الأحد , أبريل 28 2024
الرئيسية / مقال / من دير الزور إلى كازاخستان صراع على رقعة الشطرنج

من دير الزور إلى كازاخستان صراع على رقعة الشطرنج

دير الزور و كازاخستان صراع على رقعة الشطرنج
عمر خطاب

إذا أردنا أن نعرف ماذا يحدث في إيطاليا يجب علينا أن نعرف ماذا يحدث في البرازيل؟

، جملة قالها الفنان الراحل نهاد قلعي الذي جسد شخصية حسني البورظان في مسلسل (( صح النوم)) الكوميدي الشهير، هذه الجملة تنطبق اليوم على الأوضاع في العالم في ظل تشابك الصراعات وعدم إيجاد نهايات حقيقية لها  و نستطيع القول أنه إذا أردنا ان نعرف ماذا يحدث في دير الزور فيجب علينا أن نعرف ماذا في كازاخستان؟ .

احتجاجات كازاخستان :
 اكتسبت الاحتجاجات الشعبية في كازاخستان زخماً شعبياً و عالمياً خلال فترة وجيزة، و تهدد أحداثها بأن يكون لها ارتدادات في جميع مناطق وسط آسيا وصولاً لأوربا ربما  .
تصاعدت الاشتباكات في كازاخستان بسبب إرتفاع أسعار الوقود في الدولة، تطور الأمر من الاحتجاج على ارتفاع الأسعار إلى محاولة تغيير الحكم في البلد الذي يُحكم منذ سقوط الحكم السوفييتي في الدولة المسلمة ضمن عدد من الدول ذات الاغلبية الاسلامية،  تدخلت روسيا و قواتها الخاصة بشكل عنيف و تسبب ذلك بمقتل العشرات و إصابة المئات من المتظاهرين المناوئين للحكومة خلال أيام.
وقالت الحكومة الكازاخية أنه (( تم استعادة النظام بشكل أساسي)) و قد تسببت هذه الاحتجاجات بأكبر أزمة هزت الدولة الدكتاتورية في وسط آسيا.
تم إضرام النار في مبنى مجلس الشعب الكازاخي في آلماتا أكبر مدن البلاد، و تدمير تمثال الرئيس بمايحمل ذلك من رمزية، مما أعطى رسالة واضحة عن تشابه الأحداث مع الربيع العربي كما أشعل المتظاهرون الغاضبون النار في سيارات الشرطة و مقرات الحزب الحاكم و اتهمت الشرطة المتظاهرين بالمسؤولية عن قتل 13 ضابط شرطة و إصابة 353 آخرين بجروح .
سمح الرئيس قاسم جومارت توكاييف لقوات الشرطة و الجيش ب (( إطلاق النار دون سابق إنذار)) .

الرد القاسي هو انعكاس للتحديات التي يواجهها الرئيس بعد أقل من ثلاث سنوات من حكمه، و يبدو أنه ينذر بحدوث قمع مطول ضد جميع أشكال المعارضة شبيه بما حدث في سوريا، بما في ذلك قمع و اعتقال النشطاء المناهضين للحكومة و المدافعين عن حقوق الإنسان و الصحفيين المستقلين.
لقد أدت الاحتجاجات إلى زعزعة استقرار منطقة مضطربة بالأساس حيث تتنافس روسيا و الولايات المتحدة على النفوذ فيها وعلى الموارد الاقتصادية ، كما أنها ترمز إلى استياء واسع النطاق من الحكومة الدكتاتورية في كازاخستان بسبب الفساد المستشري الذي أدى إلى تركز الثروة و القوة في أيدي نخبة سياسية و اقتصادية صغيرة .

سبب الاحتجاجات :
غليان الشارع في كازاخستان بدأ حين رفعت الحكومة أسعار البترول المسال (( L. P. G)) وقود منخفض الكربون الذي يستخدمه الشعب الكازاخي في تشغيل السيارات ، لكن للاحتجاجات جذور أعمق من مجرد رفع أسعار الوقود بما في ذلك الغضب بسبب الفوارق الاجتماعية و الاقتصادية وانحسار الطبقة الوسطى ، و التي تفاقمت بسبب تفشي وباء كورونا COVID 19 ، و غياب الديمقراطية عن الدولة الغنية بالنفط حيث متوسط الراتب في كازاخستان يعادل 570 $ دولار أمريكي شهرياً وفقا لإحصاءات الحكومة و لكن الواقع غير ذلك فالناس حسب معارضين للحكومة يكسبون أقل من ذلك بكثير. 

ماذا يريد المحتجون؟ 
مع اشتداد الاحتجاجات و اتساع رقعتها اتسعت معها مطالب المتظاهرين من مطالبات بانخفاض أسعار الوقود إلى تحرير سياسي و إطلاق الحريات في البلاد ، و من بين مطالبات المحتجين تغيير النظام السياسي و انتخاب محافظين للمدن الكازاخية الذين يتم تعيينهم حاليًامن قبل الرئيس جومارت توكاييف ، و بحسب نشطاء كازاخستانين إن أهم مطالب المتظاهرين هي الإطاحة بالحزب الحاكم الذي يحكم البلاد منذ عام 1991 م.

لماذا احتجاجات كازاخستان مهمة؟ 

موقع كازاخستان المهم و ثرواتها النفطية الهائلة جعلتها محط أنظار العالم ، حيث تقع كازاخستان بين روسيا و الصين، و هي أكبر دولة غير ساحلية في العالم و أكبر من أوروبا الغربية بأكملها رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز 19 مليون نسمة .
المظاهرات و الاحتجاجات الأخيرة مهمة لأن البلاد كانت حتى الآن تعتبر الحليف الأهم لروسيا في آسيا الوسطى، و التي ينظر إليها الرئيس فلاديمير بوتين كجزء من مجال نفوذ روسيا القومي .
بعد تدخل منظمة معاهدة الأمن الجماعي، و هي النسخة الروسية من حلف الناتو ، وهي المرة الأولى التي يتم فيها التذرع بشرط الحماية ، كخطوة يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على الجغرافيا السياسية في المنطقة .
لقد كشفت الاضطرابات في كازاخستان مرة أخرى ضعف القادة الدكتاتوريين الذين يتبعون لروسيا، وتثق روسيا بهم في الحفاظ على النظام و حماية مصالحها و أتاحت لروسيا فرصة أخرى لإعادة تأكيد نفوذها في المجال السوفيتي السابق، بالنسبة للكرميلن تمثل أحداث كازاخستان تحدياً للسلطة في هذا البلد الذي تحكمه الدكتاتورية منذ عام 1991 م .
هذه هي الانتفاضة الثالثة ضد حكومة استبدادية حليفة للكرميلن ، في أعقاب الاحتجاجات المؤيدة للحريات و الديمقراطية في عام 2014 م و في بيلاروسيا عام 2020 م، و تهدد هذه الاحتجاجات بتقويض نفوذ موسكو في المنطقة في وقت تحاول فيه موسكو تثبيت وجودها كقوة عالمية لها نفوذها و تكون لها السيطرة الجيوسياسية في دول مثل أوكرانيا و روسيا .
تراقب دول و شعوب الاتحاد السوفيتي السابق الاحتجاجات عن كثب ، و قد تساعد الأحداث في كازاخستان في تنشيط قوى المعارضة في أماكن أخرى في آسيا الوسطى .
كما أن كازاخستان مهمة للولايات المتحدة الأمريكية حيث أصبحت دولة مهمة لمخاوف الطاقة الأمريكية ، إذ تستثمر شركات كشركة Exxon mobil و Chevron عشرات مليارات الدولارات في غرب كازاخستان ، المنطقة التي بدأت فيها الاضطرابات هذا الشهر .
و بالرغم من أن لديها علاقات وثيقة مع موسكو ، إلا أن الحكومات الكزخية المتتالية حافظت على روابط وثيقة مع واشنطن ، حيث ينظر إلى الاستثمار النفطي على أنه ثقل موازن للنفوذ الروسي ، و لطالما كانت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية أقل انتقاداً للحكم الدكتاتوري في كازاخستان بسبب هذه العلاقات .

كيف ردت حكومة كازاخستان على الاحتجاجات؟ 
وصف الرئيس الكزخي المتظاهرين ب (( عصابة من الإرهابيين)) و أعلن ان كازاخستان تتعرض للهجوم ، و أذن الرئيس توكاييف لقوات الأمن ب (( إطلاق النار دون سابق إنذار )) و طلب من التحالف العسكري الذي تقوده موسكو التدخل لمساعدته على إنهاء الهجوم الإرهابي كما وصفه .
حاولت الحكومة إنهاء المظاهرات من خلال إعلان حالة الطوارئ و حظر مواقع التواصل الاجتماعي و مواقع الدردشة مثل facebook و WhatsApp و Telegram و تم لأول مرة حظر الموقع الصيني Wechat و أن لا تكون هناك تجمعات بدون إذن أو تصاريح و أن أي تجمع غير ذلك مخالف للقانون.
لقد وافقت الحكومة الكازخية في البداية على عدد قليل من مطالب المتظاهرين ، مثل إقالة الحكومة و الإعلان عن حل محتمل للبرلمان ، مما قد يؤدي إلى انتخابات جديدة ، و لكن حتى الآن فشلت هذه التحركات إلى حد كبير في ترويض السخط ، خاصة مع رفض المعارضين وفق متابعين لأي حلول من الحكومة مما مهد الطريق لإعلان استجابات أكثر صرامة بحق المتظاهرين.


من هم اللاعبون السياسيون الرئيسيون في البلاد؟

قبل أقل من ثلاث سنوات ، استقال رئيس كازاخستان نور سلطان نزارباييف ، البالغ من العمر الآن 81 عامًا. كان يعمل في صناعة الصلب وزعيمًا للحزب الشيوعي سابقًا ، وصعد إلى السلطة في كازاخستان عام 1989 ، عندما كانت لا تزال جزءًا من الاتحاد السوفيتي. خلال فترة حكمه ، اجتذب استثمارات هائلة من شركات الطاقة الأجنبية لتطوير احتياطيات النفط في البلاد ، والتي تقدر بنحو 30 مليار برميل ، و كازاخستان من بين أكبر الجمهوريات السوفيتية السابقة بالمساحة و الثروات .

الرئيس نزارباييف يعتبر آخر رئيس على قيد الحياة في آسيا الوسطى قاد بلاده إلى الاستقلال بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ، سلم السيد نزارباييف السلطة في عام 2019 إلى السيد توكاييف و رئيس مجلس الأعيان في البرلمان ورئيس الوزراء السابق ووزير الخارجية..
يُنظر إلى السيد توكاييف على نطاق واسع على أنه الخليفة المختار للسيد نزارباييف ، الذي كان يُعتقد حتى وقت قريب أنه يتمتع بسلطة كبيرة ، ويحمل لقب “زعيم الأمة” ويعمل كرئيس لمجلس الأمن في البلاد. لكن الاحتجاجات يمكن أن تكون قطيعة حاسمة مع حكمه ، و خلال فترة أقال السيد توكاييف السيد نزارباييف من منصبه كرئيس للمجلس.

ويحاول الرئيس الجديد الموالي لموسكو حتى الآن ، لعب دور أقوى لنفسه. وهذا بدوره أدى إلى إرباك البيروقراطية والنخب في كازاخستان ، وساهم في رد فعل الحكومة البطيء على مطالب المحتجين ، كما يقول المحللون.

هل حكومة كازاخستان مستقرة؟
خلال فترة حكمه التي استمرت ثلاثة عقود ، فاز نزارباييف في انتخابات متكررة بحوالي 100٪ من الأصوات في كل مرة ، وغالبًا ما كان يسجن المعارضين السياسيين أو الصحفيين الذين انتقدوه. انتخبت كازاخستان السيد توكاييف في يونيو 2019 ، ولكن مع نتائج انتخابات غير متوازنة في تصويت خاضع لسيطرة مشددة شابته مئات الاعتقالات للمتظاهرين.

ووصف المراقبون من منظمة الأمن والتعاون في أوروبا الانتخابات بأنها غير عادلة. تشير النتيجة والإجراءات القاسية ضد المتظاهرين السلميين في ذلك الوقت إلى أنه في حين أن الزعيم المخضرم للبلاد قد تخلى عن الرئاسة ، فإن النظام الذي أنشأه خلال فترة حكمه الطويلة ظل ثابتًا في مكانه.

حتى وقت قريب ، سعى السيد توكاييف إلى الترويج لصورة أكثر نعومة من سلفه ومعلمه. لكن أفعاله تشير إلى رجل يحاول ان يظهر قوياً و لكن المعارضين الكازاخستانين يرون أنه يائس من التمسك بالسلطة في بلد ينحدر إلى حالة من الفوضى.

ما العلاقة بين دير الزور و كازاخستان؟
شهدت محافظة دير الزور الواقعة في شرق سوريا تصعيداً متبادلاً بين الميليشيات الإيرانية و قوات التحالف الدولي بعد قيام الميليشيات الإيرانية بقصف قاعدة عسكرية في شرق الفرات بريف دير الزور الشرقي.
و يرى متابعون للحدث السوري أنه لايمكن للميليشيات الإيرانية القيام بأي عمل دون تنسيق مع روسيا .
دير الزور المحافظة الواقعة في الشرق السوري هي شبيهة بكازاخستان في الصراع الدولي و تتصارع على أراضيها ذات القوى العالمية لذات الأهداف تقريباً مع التذكير بوجود النفط والموقع الجغرافي والسياسي لها غرب العراق وعلى مقربة من القوى الصاعدة في المنطقة وهو مايميز استراتيجية موقعها بالنسبة للامريكان والروس.
و من متابعة الأحداث يبدو أن العالم مقبل على أزمات عالمية على رقعة الشطرنج الذي تلعب به الدول الكبرى .

شاهد أيضاً

إيران.. ثمنٌ باهظٌ لطموحات خامنئي النووية!

إيران.. ثمنٌ باهظٌ لطموحات خامنئي النووية!   نظام مير محمدي  كاتب حقوقي وخبير في الشأن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × اثنان =