الفنان مهند الموح
لنتخيّل الحياة بدون قلم وكتاب وألوان…
(مقال صحفي بأسلوب ونتائج البحث العلمي)
مقدمة:
في بلاد ليست بلادهم، وأماكن تتجاهل براءتهم ونعومة أظفارهم، وملامسة أحلامهم، حيث يتعب المرء في عدّهم، هجروا مقاعد دراستهم وألعابهم لتأمين لقمة العيش لعائلاتهم.
ويتساءل مهتمون في المنطقة العربية:
– أين برنامج التعليم العربي؟؟
عمالة الأطفال السوريين اللاجئين هي الغربة الحقيقية عن مقاعد الدراسة أمام بصر العالم، ويتساءل مهتمون في العالم:
– أين عمل مؤسسات الأمم المتحدة؟؟
أطفال من الصعب إحصاء عدّهم بدقة، هجروا رغماً عنهم مقاعد الدراسة، واتجهوا رغماً عنهم لسوق العمل، سوق العمل الذي يفوق قدراتهم العقلية والنفسية والجسدية، بسوق العمل يعملون لساعات طويلة، في ظروف خطيرة، وفي أبخس الأسعار.
إنّهم أطفال سوريا، الأطفال الذين يتخيّلون القلم والكتاب والألوان، الذين يتخيّلون مقاعد الصف والحقيبة والسبورة، يتخيّلون معلمة ومعلم الصف وأصدقاء لهم.
الإشكالية:
– من الذي يتحمل المسؤولية عن تفاقم مشكلة عمالة الأطفال السوريين اللاجئين؟
ظاهرة متفاقمة:
لنتخيل طفل عمره 11 سنة يعمل لساعات طويلة في معمل جوارب، أو حقل زراعي فيه بطاطا أو محل إطارات السيارات أو….
هي ظاهرة متصاعدة يوماً بعد يوم وتحديداً في دول الشرق الأوسط، وحسب مصادر إعلامية وحقوقية أن أكثر من 40 بـ % من الأطفال السوريين في الشتات خارج مقاعد الدراسة، ولا يعرفون شكل الصف المدرسي من الداخل.
هي حروب مركّبة ومعقّدة بويلاتها وانعكاساتها، هو واقع اقتصادي أجبر الأطفال اللاجئين السوريين على العمل، يعملون لأنهم بحاجة إلى مال، المال الذي يدفعونه لأجرة منزل بسيط أو ربما أجرة غرفة فقط، أو ربما أجرة محل قديم يسكنون فيه أو شبه بيت لم يكتمل بناءه، والكثير من الأطفال العمال عاجز عن تأمين مصروف الضروريات الأساسية من عذاء وماء وكهرباء.
ووفقاً لمصادر مهتمة أن أكثر من مليوني طفل سوري يعيشون كلاجئين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وتحطمت آمالهم وطموحاتهم في الحصول على تعليم.
وبقتل أو اعتقال أو فقدان الوالد الذي كان معيل الأسرة، أو الوالدة أو الاثنين معاً، أصبحت مسؤولية المعيشة على عاتق الأطفال في بلدان الشتات.
لنتخيّل طفل وهو يعمل عيناه تراقب طفل أخر ذاهب إلى مدرسته، وتدقق نظراته بشغف إلى الحقيبة المدرسية المحمولة على الأكتاف، لماذا ينظر بشغف؟، ماذا يريد؟…
الاستغلال:
طلب كبير على الأيدي العاملة الرخيصة، ويتلقى الأطفال أجراً يقل عن أجر البالغين، ومظاهر استغلال الأطفال السوريين في العمالة تبدأ من أرباب العمل بسبب الحاجة، حاجة الأطفال للعمل لتأمين قوت أسرهم، وهنا يفضّل أرباب العمل تشغيل الطفل السوري على مواطن البلد، بسبب الأجور المتدنية جداً، وساعات العمل الطويلة التي يقضيها الطفل دون تذمّر، بل ودون حساب أجر إضافي له.
الحماية والقانون:
– السبب الرئيسي لظاهرة عمالة الأطفال هو عدم الاعتراف القانوني باللاجئين السوريين في دول الشرق الأوسط، وتعتبرهم تلك الدول “ضيوف”، كما أن تبرير الحكومات “المضيفة” لللاجئين السوريين هو النقص في الإمكانيات.
(الاعتراف القانوني يعني الحماية وتأمين المستلزمات الأساسية للمعيشة، والتزام الأطفال بالقوانين الوطنية للتعليم في تلك الدول).
– التراخي في رقابة الأطفال العمال بشكل عام والسوريين بشكل خاص شجّع أرباب العمل على تشغيل الأطفال، كما أن الغرامة المالية بسيطة ويمكن تسديدها بسهولة.
– الطفل السوري العامل لا يعرف حقوقه في العمل لدى صاحب العمل.
– المؤسسات الحكومية وغير الحكومية، والمنظمات الحقوقية لا تقوم بعملها اللازم في الدفاع عن حقوق الأطفال في الحماية، وفي التعليم في دول الشرق الأوسط.
حماية الطفل من العمل في القانون الدولي الإنساني والاتفاقيات الدولية ذات الصلة:
توجد أحكام قانونية دولية لحماية الطفل من العمل، ففي الاتفاقية الخاصّة بوضع اللاجئين لسنة 1951، نصّت المادة 24 والتي تشمل البالغين والأطفال على السواء، تؤكّد على الواجبات المتعلّقة بعمل الأطفال، وتنص على:
أن تمنح الدول اللاجئين المقيمين بصورة نظاميّة في أراضيها نفس المعاملة الممنوحة للمواطنين فيما يخص الحدّ الأدنى لسن العمل.
وتدعو اتفاقية حقوق الطفل سنة 1989 في المادة 32 الدول الأطراف إلى:
1- تعترف الدول الأطراف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيراً أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي.
2- تتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة. ولهذا الغرض، ومع مراعاة أحكام الصكوك الدولية الأخرى ذات الصلة، تقوم الدول الأطراف بوجه خاص بما يلي:
(أ) تحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا للالتحاق بعمل،
(ب) وضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه،
(ج) فرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة لضمان بغية إنفاذ هذه المادة بفعالية.
مراجعة تقارير لمنظمات دولية:
حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في عدة تقارير لها من تفاقم عمالة الأطفال السوريين، التي بلغت مستويات خطيرة نتيجة النزاع المسلح في سوريا، والظروف الإنسانية أصبحت مأساوية وتتفاقم يوم بعد يوم وتدفع بأعداد متزايدة من الأطفال ليقعوا فريسة الاستغلال في سوق العمل.
كما وأكد تقرير السيد روجر هيرن المدير الإقليمي في منظمة (سيف ذي تشيلدرن) في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا، إلى دفع الملايين إلى الفقر ما جعل معدلات عمالة الأطفال تصل لمستويات خطيرة، وأضاف التقرير في الوقت التي تصبح العائلات أكثر يأساً فإن الأطفال يعملون بشكل أساسي من أجل البقاء على قيد الحياة، ويصبح هؤلاء لاعبين اقتصاديين أساسيين في دول الجوار.
وجاء في التقرير أن: 2,7 مليون طفل سوري خارج المدارس، وعدد كبير منهم انخراط في سوق العمل، وأضاف أيضاً أن الأطفال داخل سوريا يساهمون في دخل عائلاتهم، وتبيّن ذلك من خلال ثلاثة أرباع العائلات التي شملتها دراستهم.
ففي الأردن: أربعة من كل خمسة أطفال سوريين يعانون الفقر، ويعتبر نصف أطفال اللاجئين السوريين المعيل الرئيسي في العائلة، ووجد التقرير أن 75% من الأطفال العاملين في مخيم الزعتري للاجئين السوريين شمال الأردن يعانون مشاكل صحية، فيما يتعرض 22% من الأطفال العاملين في الزراعة بالأردن إلى إصابات عمل، ويحقق هؤلاء دخلاً يومياً يتراوح ما بين 4 إلى 7 دولارت مقابل العمل لما يزيد عن ثماني ساعات لستة أيام في الأسبوع.
أما في لبنان، فوجد التقرير أطفالاً بعمر ست سنوات يعملون في بعض المناطق، فيما يعمل ثلاثة أرباع الأطفال السوريين، وظروفهم لا تقل عما وجده التقرير في الأردن، لتأمين قوت العائلات السورية، وأكثر الأطفال عرضة للمخاطر في العمل بحسب التقرير.
وأشار التقرير إلى خطورة الإتجار بالأطفال، أو استغلال الأطفال جنسياً، أو في الأعمال غير المشروعة – مثل التسوّل المنظم.
وأشار التقرير من جهة أخرى، إلى أن الأطفال السوريين يتعرضون بشكل متزايد لمحاولات التجنيد من قبل مجموعات مسلحة وسجلت الأمم المتحدة 278 حالة مؤكدة لأطفال بسن 8 سنوات عام 2014 فقط، وأضاف التقرير أنه في 77% من تلك الحالات تم تسليح الأطفال واستخدامهم في القتال أو تسجيل المعارك، وأفاد أن 30% من الأطفال الذين قابلهم معدو التقرير أنه جرى التواصل معهم بهدف تجنيدهم، والأطفال الذين يتم تجنيدهم يحققون دخلاً شهرياً يقارب 400 دولار.
النتائج:
– لا تؤمن مساعدات الأمم المتحدة مما يحتاجه اللاجئون، مما زاد من أعباء دول الشرق الوسط.
– ظروف اللجوء أجبرت مئات الآلاف من الأطفال السوريين على العمل.
– لا توجد أرقام دقيقة للأطفال اللاجئين العمال.
– يعمل الأطفال مقابل أجور زهيدة وبخسة.
– الطفل هو المعيل لأسرته.
– يمكن لعين أي مهتم وفي جولة صغيرة في الأسواق أن ترى عمالة واستغلال الأطفال.
– تقصير الصحافة والإعلام بتسليط الضوء على هذه الظاهرة.
الحل:
– تنطبق القانونين الدولية على كل البشر بدون تمييز، أي أنه ينطبق على المواطنين واللاجئين والنازحين على حد سواء.
– يشكّل القانون الدولي والاتفاقيات الدولية، والقوانين الوطنية للدول التي فيها لاجئين سوريين الإطار العريض لحماية الأطفال من العمل والعودة بهم لمقاعد الدراسة.
كما وأشارت مصادر إعلامية وحقوقية واستبيانات، أن من يتحمل المسؤولية في تفاقم مشكلة عمالة الأطفال السوريين اللاجئين هم:
– حكومات الدول المضيفة.
– مؤسسات الأمم المتحدة.
– الحكومات العربية.
وترى هذه (المقالة الصحفية بأسلوب ونتائج البحث العلمي) أن الحل للحد من عمالة الأطفال السوريين اللاجئين، وإنقاذهم، وحمايتهم هو:
– تقاسم المهام بين الدولة المضيفة في الشرق الوسط، ومؤسسات الأمم المتحدة.
– تدعم وتمّول الدول الغنية حاجات المعيشة الأساسية، وبرنامج تعليم الأطفال العمال.
– تخضع المخيمات في دول الشرق الأوسط لرقابة مؤسسات الأمم المتحدة كما هو الحال في تركيا.
خاتمة:
ويبقى خيال الصف المدرسي بين: حقوق الطفل، وسوق العمل، والإعلام المُقصّر، ومؤسسات الأمم المتحدة، ومؤسسات المجتمع الدولي الحكومية وغير الحكومية.
عمالة الأطفال تنذر بالجريمة والانحراف في أي مجتمع، وهذا عدا عن خسارة جيل بأكمله، وستنتهي الحروب المركّبة والمعقدة، ويكبر الأطفال العمال… نعم يكبرون ويتذكرون الحرب وسوق العمل، ويسعون لتعويض ما فاتهم من علم بتعليم أولادهم…
الفنان والباحث الحقوقي والاجتماعي
مهند الموح
المراجع التي ساعدت في الإعداد: مجموعة مصادر إعلامية وقانونية.