التداخلات الدولية في سوريا أسبابها
فراس علاوي
ليس من مصلحة أي طرف دولي خوض حرب مباشرة في سوريا لأن مكاسبه ستكون أقل من خسائره
لعل الفترة مابعد العام 2011 شهدت أكبر تدخل دولي في تاريخ سوريا سواء من حيث عدد الدول المتداخلة أو من حيث طبيعة التدخل والصراع في سوريا
إذ تجلت لعبة الأمم كما ذكرها /مايلز كوبلاند / في كتابه الذي يحمل نفس الإسم بأبهى صورها في المسألة السورية فجميع اللاعبين على الأرض السورية يمسكون بخيوط اللعبة ولايرغب أي لاعب الإفلات بأي خيط , رغم أن اللعبة قد تبدلت مراراً من حيث قواعد الاشتباك وتقاطعات اللاعبين إلا أن مراكز اللاعبين لم تشهد تبدلاً كبيراً , ومع ذلك فقد تم الزج بكل مرحلة من اللعبة بلاعب جديد غالباً ماكان هذا اللاعب محلي /النصرة , أحرار الشام , داعش , قسد, المليشيات الإيرانية والعراقية والأفغانية , حزب الله اللبناني /
ومع ذلك لم تحقق أي من الدول المتنافسة أي نصر يذكر باستثناء بعض الإنتصارات أو الجولات المرحلية والتكتيكية سواء على مستوى السياسية أو على الأرض , بذات الوقت أبقت جميع الأطراف على مسافة أمان فيما بينها بحيث لايحدث صدام غير معروف العواقب ولا النهايات على الأرض السورية , إذ لم يشهد الصراع في سوريا أي إنفجار حقيقي يؤدي إلى تصعيد الموقف سياسياً وعسكرياً بصورة خاصة وأكتفت جميع الأطراف بالمناكفات السياسية والإعلامية وعقد المؤتمرات السياسية وبالصراع داخل أروقة مجلس الأمن والأمم المتحدة وكواليس مؤسساتها .
فلا حدة في الصراع بين الأطراف المتصارعة يدفعها للوصول لحلول تنهي الوضع لمصلحة أحد الأطراف المحلية التي تدعمها هذه القوى
يشبه الوضع في سوريا لعبة فرنسية قديمة تعتبر من ألعاب التوافق والتنسيق الجماعي ضمن إطار من التنافس
إذ يمسك كل لاعب من أعضاء الفريق بطرف خيط . جميع هذه الخيوط تلتقي بقطعة خشبية تشبه المخلب , تحتاج لتعاون جميع الخيوط بوقت واحد لإلتقاط قطعة من الخشب موجودة على الأرض موضوعة كوتد , حيث يقوم اللاعبون بسحب الخيوط بصورة متوازية وبهدوء وبوقت واحد لالتقاطها وحملها بكل حذر حتى لايتم اسقاطها وبالتالي خسارة اللعبة قبل نقل الوتد لمكان أخر .
وبالتالي إذا تراخى لاعب واحد عن الإمساك بالخيط فشلت اللعبة وإذا قام أحد اللاعبين بشد الخيط أكثر من اللازم فشلت اللعبة وإذا غير أحد اللاعبين مكانه بشكل سريع ومفاجئ فشلت اللعبة وتشابكت الخيوط وبات من الصعب حلحلتها , وبعد الإمساك بجميع الخيوط ينبغي الحذر حتى لاتسقط قطعة الخشب /الوتد/ وتفشل اللعبة مجدداً لذلك هي لعبة تحتاج إلى تركيز وصبر وتعاون حتى بين الأطراف المتصارعة .
أسباب التدخل الدولي في سوريا
تكاد تكون أسباب التدخل لجميع الدول المتداخلة في الشأن السوري واحدة بشكلها العام والظاهري فجميع الدول
1-تبحث عن مصالحها الخاصة التي تحقق لها التفوق في هذه البقعة الجغرافية من العالم والتي شكلت منذ الأزل بيئة خصبة للصراعات والنزاعات الدولية على المصالح الدولية سواء الإقتصادية أو الجيو سياسية
2-تريد تحقيق مكاسب سياسية واقتصادية سواء بتحقيق مصالح خاصة بها أو بمنع الدول الأخرى المتداخلة من تحقيق مصالحها أو بالاستفادة من الموقع /الاستراتيجي / لسوريا بمايخص طاقة المستقبل /الغاز/ في ظل تنافس مشاريع نقل الغاز الروسية الأمريكية .
3-جميع الدول المتداخلة تعاني من أزمات داخلية لذلك فهي تحاول تصديرها للخارج
4-شكلت /القضية السورية /منطقة تشابكات ليس من السهل حلها , لذلك أصبحت محط أنظار إقليمي ودولي وبالتالي أصبح التواجد ضرورياً من أجل الظهور بمظهر القوي .
5-كان قدر الثورة السورية أن تأتي بعد عدة أحداث هامة شكلت فارق في العلاقات الدولية إذ رأت بعض الدول نفسها منتصرة , وأخذت تعمل على حماية نصرها الذي حققته /أمريكا , إيران / في العراق على سبيل المثال ,
وهناك دول وجدت نفسها وقد خرجت خالية الوفاض من تلك الأحداث وأرادت تعويض خسائرها في سوريا مثال روسيا في العراق وليبيا .
شكل سقوط النظام في العراق وقضية البرنامج النووي الإيراني ومن ثم سقوط نظام القذافي في ليبيا أوج الصراع في المنطقة
لذلك فقد دخلت الدول في المسألة السورية وهي تحمل إرث من عدم الثقة والشك ببعضها البعض من جهة ومن إحساس بالخذلان والخسارة أونشوة الانتصار من جهة أخرى , لذلك ارتبط تدخل كل دولة بما تحمله من تبعات الأحداث التي سبقت الثورة السورية .
كان سقوط العراق بمثابة الدرس الذي تعلمت منه جميع القوى الدولية , سواء التي تدخلت بشكل مباشر أو التي نأت بنفسها عن التدخل وفي ميزان الربح والخسارة لم يربح أحد , لكن كان هناك الأقل خسارة إذا استثنينا المرابح الإيرانية من سقوط العراق والتي تمددت ضمن محيطها الإقليمي , بعد انهيار القوة العراقية وبالتالي استطاعت فرض سطوتها على العراق , وبالرغم من الصراع الظاهري مع الأمريكان في العراق إلا أنه لم يصل لمرحلة الصدام الذي يؤدي لنشوب حرب شاملة وعلى الرغم من ذلك يبقى العراق مرشحاً لصدام أمريكي إيراني أكثر منه في سوريا بسبب طبيعة البلدين والقرب والبعد من إيران وقدرة القوات الإيرانية على التحرك وتأمين طرق الإمداد , وهذا مابدا واضحاً من اختيار العراق مكاناً لإغتيال أحد أبرز القادة الإيرانيين منذ إنطلاق /الثورة الإسلامية / في إيران وهو الجنرال قاسم سليماني والذي قتل بالقرب من مطار بغداد خلال استهدافه بطائرة مسيرة /درون / حيث قتل ومعه أبو مهدي المهندس أحد أبرز قادة الحشد الشعبي العراقي في رسالة واضحة لإيران بأن العراق هو ملعب أمريكي وبأنه ليس بوسع الإيرانيين التحرك فيه بحرية مطلقة ,
الأسباب المباشرة للتدخل الدولي في سوريا
مرتبطة بمدى قرب الدول المتداخلة أو ابتعادها عن الإنخراط بالوضع السوري والتي تعتمد على العلاقة مع النظام السوري , لذلك حدث هذا التضاد والتنافر في مواقف الدول المتدخلة بين دول مؤيدة للنظام السوري وأخرى مؤيدة للثورة السورية , منطلقة من علاقاتها ومصالحها مع نظام الأسد ماقبل قيام الثورة السورية , ومن رؤيتها بضرورة بقاء النظام وارتباط بقائه بمصالحها أو ضرورة زواله وإنعكاس هذا الزوال على مصالحها
-من جهة أخرى فإن تدخل الدول كان بسبب اقتراب مايحدث في سوريا من التأثير على أمنها القومي سواء بشكل مباشر من خلال الخوف من انتقال تداعيات الثورة السورية إليها , خاصة بعد اقتراب المعارك بين جيش النظام وفصائل الثورة السورية من حدودها أو خوفاً من نشاط التنظيمات العابرة للحدود والتي نشطت في سوريا واقترابها من أراضيها /القاعدة , داعش , قسد / لذلك كان تدخلها ضربة استباقية لإيقاف تمدد تلك التنظيمات ولضمان أمن حدودها وبالتالي أمنها القومي ,
-تدخل بعض القوى الدولية لحماية أقليات /عرقية , دينية / تعتبر بشكل أو بأخر مسؤولة عن حمايتها بسبب ارتباطات إثنية وعقدية وتاريخية /العلويين , الشيعة, التركمان / على سبيل المثال لا الحصر .
من كتاب الصراع في سوريا حرب العقائد والجغرافيا