الأحد , ديسمبر 22 2024
الرئيسية / مقال / استراتيجية بوتن كييف السورية أم دمشق الاوكرانية

استراتيجية بوتن كييف السورية أم دمشق الاوكرانية

استراتيجية بوتن كييف السورية أم دمشق الاوكرانية

مقال رأي 

فراس علاوي

في ال30 من أيلول سبتمبر عام ٢٠١٥ ‪ وبذريعة مكافحة الإرهاب ولإنقاذ نظام الأسد في العاصمة السورية دمشق، بدأت الطائرات الروسية وبأمر من الرئيس الروسي بوتين بشكل شخصي، باستهداف معاقل الجيش الحر وحاضنته الشعبية على عموم الأرض السورية، الأمر الذي انقذ نظام الأسد حينها من حبل الإسقاط الذي كان يلف حول العاصمة دمشق من قبل الفصائل المعارضة .

لم يكن التدخل الروسي في كليته فقط للحفاظ على العاصمة دمشق ونظام الأسد من الإنهيار، وإنما كان هناك أسباب أخرى كثيرة سياسية كرغبة بوتن بعودة روسيا للساحة الدولية من البوابة السورية واستخدام الورقة السورية وهي آخر أوراقه في الشرق الاوسط للتعامل مع الغرب، بعد الفشل الروسي في العراق وخروجه بخفي حنين وشعور بوتن بأنه تم التلاعب به في ليبيا، لم يبق أمامه سوى سوريا لاثبات قدرته على مقارعة الأمريكان، وبالتالي تلقف الوضع السوري ليتدخل، خاصة أن سوريا هي موطئ القدم الأخير للروس على البحر المتوسط وهذا مايفسر مسارعتهم لاقامة قاعدة عسكرية في اللاذقية، كذلك يعتبر التدخل الروسي في سوريا حرباً استباقية على الفصائل الجهادية التي خاضت معها روسيا حرباً ضروس في الشيشان، إذ تعتبر سوريا بداية نطاق الحماية الاستراتيجي لروسيا، هذا التخوف الروسي وكذلك الرغبة في استعادة دور لروسيا جعلت بوتن يتعنت بسوريا بشكل أكبر بالرغم من التأثير الكبير الذي لحق بالاقتصاد الروسي نتيجة العمليات العسكرية، والتي حاول بوتن تعويضها عبر اتفقات اقتصادية طويلة الأمد مع النظام السوري، جملة الأسباب التي دفعت بوتن للتمسك بالدفاع عن أسوار دمشق بذريعة التدخل الشرعي بطلب من حكومة النظام.

هي ذاتها ينسفها اليوم حين تقف قواته على أهبة الاستعداد لاسقاط الحكومة الشرعية في كييف، ازدواجية الخطاب الروسي الواضحة بين الدفاع عن نظام استبدادي قمعي تسلطي بذريعة شرعيته، واعتبار تدخله شرعياً لأنه بطلب من حكومة معترف بها في الأمم المتحدة.

يتصرف على النقيض منه تماماً حين يهدد باجتياح اوكرانيا ذات الحكومة الشرعية والمنتخبة، ذات الأسباب التي دعته للتدخل في سوريا تدفعه الآن لاجتياح أوكرانيا الحديقة الخلفية لروسيا والتي تسلل الأمريكان إليها ناكثين بعهدهم للسوفييت، بعدم التوسع  بحلف الناتو  شرقاً بعد انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي. 

الموقع الجيوسياسي والاقتصادي الهام لاوكرانيا يجعلها مطمع لكثير من الدول لذلك يرى بوتن بأنه الأولى بها بذريعة الاصول الروسية لسكان المناطق الحدودية في القرم والدونباس، التي تم قضمها بهدوء من قبله دون أي مقاومة غربية، وبالتالي هو يرغب بتكرار ذلك مرة أخرى، إلا ان صوت طبول الحرب قد ايقظ دولاً كثيرة تعاني أساساً من اقتصاديات متراجعة بسبب وباء كورونا وبالتالي قد تكون الحرب بوابة للخروج من هذه الأزمات الداخلية التي باتت تطل برأسها.

الولايات المتحدة التي تبحث الآن عن تحييد أعداءها أو تعطيلهم بغية التفرغ للصين القادمة بقوة لساحة الصراع، تريد إلهاء روسيا وأوربا الضعيفة والمنقسمة بحرب لاطائل منها لذلك هي تضع بوتن أمام ثلاث خيارات صعبة وليست في مصلحته.

الأول :في حال لم يهاجم أوكرانيا سيبدو وكأنه رضخ للضغوط الغربية وهي هزيمة معنوية له ولسياساته الدولية والاقليمية والتي قد تنعكس على التوسع الروسي الأخير خاصة في الشرق الأوسط.

الثاني: في حال مهاجمة أوكرانيا سيضع روسيا في مكان عزلة وضغط دوليين يدفع ثمنها الاقتصاد الروسي وحرب مفتوحة تستهلك روسيا عسكرياً واقتصادياَ مع العلم بأن الحرب في أوكرانيا ليست كتدخله في سوريا فأوكرانيا دولة مستقلة ذات قرار سياسي وعسكري ولديها جيش منظم وله قيادة موحدة وحصلت على دعم غربي ، واستراتيجياً هي تقع في نطاق الأمن القومي الروسي لذلك فإن أي تأثير سلبي سينتقل بشكل مباشر إلى الداخل الروسي الحذِر والمتشكك والذي شهد فيما سبق إرهاصات لربيع روسي تم قمعه بقوة من قبل السلطات الروسية.

الخيار الثالث وهو الأقرب للحدوث والذي سينقذ بوتين مؤقتاً لكنه سيضعه في موقف حرج مع الداخل الروسي وهو عملية عسكرية خاطفة ترضي الروس والغرب لكنه يضع روسيا أمام تحديات جديدة تعيدها لحجمها الحقيقي، وأقل من الذي يطمح بوتن وضعها فيه، خاصة أنه سينتج عنها عقوبات اقتصادية غربية على روسيا لن تحد من تأثيرها الاتفاقيات التي وقعها مع بكين وطهران، هذه العقوبات سترضي الغرور الأمريكي وهي تتماهى مع استراتيجية الادارة الديموقراطية للبيت الأبيض،

وبذلك فمهما كانت خيارات بوتن فقد بدت صعبة واجبارية، لايملك من خلالها رفاهية الاختيار مع سياسة الشحن التي تمارسها واشنطن.

التدخل في أوكرانيا مهما كان دافعه من قبل موسكو هو دليل إضافي على لا أخلاقية النظام الروسي وتوحشه، فذات الذرائع التي تدخل في سوريا باستخدامها، يرفضها ويتدخل في أوكرانيا لاسقاطها.

يبدو الروس في سباق مع الزمن وينتظر العالم أزمة أخرى كأزمة الصواريخ الكوبية التي انتجت تعاوناً لاحقاً بين السوفييت والأمريكان، لتهدئة إيقاع طبول الحرب في العالم ، كذلك يخشى الروس من مصير مشابه لمصير المعارضة الكوبية في أزمة خليج الخنازير.

أيام وربما ساعات تفصل عن اتضاح الصورة بشكل جلّي فيما يخص القرار الروسي والذي تُنبئ مقدماته بتصميم روسي على تكرار ماحدث في شبه جزيرة القرم.

فراس علاوي

شاهد أيضاً

عيشة كلاب

المعتز الخضر أوصلتُ ابنتي إلى المدرسة في الصباح الباكر و عُدتُ أدراجي في السيارة الجرمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر − ستة عشر =