الثلاثاء , أبريل 29 2025
الرئيسية / مقال / أثر المحسوبيات على تعطيل الكفاءات الشابة وإعاقة نهضة الدولة

أثر المحسوبيات على تعطيل الكفاءات الشابة وإعاقة نهضة الدولة

أثر المحسوبيات على تعطيل الكفاءات الشابة وإعاقة نهضة الدولة

سعد الأطرش

تعد الكفاءات الشابة القوة المحركة لنهضة الأمم، وعصب التطور في أي مجتمع يطمح إلى بناء مستقبل مزدهر، فالشباب بما يحملونه من طموح، ومعرفة حديثة، وقدرة على الابتكار، يمثلون الطاقة المتجددة القادرة على تحريك عجلة التنمية الشاملة. غير أن هذه الطاقات كثيرًا ما تُهدر بسبب آفة المحسوبيات، تلك الظاهرة التي تقوم على تفضيل المصالح الشخصية والقرابات على حساب الكفاءة والاستحقاق. إن تفشي المحسوبيات لا يعطل الكفاءات فحسب، بل يعيق مسار الدولة بأكملها نحو التقدم والازدهار.

 

أولًا: مفهوم المحسوبيات

المحسوبيات هي ممارسة تفضيل الأشخاص بناءً على معايير غير موضوعية مثل العلاقات العائلية، أو الانتماء السياسي أو الطائفي أو القبلي، متجاوزة بذلك متطلبات الكفاءة والجدارة. وتعتبر المحسوبيات شكلًا من أشكال الفساد الإداري، حيث يتم تجاهل المؤهلات الفعلية لصالح الانتماءات الشخصية، مما يؤدي إلى خلل هيكلي في بنية المؤسسات.

تتخذ المحسوبيات أشكالًا متعددة، منها التعيين الوظيفي والترقيات على أسس الولاء بدلاً من الكفاءة، منح الامتيازات الاقتصادية لمقربين من دوائر السلطة، وحتى تسهيل الوصول إلى مراكز اتخاذ القرار لأشخاص يفتقرون إلى أدنى شروط التأهيل.

 

ثانيًا: دور الشباب في النهضة 

تشكل الكفاءات الشابة العمود الفقري لأي مشروع نهضوي، فهم يتمتعون بمرونة فكرية، واستعداد للتكيف مع التحولات العالمية، وحماس للابتكار والإبداع. 

ومع ذلك، فإن أي بيئة يسودها منطق المحسوبيات تحرم هؤلاء الشباب من فرصهم في المساهمة في التنمية والبناء. يتعرض الشباب المتميزون للتهميش والإقصاء، في وقت تكون فيه الحاجة إليهم أشد ما تكون، مما يؤدي إلى خسارتين: خسارة الأفراد أنفسهم وخسارة مساهماتهم الممكنة في مسيرة بناء الدولة.

 

ثالثًا: أثر المحسوبيات على تعطيل الكفاءات الشابة

١. غياب العدالة وتكافؤ الفرص

حين يحل الولاء محل الكفاءة، يُلغى مبدأ تكافؤ الفرص، فتُهدر قدرات الشباب الذين يتمتعون بجدارة حقيقية، لصالح أفراد محظوظين بالانتماء لا بالاستحقاق. هذا الظلم يولد شعورًا بالإحباط واليأس لدى الكفاءات الشابة، مما يفقد المجتمع ديناميكيته الطبيعية نحو التطور.

٢. هجرة العقول

إن بيئة العمل التي تحكمها المحسوبيات تدفع الكفاءات الشابة إلى الهجرة، بحثًا عن بيئات أكثر عدلًا واحترامًا للمؤهلات. هذه الظاهرة تؤدي إلى استنزاف أهم الموارد البشرية التي تحتاجها الدولة لبناء مستقبلها.

٣. شلل الابتكار والتطور المؤسسي

في غياب الكفاءات الحقيقية عن مواقع اتخاذ القرار، تغيب كذلك الحلول الإبداعية والمقاربات الجديدة، مما يجعل المؤسسات عرضة للجمود الإداري والروتين القاتل، ويمنعها من الاستجابة لمتطلبات التنمية المتجددة.

رابعًا: أثر المحسوبيات على عرقلة نهضة الدولة

لا يمكن الحديث عن بناء دولة حديثة دون الاعتماد على قاعدة صلبة من الكفاءات الشابة المؤهلة، وعندما تتفشى المحسوبيات، فإن آثارها السلبية لا تقتصر على الأفراد فحسب، بل تطال الدولة بأسرها وذلك عن طريق:

١. تفكك المؤسسات

تضعف المحسوبيات المؤسسات، حيث يتم إسناد المناصب إلى غير المؤهلين، ما يؤدي إلى خلل في الأداء الإداري، وتراجع الكفاءة العامة لمؤسسات الدولة.

٢. انتشار الفساد الإداري

تشكل المحسوبيات بيئة حاضنة للفساد، إذ تصبح المناصب وسيلة لتحقيق مكاسب شخصية لا مسؤولية وطنية، مما يؤدي إلى مزيد من الإهدار للموارد العامة.

٣. فقدان ثقة المواطن بالدولة

عندما يلاحظ المواطن أن المناصب والوظائف تُمنح على أساس المحسوبية لا الجدارة، تتآكل ثقته بمؤسسات بلده، ويضعف التزامه بالقانون والنظام، مما يؤدي إلى تهديد الاستقرار الاجتماعي والسياسي.

٤. تعطيل مشاريع التنمية

تعجز الدول التي تسودها المحسوبيات عن تنفيذ خطط تنموية ناجحة، لأن من يتصدر قيادة المشاريع غالبًا يفتقر إلى الكفاءة اللازمة لإدارة التحديات الحديثة، ما يؤدي إلى فشل المشاريع وتأخر التنمية.

خامسًا: أسباب انتشار المحسوبيات

تكمن جذور المحسوبيات في عدة عوامل، أبرزها:

١. ضعف نظم الرقابة والمساءلة: مما يسمح بالتجاوزات دون خوف من المحاسبة.

٢. ثقافة اجتماعية تقليدية: تقدس الانتماءات العائلية أو المناطقية.

٣. البيروقراطية العتيقة: التي تفتقر إلى آليات شفافة وواضحة للاختيار والتقييم.

سادسًا: مقترحات لمواجهة المحسوبيات وتمكين الكفاءات الشابة

لا يمكن القضاء على المحسوبيات إلا عبر حزمة من الإجراءات والإصلاحات الجوهرية، أبرزها:

ـ تبني معايير شفافة وعادلة للتوظيف والترقيات، تقوم على الكفاءة والجدارة وحدهما.

ـ تعزيز استقلال المؤسسات الرقابية، لضمان الرقابة على الأداء الوظيفي ومحاربة الفساد.

ـ ترسيخ ثقافة الكفاءة في المجتمع، من خلال الإعلام والتعليم والنماذج الملهمة.

ـ تفعيل برامج تمكين الشباب، وتقديم فرص حقيقية لهم للمشاركة في صياغة القرار الوطني.

شاهد أيضاً

إعادة تدوير الشبيحة، هل هي تكتيك أم استراتيجيا؟

 إعادة تدوير الشبيحة، هل هي تكتيك أم استراتيجيا؟ أحمد السالم   وكأننا لا نملك ذاكرة، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

8 − 2 =