الشيخ المودودي منظر السلفية الجهادية
عمر المشعان
قراءات حول المودوي
في الإطار التاريخي و تحديداً في محاولات نبش التاريخ حول الشخصيات التي يرد ذكرها على الشاشات و في بعض الحلقات التي تتحدث عن نشوء التيارات الفكرية بمختلف أشكالها , نجد أن هناك بعض الأسماء التي لم يرد ذكرها ضمن سلسلة معارفنا أو لم تعط حقها من البحث لذلك نحاول في هذه السلسة تسليط الضوء على بعض من هذه الشخصيات ومنها شخصية الشيخ المودودي
من هو الشيخ المودودي؟
” أبو الأعلى المودودي ” أو أبو العلا .
هذا الاسم الذي ارتبط حقيقة بتاريخ طويل من النقاشات في الإطار التجديدي و الإصلاحي لمفهوم الإسلام السياسي المعاصر أو ” النظرية السياسية في الفكر الإسلامي المعاصر ” .
و هذ ا التاريخ لم يكن باختيار “المودودي” , بل قد سُيق فيه دونما أدنى جهد , و ذلك للإرث المعرفي الذي خلفه وراءه .
و يُعتبر ” المودودي ” الأب الروحي لـ ” سيد قطب ” صاحب الحاكمية , و المودودي من الداعين الأساسيين إلى قيام الجمهورية الإسلامية و ذلك بعد الإشادة بـ ” جمال الدين الأفغاني” و ” محمد عبده ” و مفكري عصر النهضة الذين سبقوه .
من هو ” المودودي ” :
السيد أبو العلاء المودودي (مولانا المودودي) كما يعرفه أتباعه ، المولود في 25.09.1903 في “أورانجاباد” , ولاية حيدر أباد , والمتوفى في 22.09.1979 في بوفالو ، في نيويورك (الولايات المتحدة) ، كان عالم لاهوتي ذو منهج أصولي باكستاني , كان شخصية مؤثرة للغاية , وهو مؤسس حزب الجماعة الإسلامية الباكستاني.
إمتلك رؤية تعتمد على تصور إنشاء دولة إسلامية موحدة ، بناءً على التطبيق الصارم للشريعة ، في شبه القارة الهندية . وهو أول مفكر إسلامي في القرن العشرين دعا إلى العودة إلى الجهاد .
تلقى تعليمه في المنزل لدى والده الذي كان يرفض دخوله إلى المدارس البريطانية , تلقى تعليما ًدينياً من والده والعديد من المعلمين الذين وظفهم لتعليمه”.
لكن لاحقاً , استطاع الالتحاق بالمدارس الرسمية وأكمل تعليمه الثانوي في مدرسة الفرقانية , حيث تم قبوله مباشرة في الفصل الثامن في المدرسة في (أورانجاباد) و تفوق على زملائه في الفصل من جميع النواحي ، على الرغم من صغر سنه. أكمل دراساته العليا في دار العلوم في حيدر أباد ، الهند.
أكمل دراسته خارج المؤسسات التعليمية النظامية. درس أيضاً بعض المواد في المدرسة الحديثة ، مثل اللغات الأوروبية والإنكليزية بشكل خاص.
مؤلفاته
قام بترجمة كتاب The New Woman لقاسم أمين إلى اللغة الأردية في سن الرابعة عشرة وما يقرب من 3500 صفحة من Asfar ، وهو عمل المفكر الفارسي الصوفي الملا صدرا شيرازي.
عمل كخطاط واختار مهنة الصحفي. حرر مقالات في صحف “المدينة” باجنور ، وتاج الجبل وأورغن لجمعية أولما هند – جمعية دلهي.
كتب المودودي حوالي 120 كتاباً و بحثاً في أصول الدين والدولة ، وألقى ما لا يقل عن 1000 محاضرة وبيان صحفي. كانت رحلته عبارة عن 30 عاماً مكرسة لترجمة (التفسير) إلى الأردية للقرآن (تفسير القرآن) بهدف إعطاء القرآن تفسيراً ذاتياً . حتى أصبحت تفاسيره و مؤلفاته تُقرأ على نطاق واسع في الهند و الصين وترجمت إلى عدة لغات .
من أشهر مؤلفاته ” نظام الحياة في الإسلام ” و ” الأسس الأخلاقية للحركة السياسية ” و المصطلحات الأربعة ” .
هذا التفاني الذي أبداه لا يمكن أن يكون رصيد عديم الفائدة , فإن هذه المؤلفات عبارة عن دساتير و رؤى تدعم الحياة الأخلاقية لأي كيان سياسي بشكل عام , و تدعم الجانب القويم في الكيانات الفكرية الإسلامية في طور النشوء السياسي ضمن الحركة الإسلامية ككل .
نظريته في الدولة بالإسلام
المودودي صاحب نظرية ” خلافة الفرد لله ” و التي جاء فيها أن البشرية جمعاء من آدم و آدم هو خليفة الله على الأرض أي في مملكته , و لذلك فإن الفرد هو خليفة الله على الأرض , و لهذا الفرد عدة صفات أهمها الانضباط الأخلاقي في مملكة الله , و أن الخلافة بلغة العرب تعني ” النيابة ” , و هي بهذا التعريف لا تتوافق مع الرؤية التي يدرجها ” المودودي ” في نظريته .
و يرى أن الخلافة يجب ألا تُنوط بأشخاص محددين أو بيوتات أو طبقات محددة , بل هي أمر يخص المجتمع ككل , كل المجتمع الذي يؤمن بـ ” المبادئ الأساسية ” و ” الرسالة .
و ” المبادئ الأساسية ” هي التوحيد المطلق لله و الاعتراف بوحدانيته و عدم الإنكار , فهو يرى أن كل الكون خاضع و مسلم لله بشكل طبيعي , لكن الذي يحاول الإنكار أو الإخفاء فهو ” كافر ” , و ” الرسالة ” هي مجموعة التعاليم الدينية التي جاء بها “الرسول ” من قبل الله .
و يقول : ” أن هذا المقام الذي تنشأ فيه و تبتدئ فكرة الجمهورية بالإسلام ” .
و تعد مؤلفات المودودي ذخيرة حية لقوام المجتمع السليم من وجهة نظره , فهي تحمل التجديد و التطوير في سياق التمسك بـ ” الرسالة ” و ” المبادئ الأساسية ” .
فكانت مؤلفاته تدور في النظام الاجتماعي و الإقتصادي و التربوي و العسكري و كل الشؤون المجتمعية و مع ربطها بشكل أساسي و وثيق بالإسلام .
و هو كما يسميه البعض من مناصريه ” عملاق الدعوة ” .
و أيضا يعتبر ” المودودي ” من مؤسسي ” النظرية السياسية في الفكر الإسلامي المعاصر ” .
و هو صاحب نظرية ” حركة الجامعة الإسلامية ” تطبيقا لتعاليم جمال الذين الأفغاني الواضع الأول للفكرة , و هذه ” الحركة ” تدور حول مسألة الإنتماء العقائدي والحضاري و السياسي و جمعها في الأصول الإسلامية و التجديد و ضرورة الإصلاح الديني ضمن العقلانية الإسلامية .
و كل هذه التعاليم استقاها حقيقة من أفكار ” جمال الدين الأفغاني ” و رفاعة الطهطاوي ” , و اللذان كانا من رواد التيار الإصلاحي , و الذي كان يشكل عائقا أمام العلاقات العثمانية بين الاستانة و القاهرة آنذاك .
و كان ” المودودي ” المؤثر الأكبر لنظرية ” سيد قطب ” التي تسمى ب ” الحاكمية الإلهية ” و التي تفرض الحكم الإسلامي على المجتمع و تكفر كل من يرفضها أو لا يعمل بها أو لصالحها و الاي تعتبر نواة التكفير الذي تقوم عليه ” الحركات الجهادية ” .
المآخذ على فكر المودودي
ما يؤخذ على ” المودودي ” هو رفضه الدولة المدنية بأي شكل من الأشكال , و ذلك المأخذ عليه كونه يعتبر من الأقلية المسلمة في الهند , في حين أراد تطبيق فكرة الإصلاح الديني و الجامعة الإسلامية إبان نشوء حكم مدني ديمقراطي في الهند , و مع تصاعد خطاب الانفصال الجغرافي لباكستان عن الهند .
فيما يراه بعض العلماء أنه أخطأ قليلاً في بعض الأمور لكنه قد أصاب كثيراً , و هذا الذي يشفع له أمامهم .
فلسفته في الحكم
كان للمودودي فلسفة خاصة في إطار الحكم من ناحية ما يسمى ب ” الانقلاب السياسي ” و الذي يقوم به مجموعة من الرجال الذي يؤمنون بالإصلاح الديني و يقومون بتشكيل أنفسهم ضمن ما يسمى ” حزب الله ” , أي الحزب الذي يدعم فكرة الإلوهية و خلافة الإنسان لله , و الذين يقومون بإنشاء الحكم الإسلامي و يدعون إليه كل من في المعمورة إلى الانضمام إلى هذه الدائرة .
لم يكن المودودي منغلقاً على الشأن الداخلي للبلاد في محاولة من تثبيت البلاد على القانون الإسلامي و ليس تحويلها إلى بلد يضم المسلمين كغيرهم , بل قاتل فكرياً على عدة أصعدة و منها على الصعيد المعرفي الذي يتعارض مع فكرته الأساسية في حركة الجامعة الإسلامية .
يرى المودودي أن المدنية الحديثة التي تسعى لإنشاء إطار عام للحكم , قد أنتجت مصطلحات جديدة لا تتطابق مع أحكام حركة الجامعة الإسلامية , و التي بدورها تريد تحطيم هذه المصطلحات .
العلمانية , القومية , الدمقراطية في فكر المودودي
يُعرف المودودي العلمانية , بعبارة بسيطة و هي ” عزل الدين عن الحياة الاجتماعية للأفراد ” , و هذا يعني أن العلمانية ترى , أن العقيدة الدينية و ما يتبعها من اتباع الدين و طاعة الله و الوقوف عند حدوده و إقامة شرائعه لا يجب الالتزام بها في حياة الأفراد الشخصية , أما ما عداه من شؤون العالم في حياة الناس فيجب معالجتها معالجة مادية بحتة , و ذلك وفق رغبات البشر و أهوائهم و وجهات نظرهم و ميولهم دون مراعاة الحياة .
و قد نشأت العلمانية بحسب رأيه , نتيجة كراهية اللاهوت الذي افتعله الكهنة في الديانة المسيحية , حيث وقف الكهنة أمام أي داعٍ للتغير , و أمام كل الحركات التي تنادي بالتحرر و التجديد , ورفضوا التحرر العقلي المستنير .
و أكبر إشكاليات العلمانية حسب رؤيته , أنها تنتج مجتمعاً علمانياً عبر تعليم لا ديني , ففي النهاية ينتج لدينا جيل لا ديني أيضاً.
و يرد المودودي رأيين في ذلك :
– إما أن يكون الله هو خالق الإنسان و خالق الكون الذي يعيش فيه و هو مِوجدهما و سيدهما و حاكمهما .
– و إما لا يكون الله كذلك .
و يقول : إذا افترضنا الخيار الثاني , فإنه من الحمق أن تكون لنا علاقة مع كائن ليس له علاقة بنا و لا يستطيع أن يفعل شيئاً لنا .
و إذا كان الله هو السيد الحاكم للإنسان و الكون فليس من المعقول أن تقتصر أحكامه و شريعته على حياة الفرد الخاصة دون الحياة العامة , أي تنتهي علاقة الله عندما تبدأ حياة الفرد الاجتماعية مع باقي الأفراد .
و يقول : ” إن عواقب هذا التفكير وخيمة , و نتائجه رهيبة , لأن واقع الحياة يشهد بأنه لا تكاد علاقة الفرد بالله تنقطع من ناحية إلا أن تتوثق مع الشيطان من ذات الناحية ” .
و يرى أخيراً , أن من يتبع العلمانية و يتخذها نظاماً لحياته , فأنه ينحدر بنفسه إلى الهاوية , و يصير عبداً لأهوائه و غرائزه , سواءاً كان فرداً أو جماعة أو أمة .
القومية , يقول المودودي : فإن أُريد بها الجنسية ” Nationality ” فهذا أمر قطري فلا نعارضه , و إن أُريد بها دفاع الفرد عن شعبه و نصرته لهم دون الاستعلاء على شعب آخر فلا نعارضه , و أن أُريد بها حب الفرد لشعبه فلا نعارضه .
لكن نعارض القومية التي تضع مصالحها و رغباتها فوق مصالح الجميع و تمتلئ بالحقد و الكراهية والاستعلاء الذي يرفع من شأنها و يحط من شأن الآخرين فهذا أمر نعارضه و لا نوافق عليه و هذا الذي يسمى ” Nationalism ” .
الديمقراطية , أو تأليه الإنسان , فعند انضمام الفرد إلى المبدأين السابقين تكتمل الصورة التي تضم في إطارها محنة هذا العالم حسب رأيه .
و يُعرفها , بأنها في المدنية الحديثة هي ” حاكمية الجماهير ” أي أن أفراد بلد معين هم أحرار بما يتعلق بمصالحهم الجماعية و أن يكون قانون هذا البلد تابعاً لأهوائهم .
و يرى المودودي : أن في تأمل هذه المفاهيم الثلاث , فنجد العلمانية قد حررت الإنسان من طاعة الله و من خشيته و عبادته , و أتت القومية لتقدم له جرعات الحقد و الكراهية و الاستعلاء و الكبرياء , ثم الديمقراطية تجلس على الإنسان بعد أن أطلق العنان لشهواته و غرائزه الإنسانية .
و يقول : فإننا نعارض النظام العلماني و الديمقراطي و القومي سواء أقامه شرقيون أم غربيون أو مسلمون أو غير مسلمون و حيثما حل حلت المصيبة .
و أرى أن القصور المعرفي حول ما هية المودودي و توجهه الفكري , هو ما أنتجته الحركات الجهادية بعد ” حاكمية ” سيد قطب , و التي اختطفت جميع الأضواء البحثية و المعرفية بعيداً عن الولوج في مآثر المودودي ودوره فيها, فهو حقا شخصية ذات طابع فكري متميز رغم نقاط الاختلاف الإيديلوجي بينه و بين معاصريه من المفكرين والفلاسفة .
فقد كان إرثه المعرفي ثروة حقيقية في الشأن الفكري للإسلام , و من خلال متابعة بسيطة سيجد القارئ لمساته التجديدية الإصلاحية.
عمر المشعان طالب ماجستير في الحضارة الشرقية جامعة ليل فرنسا