الخميس , مايو 2 2024
الرئيسية / مقال / الفيس بوك وحفلات الشتم الجماعي

الفيس بوك وحفلات الشتم الجماعي

فراس علاوي

مجتمع الفيس بوك وحملات الشتم الجماعي
ربما لم يكن في بال مارك زيكربرغ عندما صمم موقع الفيس بوك أن يأخذ هذا الصدى الواسع والانتشار الكبير فهو أراد له أن يكون كما سماه وسيلة تواصل اجتماعي
لم يدر بخلده أنه سيكون شرارة تشعل نار ثورات تسقط أنظمة وتغير التاريخ والجغرافية
لكن يبقى للثورة السورية ميزتها فالفيس بوك تحول إلى عنصر رئيسي فيها وأصبح هناك من يسمون معارضة الفيس أو ثوار الفيس كذلك هناك مؤيدو الفيس أو شبيحته
المشكلة ليست في أن هذه الثورة التقنية قد فتحت فضاءات واسعة وأمام الجميع لفرض أرائهم مهما كانت كذلك فقد أصبحت القدرة على التواصل ممكنة وسهلة وبذات الوقت نشأ عنها مشاكل عديدة بسبب الاختلاف في الثقافة والفكر وفي القدرة على استنباط الحلول للمشكلات التي تمر بها الثورة
تحول الجمهور السوري إلى مجتمع افتراضي منقسم على بعضه البعض بين موالاة ومعارضة ثم لم يلبث هذا الانقسام أن كشف عورات كثيرة في ذلك المجتمع
فلا يكاد يطرح موضوع للنقاش حتى تبدأ حفلات الردح والشتم الجماعي ومن كلا الطرفين فتضيع الفكرة وتغيب لغة العقل وتفقد المصداقية في دليل سقوط أخلاقي كبير
مجتمع لايملك ثقافة الاختلاف ولا يعرف كيف يعبر عن رفضه أو تقبله للآخر دون تجريح أو سب وشتم
هذه الثقافة لم تقف عند حد المعارضة والموالاة بل انتقلت في كلا المعسكرين إلى فئات أخرى
فجمهور المعارضة الموجود على الفيس وللأسف يوجد بينه مثقفين وفنانين وكتاب ينجرون لذات المكان من حيث كلمات السب والشتم وكذلك استحقار الآخر
جمهور وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة الفيس بوك والواتس آب بدأوا يشكلون ربما أوراق ضغط ورأي عام
وهنا المشكلة الأكبر
طبعا ليس تعميماً ولكن على الغالب فإن أي رأي يطرح يجد صداه على هذه الصفحات والتي يمكن توجيهها بسهولة في ظل غياب الوعي الثقافي والسياسي عند الكثيرين من مستخدميه عدا عن الفوارق العمرية بين مستخدميه
مسألة واحدة تطرح قد تأخذ أبعاداً لم يكن من المتوقع أن تأخذها رغم طرحها السطحي لكن التوجيه الإعلامي لها وطريقة تناولها هي ما تعطي لهذه المسألة قيمة إعلامية لا تستحقها
الاختلاف المعرفي والثقافي والبون الشاسع بين مستخدمي هذه الصفحات يجعل من الشخص تشكيل مجموعات ضغط وتوجيهها عن بعد من خلال الدعاية السوداء
المشكلة أن تناول أي فكرة لا يتم عن طريق النقد البناء والتشريح الحقيقي لطبيعة الفكرة إنما ينتقل الحديث لشخص صاحبها وانتماؤه الفكري والإثني فيتناسى الكثيرون الفكرة التي ربما لا يفهم الكثير منهم الهدف منها في حين يتناول صاحبها بالتحليل الذي يصل لحد السب وربما التخوين أو لشخصنة الموضوع
رؤية أخرى حملها هذا المجتمع الافتراضي وهي تصنيف الناس حسب انتماؤهم العرقي والديني وبالتالي محاسبتهم على هذا الأساس وليس على أساس أفكارهم أو القيمة التي تحملها هذه الأفكار
التكفير والاتهام بالإلحاد والتخوين والاتهام بالردة وكذلك الاتهام بالإرهاب والعنصرية والطائفية والمناطقية وغيرها الكثير هي تهم جاهزة لكل من يخالف الآخر
فأي فكرة تطرح لا تلبث أن تتحول إلى حفلات من الشتم والسب الجماعي الذي يساهم به الجميع
كذلك فإن النظام وهو الطرف الأكثر تنظيماً بالنسبة لهذه المسألة قد وجد فيها فرصة ذهبية فأخذ يوجه وعن بعد هذا الرأي العام الذي بدأ بالتشكل
مستخدماً فرضية الإشاعة والإشاعة المضادة كذلك فقد كانت بوالين اختبار للكثيرين
هذه الاختبارات التي سقط فيها كثيرون أخلاقياً وفكرياً
المشكلة الأساسية في هذا الفضاء أنه بدأ يؤثر وبشكل ربما سلبي على الكثيرين خاصة في دوائر صنع القرار التي رأت فيه سبيلاً لإرضاء شريحة واسعة هي شريحة تبقى مها حدث إفتراضية لا تقدم أي صورة صحيحة أو حقيقية لما يتم تداوله هذه الدوائر سقطت في فخ إرضاء هذا الواقع دون النظر إلى خلفياته أو مجمل معارفه
هنا تصاب هذه الدوائر بازدواجية في التعامل ففي حين تبحث هذه القوى عما يحقق أفكارها وقناعاتها الفكرية والسياسية تبقى عينها على مجموعات الضغط الفقيرة معرفياً لكنها بذات الوقت الأكثر انتشاراً وقدرة على التعبئةوفي ظل الانقسام الحاد بين جمهور هذه الوسائل والتقلب الحاد في مزاج مرتاديها تبقى المشكلة في كيفية جعل هذه الطاقات طاقات موجهة
دون تحويلها إلى مجتمع فوضوي بعيد عن الحقيقة سهل الانقياد يتأثر بالشائعات أكثر من الحقائق
لأنه يرى فيها طريقاً سريعاً للوصول والتعبير على عكس الحقيقة التي تحتاج فكرة إيصالها إلى البحث والعمل
فهل سيكون مجتمعنا القادم مجتمع افتراضي يحقق مساواة في الحضور وضياع في القيم ويحقق مساواة من نوع آخر بين من يملك خزاناً فكرياً ومعرفياً كبيراً وتجربة ذات قيم ودلالات وبين فقير فكرياً ومفلس اجتماعياً وربما قيمياً لكنه يملك نفس فرصة الحضور التي يملكها صاحب التجربة هل سيكون تأثير مجتمع التواصل الافتراضي كبيراً بدون معايير وبدون انضباط حتى ذلك الوقت سوف نبقى نشاهد حفلات الردح والشتم والسب بسبب أو بدون سبب
فهو مجتمع لا حدود له ولا ضوابط

شاهد أيضاً

الملالي يجعلون طهران “عاصمة الاكتئاب”

الملالي يجعلون طهران “عاصمة الاكتئاب”؟!   نظام مير محمدي كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ثمانية + 7 =