الخميس , نوفمبر 7 2024
الرئيسية / مقال / ردا على عزمي بشارة..عندما تضيع البوصلة

ردا على عزمي بشارة..عندما تضيع البوصلة

فراس علاوي

رداً على عزمي بشارة
تداولت مواقع التواصل الإجتماعي مؤخراً ، وباستهجان مقتطفات من كتاب سوريا درب الآلام نحو الحرية للباحث الفلسطيني عزمي بشارة ، تحدث فيها عن محافظة ديرالزور السورية وعن أسباب وكيفية إنخراطها في الثورة السورية.
هذا الاستهجان مرده لعدة أمور أهمها كمية المغالطات الكبيرة التي وردت في تلك الفقرات ، والذي رده كثيرون إلى اعتماد الكاتب على مصادر غير محايدة وربما متحاملة على المحافظة ، سواء كانوا من أبناءها أو من خارج محيطها الجغرافي والديموغرافي.
ورداً على تلك المغالطات لابد من تفنيد بعض ماجاء قي الكتاب .
يقول عزمي بشارة ( شهدت مدينة ديرالزور في الشهر الأول للثورة مسيرات تأييد للنظام كانت كثيفة المشاركة مقارنة بالتظاهرات المحدودة ضد النظام ).
أولاً عمل نظام الأسد منذ بداية إنطلاق الحراك الثوري على حشد مؤيديه للدفاع عنه وعن مكتسباتهم التي حققوها من محاباتهم لنظام قمعي ديكتاتوري ، حيث كان نظام الأسد قد ضمن ولاء شريحة من الشعب السوري عبر تعبئتهم في منظمات شعبية أعطى قيادتها للموالين له والمتزلفين وهم من خرجوا يدافعون عنه وعن مناصبهم ، كانت ديرالزور كغيرها تحتوي على هذه النماذج لكن خروجهم لم يصل حد المسيرات الحاشدة ،كما ذكر بل كانت الأعداد أقل بكثير من محافظات أخرى مجاورة وبعيدة مثل دمشق وحمص وحلب والساحل وغيرها،  ومع ذلك لم تستمر بل اضمحلت مع تنامي الحراك الشعبي ولم تستمر سوى شهر واحد ففي بداية نيسان 2011 كانت قد تلاشت بشكل واضح ، أما في الأرياف فلم تخرج مثل تلك المسيرات أصلاً وإن حدثت بعض المناوشات هنا وهناك بسبب طبيعة الأرياف الاجتماعية …
ثانياً
لم تكن التظاهرات محدودة مطلقاً بل على العكس إنطلقت بوقت مبكر جداً بتاريخ 25/3/2011 ولم تلبث أن توسعت أفقياً لتشمل عموم جغرافية المحافظة ، حتى بلغت خلال ثلاثة أشهر الآلاف وتخطى تعدادها جميع المحافظات الأخرى من حيث عدد المتظاهرين وعدد نقاط التظاهر ، هذا تؤكده الفيديوات التي بثها الناشطون والذي كان ناشطو ديرالزور من أوائل من خرج على الاعلام والأمثلة كثيرة.
(عبدالرزاق درويش وكثيرون جداً لامجال لذكرهم ) حيث خرجوا على مختلف القنوات ومنها الجزيرة القطرية ، وهذا ينفي ماذهب إليه عن محدودية المظاهرات ، فقد بلغت في الشهر السابع تموز 2011 ذروتها في جمع (ارحل، سقوط الشرعية، أحفاد خالد ) مئات الآلاف ، ثم إن مظاهرات المحافظة تمثلت بشعارات جمعية وواعية تمثل أهداف الثورة حيث اعتبر بعضها دستوراً للثورة وحاملاً لأهدافها (كهتاف صب من دمك للحرية ) هذه الشعارات إن دلت فإنها تدل على وعي ثوري مبكر لدى الكثير من أبنائها..

يرد عزمي بشارة الأسباب (الاحتجاج ) ولايسميها ثورة في ديرالزور إلى مايتعلق بالجفاف وغياب الاهتمام  من قبل الدولة ما أدى لتشرد آلاف العائلات وانتشار البطالة بين الشبان ..
الحقيقة الوحيدة في هذا الكلام هي أن محافظة ديرالزور كانت محافظة مهمشة من قبل النظام مما ولد ردة فعل حقيقية وقوية لدى أبناءها وكانت أحد أسباب انخراطهم في الحراك الشعبي لكن معنى بطالة أبناءها لايعني بالضرورة الجهل والتخلف والبلطجة ..
إنما يعني عدم قدرة هذا العدد الكبير من الشباب الحصول على عمل مع أن غالبيتهم خريجو جامعات ومعاهد …
لقد كان شباب الحراك الثوري واعي لمتطلبات وأهداف الثورة وماذهب إليه عزمي بشارة يشابه ماقاله نظام الأسد  آنذاك أن الشباب الذي خرج بالمظاهرات هو شباب غير واعي ولايفرق بين قانون الطوارئ وطوارئ الكهرباء وأبو طارق مايدعو للضحك ، في حين أن شباب الحراك كانوا من جميع الأطياف المثقفين سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وقانونياً ومن مختلف التوجهات الفكرية والعقائدية …
بالنسبة لموضوع الجفاف والتشرد والذي عزا الكاتب سبب انضمام الشباب للحراك بسببهما فقد أختلط الأمر على السيد عزمي مابين محافظة الحسكة والتي عانت حقاً من موجة جفاف ونزوح وبين محافظة ديرالزور والتي تملك واحداً من أهم أنهار العالم وبالتالي هناك سقطة جغرافية واضحة ، فتحويل فكرة الثورة إلى ثورة جياع هو أمر شديد الخطورة والإجحاف ..
يتابع عزمي بشارة مغالطاته ويقول
(اقتصرت تظاهرات ديرالزور على المجموعات الشبابية المتنقلة والتي تخرج للتظاهر يومياً في أحياء عدة من المدينة)  ، ويعود مصرّاً على محدودية المشاركة بداية الثورة
في هذا المقطع جهل واضح لطبيعة المظاهرات في سوريا عامة وديرالزور خاصة فالمظاهرات الكبرى كانت تقتصر على أيام الجمع والتشييع ، أما المظاهرات اليومية فقد كانت نشاط ثوري لم يكن يتم في جميع المظاهرات فهي ميزة من ميزات حراك ديرالزور ، إذا أضفنا إليها فعاليات ثورية مميزة مثل اعتصام المطار القديم من أوائل الاعتصامات بالثورة واعتصام المدلجي الذي استمر كحالة ثورية يومية وفريدة طيلة مايقارب الشهرين ، تحول المظاهرات إلى مظاهرات طيارة كان بسبب التشديد الأمني والحصار الذي عانت منه المدينة فيما استمر الزخم في مظاهرات يوم الجمعة والتي كان يزحف إليها أبناء الريف القريب والبعيد حتى اشتداد العمليات العسكرية وتراجع المظاهرات على مستوى المحافظة وسوريا وتحولها للعمل العسكري والذي خلال العام 2012 ومنتصف 2013 كانت أكثر من 90%من المحافظة كواحدة من اكثر المحافظات مساحة جغرافية تخلصت من نظام الأسد وشهدت عمليات كثيرة نوعية كانت الأولى من نوعها في سوريا مثل إسقاط أول طائرة في مدينة موحسن وتحرير أول فرع أمن في مدينة ديرالزور وأول مطار في البوكمال وغيرها الكثير ، أما عن المحدودية فقد تظاهر شباب المحافظة في أغلب المناطق السورية وشاركوا في حراكها وسقطوا شهداء هناك فقد تظاهروا في المظاهرات الأولى في (دمشق الجامع الأموي المعضمية نهر عيشة دوما جامعة حلب وغيرها )
كما سجلت المحافظة أعداداً كبيرة في نقاط التظاهر على مستوى الريف والمدينة
يتابع عزمي بشارة راداً سبب إمتداد المظاهرات إلى الريف الذي أطلق على أبناءه اسم (الشوايا) ولاندري هل هو نوع من التهكم كما يتحدث البعض أم أنه اعتمد الاسم الاجتماعي الذي يطلق عليهم (حسب من قدم تلك المعلومة يبدو أنها من باب التهكم) حيث كان بإمكانه إطلاق اسم أبناء الريف عليهم ،إلى التأثير العشائري معتمداً على التركيبة العشائرية له ، وهنا مغالطة أخرى إذ لم يكن للعشائر بمفهومها الإجتماعي تأثير مباشر بالإنحياز للثورة في ديرالزور لعدة أسباب ، أهمها أن معظم بيوت المشيخة إنحازوا مبكراً لنظام الأسد والذي استطاع تسخيرهم لخدمته عبر عقود ، كذلك فإن محدودية تأثير بيوت المشيخة في السنوات الأخيرة على الحاضنة الإجتماعية تناقض ماذهب إليه والذي اعتمد فيه على حالة فردية تمثلت بنواف البشير والذي كان يمثل نفسه كمعارض محسوب على إعلان دمشق ليس إلا ولاثقل اجتماعي له ، كما أن هناك حواضر مدنية لاتخضع لسيطرة العشيرة كانت من أبرز مراكز الحراك الثوري (مدينة ديرالزور ، موحسن ، المياذين ، العشارة ، البوكمال  وغيرها )
مما يؤكد أن انضمام هؤلاء الشباب للثورة كان بسبب وعيهم المبكر وارتفاع مستوى هذا الوعي والإحساس بدكتاتورية النظام وتعسفه وقمعه وليس لأي سبب اجتماعي أو ثورة جياع كما أريد لها أن تظهر من خلال ماكتبه عزمي بشارة والذي بكتابه هذا يمثل سقوكا مدوياً في تعاطي النخب العربي مع الواقع العربي والتعالي عليه والاعتماد على الاستسهال في التعامل معه.
 

شاهد أيضاً

يسار يمين يمين يسار أزمة النخب السورية التائهة

مقال رأي  فراس علاوي تعيش كثير من شخصيات اليسار السوري وشخصيات ذات مرجعيات ايديولوجية دينية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

أربعة عشر − 13 =