درويش خليفة
دلني على السوق !
ما يحصل للسوريين في بلاد اللجوء وخاصة بلدان الجوار، لا يشبه إطلاقاً حالة المهاجرين والأنصار ولا الضيوف وصاحب البيت التي أطلقت عليهم بداية رحلة لجوئهم ، فلا المال يتقاسمه الأنصاري مع المهاجر بل يستغله حتى أخر رمق. ولا البيوت والأرض أعطيت ولو بايجارها المعتاد ولاهم حصلوا الأمان المنشود في بعضها يرحل السوريون في كل مكان تحت ذرائع مختلفة.
وبالعودة للحادثة التي طالما يذكرها التاريخ و الروائيات من كتب وفيديوهات؛ عندما آخى النبي بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن ربيع الأنصاري، فقال الأول بارك الله لك في أهلك ومالك، ولكن دلني على السوق. وهنا بيت القصيد . “دلني على السوق”.
كل ما حصل ويحصل مع السوريين في بلاد الشتات ودول الجوار على وجه الخصوص، فرضت على السوريين المهاجرين أن يذهبوا بأرجلهم في رحلة البحث عن مصدر دخل يقيهم الحاجة إلى الآخرين، وهنا الرحلة كانت ذو شقين.
رحلة اللجوء في بلدان الجوار وهي عبارة عن البحث عن عمل خارج اختصاصهم التعليمي أو المهني أو حتى ضمن اختصاصهم ليكسبوا كرامتهم و يعيشون أيامهم على أمل العودة للوطن، بعيد انتهاء الحرب وما أنتجته من مآسي نفسية و اقتصادية.
وبذات الوقت الحفاظ على البنى البشرية، باستكمال تعليم أولادهم ليعودوا منتجين لبلدهم بعد تدمير البنى التحتية الخدمية والاقتصادية والتعليمية.
أو متابعة رحلة البحث عن الأمان المفقود ، فكانت بدلاً من دلني على السوق. دلني على مفوضية الأمم المتحدة أو أبواب سفارات الدول التي تستقبل سوريين على أراضيها، أو دلني إلى البحر، الذي يخطفني نحو المجهول، حياة هنيئة أو موت ينهي رحلة العذاب الدنيوي.
البحر الذي خطف أرواح مئات الأطفال من أبناء المهاجرين، الحالمين بحياة أفضل، وإقامة أطول.
ما هكذا هاجر أصحاب محمد (ص) من مكة إلى المدينة!
هجروا الخطر والطغيان ومضيق الثنيات، ليلقوا حياة مستقرة.
كما هجرنا الملاحقة الأمنية والقصف الجوي لنستقر فترة ً من الزمن حتى إسقاط النظام في دمشق والعودة إلى سوريا آمنة.
وليس العودة إلى مكان تستخدم فيه آلاف الأطنان من المتفجرات فوق رؤوس ساكنيه. تحت مسمى “قوننة وضع السوريين”.
أكاد أجزم أن المهاجرين السوريين في دول الجوار السوري في وقتنا هذا بالذات، أكثر تمسكاً بوجود قانون واضح وصريح يحميهم ويضعهم على السكة الصحيحة ليحددوا خياراتهم، بحيث يكون خيراً لهم من أقوال تستخدم لمصالح سياسية عبر مقاربة بحادثة تاريخية.
وحسب تجارب السنوات الثمانية لهجرة السوريين وفي ظل عدم وجود جهة تمثلهم وتدافع عنهم بل على العكس تستغلهم كما يفعل ممثلوه السياسيين ، من الواضح استخدامهم من قبل سلطات بلاد اللجوء كورقة ضغط سياسية للحصول على مكاسب سياسية واقتصادية ، وكذلك محاججة المعارضات للسلطات بالمهاجرين سياسياً الاْردن فقط لم تستخدم المعارضة حالة السوريين حيث تكمن التعددية الحزبية في برلمانه التشريعي فقط لكنه بذات الوقت جعل من حالة السوريين على أراضيه نافذة للمطالبة بدعم اقتصادي وسياسي .
وفي هذا الإطار، غالب الظن، أن السوريين أعجبتهم الشعارات الناعمة على حساب القوانين التي تردع من يحاول استغلالهم.
أي بدلاً من “دلني على السوق ” يجب أن تكون مطالبهم دلني على قانون الهجرة واللجوء.!
درويش خليفة صحفي وكاتب سوري
*تعبر المقالات المنشورة عن وجهة نظر كاتبها