الخميس , نوفمبر 7 2024
الرئيسية / مقال / هتافات الثورة السورية..دستور ثورة

هتافات الثورة السورية..دستور ثورة

فراس علاوي

الهتافات الثورية دستور ثورة
لابد لكل ثورة من أهداف انطلقت لتحقيقها وأسباب كانت الشرارة لانطلاقها ولعل أغلب الثورات لم تكن انطلاقتها بقرار مسبق لذلك لم تحمل بياناً لانطلاقها ولا تحديد مباشر لأهدافها خاصة الثورات الشعبية والتي تنطلق بشكل عفوي وسلمي غالباً تقودها جماهير شعبية لا تشكل النخبة المثقفة في البلاد التي تعتمد صياغة العبارات المنمقة والبيانات الرنانة غالباً ما تتصدر المشهد في بدايته مجموعة ألت على نفسها قيادة الحراك تبلورت هذه القيادات مع مرور الوقت واستفادت من تجاربها الثورية ومعاناتها لتشكل هيكلية قيادية يلتحق بها فيما بعد النخب والقيادات الفكرية

لم تكن الثورة السورية استثناء عن هذه القاعدة فقد خرجت الجماهير بصورة عفوية دون تاريخ محدد ومسبق ودون تنسيق لتردد ما يجول في صدرها وكان الهتاف الأول والذي صبغ الثورة بصبغته هو حرية حرية هذا الفردوس المفقود الذي يبحث عنه المواطن السوري جراء مرور عقود من القمع والقهر والكبت والتغييب
فكان الإنعتاق هو أول ما جال في خواطر من خرجوا فقد رأوا في هذا الحراك فرصة لكسر القيد

رأوا شعاعاً من نور في الأفق بدا يلوح ولابد للحرية أن تترافق بعامل أخر يكملها وهو ما صبغ طابع الثورة أيضاً باسمه ألا وهو الكرامة فكان الهتاف حرية كرامة هو هتاف الانطلاق والإنعتاق.استمرت هتافات الحرية فقط هدفاً لهذا الحراك مع دعوات التضامن من المناطق لبعضها كهتاف يا درعا حنا معاكي للموت

لم يكن هذا الهتاف اعتباطياً كان دليلا على وحدة اجتماعية وتماسك مجتمعي حاول النظام على مدى عقود فرطه والاستفراد بكل طيف اجتماعي على حدا فكان الرد واحد واحد واحد الشعب السوري واحد رداً على محاولات النظام عزل النسيج المجتمعي وتصوير الثورة على أنها ثورة فئوية طائفية رغم أن المكون الأساسي للثورة هو مكون مفرد بمشاركة حذرة من باقي المكونات كانت هذه الهتافات عفوية نابعة من التجربة اليومية لحياة المواطن السوري لتأتي الهتافات اللاحقة كرد فعل على أفعال النظام السوري

عندما اختار النظام حله الأمني كان لابد من مخاطبة أبناء الجيش الذي كان يعتقده السوريون جيش الوطن لا جيش القائد فكان هتاف الله محيي الجيش والجيش والشعب أيد وحدة وكان لهذا الهتاف وقعه على شرفاء الجيش كبيراً فسارعوا للانضمام لصفوف الثورة مشكلين مايسمى الجيش الحر أنذاك وهي تسمية لها دلالاتها أي أنه الجيش الذي تحرر من هيمنة سلطة الفرد وعاد حراً يدافع عن أبناء وطنه

كانت المطالب حينها مطالب إصلاحية لم تصل حداً متطرفاً حتى والنظام يستخدم حله الأمني فكانت جل الهتافات تتركز على إطلاق سراح المعتقلين وإطلاق الحريات وتعديل الدستور والمادة الثامنة منه وإجراء انتخابات نزيهة

كلها سمعناها من أفواه المتظاهرين مثل هتاف بدنا المعتقلين وهتاف يا خاين يا بن الخاين عدل القانون الثامن

وغيرها الكثير مما لا يتسع ذكره

لكن هذه المطالبات لم تلبث طويلاً أمام الحل الأمني وبدأت أثاره تظهر في كمية الدماء التي بدأت تسيل وعدد المعتقلين الذي بدأ يزداد بطريقة ملحوظة فأخذت الهتافات منحى أخر فبدأ هتاف يالله مالنا غيرك يا الله

رداً على تقاعس العالم اتجاه ما يحدث خاصة العالم العربي الذي توجه له الثوار بهتاف رائع يعبر عن خيبة الأمل من سياسات العرب الفاترة وغير المتضامنة مع الشعب السوري المضطهد الذي خرج دفاعاً عن حريته وكرامته فكان نشيد صمتكم يقتلنا وغير الله ما إلنا

ومع تطور الهتاف كان لابد من ظهور أشخاص يقودون هذا العمل فكانت ظاهرة إبراهيم القاشوش ابن حماة العامل البسيط الذي خسر جل أقاربه في مجازر حماة في الثمانينات ليصدح بصوته الشجي بهتافات وأغاني أصبحت معلماً بارزاً من معالم الثورة ورغم الفترة القصيرة التي عاشها القاشوش حيث ألقت القبض عليه قوات الأمن وقتلته بطريقة تنم عن حقد وتشفي فقد أقدم عناصر الأمن وشبيحته على اقتلاع حنجرته في دليل واضح على أن هذه الكلمات البسيطة التي أطلقتها هذه الحنجرة قد أقضت مضاجعهم بعد الانتشار الكبير لها في جميع أنحاء سوريا حتى تحول القاشوش لظاهرة أصبحت لها نسخ في كل منطقة سورية فأصبح لكل منطقة قاشوشها

ورغم بساطة كلمات القاشوش وبساطة لحنها إلا أنها لامست العاطفة والوجدان لدى الشارع السوري وحركت روح الثورة فيه فانتشرت بين الجميع وحفظها الكبير والصغير ولا تزال كلماته تتردد في كل مظاهرة وخاصة أغاني يلا إرحل يابشار والتي أصبحت فيما بعد شعاراً ثورياً تطور إلى شعار دائم وهدف ثوري ردده الجميع وهو الشعب يريد إسقاط النظام

فبعد هذا الكم الهائل من الدماء لم تعد المطالبة بالإصلاح أو رحيل بشار الأسد كافياً كان لابد من إسقاط النظام بكل تفاصيله مع الإصرار على الطلب الأسمى وهو الحرية حيث كان لهتاف سورية بدا حرية وقع وصدى كبيرين في أسماع المتظاهرين تلهبهم حماس حيث كانت المظاهرات تقاد بمثل هذه الهتافات ومن أبرز من ظهر على ساحة المظاهرات بعدها ابن حمص وبطل سلميتها أنذاك عبد الباسط الساروت الفتى البسيط لاعب الكرة والذي لم يحظ بفرصة تعليمية تجعله في عداد المثقفين لكنه حظي بشجاعة وصوت جعلته في مقدمة المتظاهرين وكان في هتافاته قد اعتمد على تحويل اللحن الشعبي إلى هتافات ثورية بعد صياغة كلمات ثورية لذات اللحن ومن أبرز هذه الكلمات جنة جنة جنة سوريا يا وطنا والتي كان لها الأثر الكبير في تحريك المظاهرات وشحن همم المتظاهرين

كما كان للمناطق التي تصل فيها المظاهرات وعدد المتظاهرين وزخم المظاهرات كما حصل في مليونيات دير الزور وحماة دور كبير في تطور الهتافات ونوعيتها واستخدام تقنيات رغم بساطتها إلا أنها كانت قادرة على تحريك مئات الآلاف من المتظاهرين حيث كان لهتاف صب من دمك للحرية الأثر الكبير في نفوس متظاهري دير الزور وكذلك هتاف إن هلهلتي هلهنالك صفينا البارود قبالك وغيرها الكثير مما استقاه الثوار من التراث الشعبي للمناطق الثورية فقد كان هذا التراث المحلي معيناً استقى منه الثوار هتافاتهم

ومع تطور الحراك الثوري وتحوله إلى مسلح وأفول نجم المظاهرات والحراك السلمي بشكل كبير وتحوله لمصلحة الفصائل المسلحة وانضمام كثير من المتظاهرين السلميين لصفوف الثوار تحول الهتاف من سلمي إلى دعم للجيش الحر الذي تشكل رافضاً الانصياع لقرارات قادته الإجرامية منحازاً لجانب الشعب المقهور فبادله المتظاهرون هذا الوقوف إلى جانبه بهتاف الله محيي الجيش الحر هذا الهتاف الذي أضفى شرعية على المنشقين وأعطاهم زخماً وقاعدة جماهيرية كبيرة

وباعتبار أن الهتاف هو أسلوب ثوري فهو أيضاً عمل فني لا يرقى إلى كونه عملاً متكاملاً لكنه وفي ظل غياب شبه تام للفنانين السوريين المساندين للثورة فقد كان هو المرآة التي تعكس آمال الثوار لقد كان انحياز الفنانين إلى صف الثورة ضعيفاً مع التقدير الكبير لكل من ترك حياته التي كان يحياها والتحق بصفوف الثوار منهم ولا مجال لحصرهم لكنهم قدموا ما يستطيعون ومع ذلك نحن لم نلمس عملاً ضخماً يرقى لمستوى هذه الثورة وتضحياتها وهو من المآخذ على الإعلام الثوري والفني حصراً والذي لم يفرز فن حقيقي مرتبط بالثورة ومسلطاً الضوء على تضحياتها وإن كان هناك بعض الإضاءات كأغنية ياحيف لسميح شقير والتي مثلت نقداً واضحاً لتعامل أخوة الوطن مع أخوتهم لمجرد أنهم ملكوا قوة السلاح حيث مارس عناصر الجيش والأمن العنف ضد أهلهم فيما يشبه الخيانة لهم كما أنه كان هناك محاولات أخرى لفنانين سوريين

لكن مع تطور الأحداث وتحولها إلى حرب مفتوحة وظهور قوى راديكالية كانت تعتبر المظاهرات والهتافات ضرباً من الترف الفكري كما كانت تحرم الموسيقى وكل ما ارتبط بها فقد خفت هذه الظاهرة حتى كادت تندثر لكن تبقى هذه الكلمات البسيطة التي قالها الثوار الأوائل والنابعة من القلب هي التعبير الأصدق لما يجيش في قلوب وعقول الثوار وهي من حملت أهداف الثورة

ولو أردنا أن نبحث في الثورة السورية أسبابها وأهدافها ولماذا انطلقت وماذا تريد لوجدنا كل ذلك في هتافات ثوارها والتي كانت دستوراً في حد ذاته ودليل عمل لكل هؤلاء

نعم ستنتصر الثورة ورحل من كان يهتف لها وبقي منهم من بقي لكن الشيء الخالد والذي سيبقى طويلاً يتردد صداه هو تلك الكلمات البسيطة التي ستبقى طويلاً تسكن الذاكرة وسيبقى الشعب السوري زمناً يردد

سورية بدا حرية ويلا إرحل يابشار وجنة جنة جنة سوريا ياوطنا وصب من دمك للحرية يترنم بها وكأنه عاشق يغازل معشوقته

شاهد أيضاً

يسار يمين يمين يسار أزمة النخب السورية التائهة

مقال رأي  فراس علاوي تعيش كثير من شخصيات اليسار السوري وشخصيات ذات مرجعيات ايديولوجية دينية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

18 − 2 =