الأحد , ديسمبر 22 2024
الرئيسية / مقال / عندما كنت مراسلا…

عندما كنت مراسلا…

عمار مصارع
5_6

كان ظهور المعارضة السورية على شاشات التلفزيون محدودا، ومقتصرا أغلب الأحيان على بعض الشخصيات المعارضة التي كانت تعيش في الخارج، فبالاضافة الى تصريح رياض الترك الشهير عن “موت الديكتاتور”، والذي أعيد سجنه بسببه، نتذكر أحمد أبو صالح الذي تحدث عن أن معلومات حفيده التكنولوجية تفوق بمرات كثيرة معارف بشار الأسد قائد التحديث والتطوير، و بعض تصريحات صدر الدين البيانوني عن تحالفه مع عبد الحليم خدام، وقد نصادف بين فترة وأخرى، تصريحات مسحوبة الدسم لبعض المعارضين.

منذ بدأت عملي في “الحرة” وسوا”، التزمت – قدر الإمكان بتوجيهات إدارة القناة والإذاعة – بالحرص على تقديم وجهة نظر الطرفين ( نظام ومعارضة ) عند تناول أي موضوع. يومها كان مفهوم المعارضة مطاطياً إلى حد كبير، حيث يدخل في هذا المفهوم حتى أولئك الذين صنعهم النظام، وأشرفت أجهزته الأمنية عليهم، كبعض معارضي هيئة التنسيق وغالبية معارضي الأحزاب الكردية، التي تم إنتاجها في إدارات أجهزة النظام الأمنية.

“خلينا نشوف المعلم بالأول”:

نصحني الصديق خليل معتوق – فك الله أسره – بأخذ رأي هيثم المالح رئيس أقدم جمعية حقوق إنسان في سورية، حول المظاهرة التي كان يجري التحضير لها أمام القصر العدلي بالتزامن مع محاكمة بعض ما سمي “سجناء الرأي”. ذهبت مع المصور إلى مقر الجمعية في حي الحلبوني معتقداً أن المالح لن يفوت الفرصة، وأنه سيتحدث بشجاعة عن الممارسات اللا إنسانية تجاه السوريين، والتي تضرب بعرض الحائط بكل حقوق الإنسان. كما “عللت النفس” بأنني سأتعثر في مقر الجمعية العريقة بغيره من المدافعين الشرسين عن حقوق الإنسان، معتقدا أن جعبتي ستمتلئ بساعات عديدة مسجلة من الأحاديث والآراء التي سأستفيد منها في تقارير مستقبلية.

قبل أن ألتقي بالمالح، تعثرت ب “كتكوت” ثوري أعرفه ، ولم ألتق به منذ عقود بسبب مغادرتي للرقة وسجنه، وما أن اقتربت منه لأسلم عليه حتى فزّ من مطرحه كأنه اكتشف إبرة في مؤخرته، وألقى علي محاضرة عن الامبريالية التي تمثلها قناة “الحرة”، وأنه لن يقبل الظهور عليها (بعد سنوات وبعد أن صار من تجار المعارضة صار يقبل الظهور بالحرة القناة الامبريالية القح..!.)، وترك المكان دون أن يسمع مني أنني أريد السلام عليه وتهنئته بالخروج من السجن ليس أكثر.!

المهم ..”طنشت الكتكوت” تيمناً بالمثل الشهير”دوا الكلب زبلو ..”، ورحت أبحث عن المالح، الذي لقبوه بعد قيام الثورة ب “ختيار الجن” وبعضهم استعار تعبير “مفتي الفساد” واطلقوه عليه.. استقبلني “ختيار الجن” ب”حربقته” الشامية، وشكرني على اهتمامي، وكال المدائح ل”لحرة” ودورها الوطني الشجاع، ومعرفته للظرف الصعب الذي أتحرك به، و..و… ولم يجبني على سؤالي إلا بعد أن تأكد جيداً من اكتمال “سخستي” المتأتية من كلامه المعسول:

– بكرا بعطيك الجواب.”خلينا نشوف المعلم بالأول”

– مين هاد المعلم.؟

– ولو. الرفيق أبو وائل..وإذا وافق لن أعطي تصريحا لغيرك .. تكرم عينك..شو عندنا غير الحرة ..؟

لا “بكرا ولا اللي بعدو ولا بعد اللي بعد بعدو ” رضي هيثم المالح بالظهور في أي تقرير لي في ” الحرة” و”سوا”. ولمن لا يعرف “الرفيق أبو وائل” فهو محمد ناصيف أحد أهم أركان النظام الأمنيين، ومجرم لا يشق له غبار..كما أن “لغيرك” هذه التي قالها المالح لا معنى ولا “مزية” لها، لأنه لم يكن هناك احد “غيري” من المراسلين مهتماً بهذه المظاهرة!.

خود السيارة وبعدين كَمِلْ ثمنها:

مع تكشيره عن أنيابه، وعودته إلى استكمال سيرة أبيه في اعتقال وقتل السوريين، بدأ بشار الأسد بسحب “المكتسبات” التي منحها للمعارضة والتي سميت يومها “ربيع دمشق”، وبدأت الأجهزة الأمنية بإغلاق الصالونات والمنتديات، ومطاردة بعض من صدقوا “كذبة الربيع” وفرك أذانهم، حتى عاد بعضهم الى جادة الصواب وفهم الدرس جيداً

في يوم من أيام” سحب المكتسبات” علمت أن قوى الأمن الداخلي تحاصر مقر منتدى الأتاسي في مشروع دمر، فركبت سيارتي التي لم أكمل دفع أقساط ثمنها بعد، وبجواري زوجتي ومعنا كاميرا متخلفة من “أيام السفر برلك”، لأن مخدمي قد امتنع عن تأمين مصور وكاميرا، وذهبنا إلى مشروع دمر، بعد أن اتفقت مع المعنيين في “الحرة” و”سوا”، على الاتصال مع سهير الأتاسي، التي كانت داخل المقر المحاصر مع عائلتها، لتسجيل تصريح لها حول مايجري..!

كان المكان محاصراً وكل المنافذ إلى مقر المنتدى مغلقة بباصات قوى الأمن، وحيثما نظرت لا ترى الا عناصر قوى الأمن الداخلي بلباسها العسكري محاطين بعناصر أمنية بلباس مدني، فيما على مبعدة مئات الأمتار من مقر المنتدى تجمع بعض “حويصة المعارضة” بمجموعات مثنى وثلاث ورباع، وكلما اقترب أحد منهم “يشمعون الخيط ويا فكيك”.. أذكر منهم نعنوع الثورة رضوان زيادة الذي كانوا يتهمونه بأنه كان عين الأمن في المنتديات، ومحام كنيته حبيب، والمحامي عبدالله الخليل وآخرون

تجولت في سيارتي في محيط المكان، بعد أن رتبت مكان الكاميرا وغطيتها جيدا، حيث تولت زوجتي تركيزها بشكل لاتُرى فيه العدسة، فيما كان صوت سهير أتاسي “يلعلع ” على”الحرة”.. كنت أتجول في المكان، و”حرمي المصون” تصور الى أن شعرت أن الأمن قد اكتشف “الملعوب” ف “شمعت الخيط ” كغيري، وعدت الى حيث يتجمهر الناس، بعد أن أوقفت السيارة في مكان بعيد عن مقر المنتدى

بعد أيام قليلة اتصل معي المحامي الذي اشتريت السيارة منه، وطلب لقائي بأقرب وقت، فلبيت طلبه والتقينا في اليوم نفسه، ودون”إحم أودستور يا أهل البيت”، دخل الرجل بالموضوع فوراً، وطلب مني الذهاب معه الى مديرية النقل كي يتنازل لي عن السيارة، ويتم تسجيلها باسمي.

أنا: مافي داعي أستاذ..لشو مستعجل..لما أدفعلك كامل القيمة أنقل السيارة لاسمي

هو:لا أخي..مشي معي هلأ ماراح استنى..ويا أخي إذا مابتدفعلي الباقي الله بيسامحك فيهن ..منيح هيك ..بدي أخلص من هالبلوى

أنا: بلوى ..؟

هو : بلوى وستين بلوى

القصة ومافيها، لقد عرف عناصر الأمن نمرة السيارة التي كانت تتجول في محيط مقر منتدى الأتاسي، ولم يعرفوا سائقها، فبحثوا عن مالك السيارة، ويبدو أنهم “احترموه بكام كف مدوزن”، فقرر أن يثق بي ويتنازل عن السيارة قبل اكتمال دفع ثمنها.. وهذه الفائدة الوحيدة التي جنيتها من معارضتنا الباسلة.

بث مباشر ..!.:

يبدو أن ثقة زائدة قد تملكتني بعد تصريح سهير أتاسي على الهواء مباشرة من داخل مقر منتداها، ومروره دون أي استدعاء أمني يذكر، فرفعت ” العيار” قليلاً، واستطعت ترتيب الأمور مع الزملاء في مكتبي واشنطن ودبي لاجراء لقائين على الهواء مباشرة، أحدهما من داخل سجن عذرا سئ الذكر، والآخر من داخل مكتب حسن عبد العظيم عندما كان محاصرا يوم الاجتماع الذي أعلن فيه عما سمي لاحقا ” مجموعة اعلان دمشق”

في المرة الأولى، استطعنا اجراء حوار في اذاعة “سوا” مع المعارض الصديق المحامي أنور البني من داخل سجن عذرا، حين تم اعتقاله بحجة عدم حصوله على ترخيص لمركز الدراسات الحقوقية، على ما أذكر، وسبق ذلك قيام بعض شبيحة النظام بالاعتداء عليه وضربه ضربا مبرحا وسط الشارع قرب منزله، وقد تحدث خلال الحوار الهاتفي عن مسائل كثيرة لاترضي النظام، و أعيد بث الحوار مرات عدة في “سوا” وفي “الحرة”

المرة الثانية كانت يوم الاجتماع التأسيسي لمجموعة “اعلان دمشق”، وأذكر أنني كنت في زيارة للمعلم الصديق المناضل الكبير فعلاً رياض الترك في منزله في ضاحية “تل منين”، وكان ثالثنا المعارض الصديق فائق المير، حيث كان الترك مشغولا بوضع التعديلات واللمسات الأخيرة على صياغة “مشروع اعلان دمشق”، وبعد انتهائه سلمه لفائق المير لاعادة طباعته، ونسخه، وتواعدنا على أن أذهب في صباح اليوم التالي الى منزل الترك كي أقوم بايصاله الى حيث سيجتمعون في مكتب المحامي حسن عبد العظيم، المشغول حاليا بتأليف كتاب عنوانه “كيف تعيد تدوير بشار الأسد في خمسة أيام..؟!”

في ساعة مبكرة من صباح اليوم التالي، قمت بايصال الترك من منزله الى شارع خالد بن الوليد وسط دمشق، حيث مكان الاجتماع، ومعنا كيس بلاستيكي في داخله نسخ “مشروع بيان اعلان دمشق”، ومع اقترابنا من المبنى لاحظنا بدء وصول الاجهزة الامنية وتمركزها في محيط المكان، فنزل الترك عند زاوية محطة الحجاز وتمكن من دخول المبنى، أما أنا فقد ذهبت وأوقفت سيارتي في كراج الحلبوني القريب وعدت الى المكان واذ به مطوقا بالكامل، حيث قامت شرطة مكافحة الشغب بسد الشوارع بالباصات وانتشرت في المكان، فيما عناصر الامن يتمخترون وقد بانت المسدسات على جنوبهم وملتصقة مؤخراتهم

عدت الى السيارة بعد أن تمكنت من تأمين اتصال هاتفي بين استوديو” سوا” في دبي والمعارض جورج صبرا المتواجد مع الآخرين داخل مكتب حسن عبد العظيم المحاصر..فتحت راديو السيارة على محطة “سوا”، وخرجت من الكاراج بعد أن بدأ الحوار مع جورج، الذي تحدث عن الحصار الأمني، وقرأ نص مشروع البيان من على أثير “سوا.”

عن موقع ليفانت

شاهد أيضاً

عيشة كلاب

المعتز الخضر أوصلتُ ابنتي إلى المدرسة في الصباح الباكر و عُدتُ أدراجي في السيارة الجرمانية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اثنان × 1 =