغرب الكمية الكبيرة من الطعام
تجمعنا حول الطاولة و لم يبق هناك شاغر لقادم جديد و قد وزع أرغفة الخبز علينا لتشبع بطون جائعة لم تذق الزاد منذ الصباح و كان صاحبنا المستغرب آخر من شبع بعدما مسح الصينية عن آخرها
كان إبريق الشاي يعلن عن انتهاء غليان الماء لترفع السفرة وتوضع كاسات الشاي وتنتهي الوليمة ليتفرق الجمع وقد شكر لفائز صنيعه وكرمه معهم..

وحدن بيبئوا متل زهر البيلسان..
تصدح فيروز بصوتها المنبعث من الجهاز الأسود فوق المكتبة
فقد كان الراديو دائماً على المحطة الوحيدة مونت كارلو
ألتفت للنافذة يساراً لأتابع حبات المطر المتواصلة فلا تلج عندنا يا فيروز و لكنه شتاء حلبي في عقر المدينة الجامعية
كان المنظر يأخذ بلبي فالأشجار المصطفة في منتصف الشارع الذي يفصل المدينة الجامعية عن حي الشهباء الراقي و الأسطح القرميدية الحمراء لتلك البيوت أضفى جمالاً على جمال
كانت المدينة الجامعية شبه فارغة من طلابها فمعظم الطلاب قد غادروها ليعودوا لها بعد بداية السنة الجديدة حيث امتحانات الفصل الأول و لكنني أرتأيت لنفسي البقاء وحيداً في غرفتي حيث كان كتاب التوليد الضخم لا يفارق مكتبي و لا حتى سريري و أحياناً كان يخرج معي للصالون بين جناحيّ الطابق لنمشي سويةً و نستذكر بعض من معلوماته
أطبقت الكتاب و أخذت آخر رشفة من كأس المتة الذي بردت ماؤه لأضع الأبريق على السخانة الكهربائية القريبة مني
أمسح زجاج النافذة من البخار المتكاثف ليتضح لي المشهد جيداً بضع طلاب و طالبات يمرون بين الوحدة الأولى و السادسة بعضهم يحمل مظلة و كثر يستعجلون الخطى تحت ضغط زخات المطر المتواصلة
صرخ عليهم بالشتي يا ديب بلكي بيرجعوا
كانت فيروز تتابع أغنيتها الحزينة قبل أن يقطع عليها إنطوان بارود البث ليقدم موجز أخبار العاشرة صباحاً
البخار المتصاعد من أبريق الماء يخبرني أنه بات علي رفعه من على السخانة فقد غفلت عنه و بات لزاماً علي أن أضيف فوقه بعض السكر كي لا أفسد ضرب المتة الذي لم ينتهي بعد
تصدح هيام بصوتها الملائكي فرغم أنني لا أحبذ سماع الأبراج و لكن صوتها يجبرني على متابعتها حتى تصل لبرج الجدي علها تبشرني أنني سأجتاز إمتحاني الأول الذي يأتي مع عيد ميلادي في اليوم الثاني من السنة الجديدة
كانت بعض غرف الوحدة الأولى و التي تضم معظمها طالبات الطب و اللاتي آثرن البقاء للتحضير للامتحان قد زيّن غرفهن إحتفالاً بعيد الميلاد مما أضفى على الكتلة الأسمنتية بعض البهجة
أعود لأجلس أمام مكتبي لأفتح كتاب التوليد مرة أخرى و كأس المتة بيمني لأدخل عالم آخر …

شاهد أيضاً

أين هي أمك؟

وينها أمك ؟ نص ل هناء درويش وينها أمك؟   السؤال الذي كان أول ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة × 2 =