“سياسات أمريكا تجاه سوريا: التحديات والفرص مع الدبلوماسي السوري بسام بربندي
حاوره فراس علاوي
تحرير الندوة أحمد الشيخ
المحور الأول: السياسة الأمريكية في عهد إدارة ترامب تجاه سوريا
-
إدارة ترامب لم تُصدر سياسة رسمية واضحة تجاه سوريا، وكان تعاملها مبنياً على الوقائع الميدانية والمصالح الأمريكية لا على مبادئ استراتيجية طويلة الأمد.
-
ركّزت إدارة ترامب على تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الخارج، وخاصة في مناطق تُعتبر غير ذات مردود اقتصادي أو استراتيجي مباشر، وسوريا كانت في صدارة هذه المناطق.
-
تكاليف الوجود العسكري الأمريكي في سوريا كانت تُقدَّر بين 150 إلى 200 مليون دولار سنوياً مقابل وجود عسكري يضم نحو 2500 جندي، دون عائد سياسي أو اقتصادي معتبر.
-
أهم محددات السياسة الأمريكية تمثلت في:
الحفاظ على الحقوق الدستورية للأكراد حلفاء أمريكا في الحرب ضد “داعش”.
منع عودة داعش كخطر أمني.
تأمين سجون عناصر داعش.
تقييد النفوذ الإيراني في سوريا دون المواجهة المباشرة.
ضبط التحركات الروسية في شرق المتوسط.
ضمان أمن إسرائيل كأولوية عليا.
لم يكن الملف السوري من أولويات ترامب، وتم التعامل معه من زاوية “تقليل الخسائر” لا من باب تقديم حلول سياسية. لم تكن الديمقراطية أو مستقبل سوريا ضمن حسابات الإدارة الأمريكية، بل ساد التفكير المصلحي الضيق، خصوصاً أن أي تحرك أمريكي كان يجب أن يراعي الانعكاسات على أمن إسرائيل، والموقف من روسيا وإيران، وعلاقة الأكراد بالحكومة السورية.
المحور الثاني: الاختلال والتضارب داخل الإدارة الأمريكية وتأثيره على الملف السوري
-
إدارة ترامب منحت القيادة العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط (CENTCOM) صلاحيات واسعة للعمل دون الرجوع إلى البيت الأبيض أو وزارة الخارجية، ما أدى إلى انفصال واضح بين التحرك العسكري والموقف السياسي.
-
الخارجية الأمريكية لم تكن على علم بعدة اتفاقيات أو زيارات تتعلق بسوريا، منها اللقاء بين مظلوم عبدي والقيادات الكردية بترتيب عسكري أمريكي مباشر دون تنسيق سياسي.
-
غياب التعيينات في وزارة الخارجية والبيت الأبيض، خصوصاً في المناصب المعنية بسوريا، أدى إلى شلل إداري، حيث لم يكن هناك مسؤول رسمي يتابع الملف السوري بشكل مباشر.
-
المرشحون لإدارة الملف السوري، مثل جويل رايبورن أو أندرو تابلر، لم يُعيَّنوا بشكل رسمي في وقت الندوة، ما عمّق الفوضى الإدارية وزاد من بطء القرار الأمريكي تجاه سوريا.
-
السياسات الأمريكية لم تكن نتيجة تخطيط منسق، بل غالباً ما كانت ردود فعل على تطورات ميدانية.
غياب التنسيق داخل مؤسسات الدولة الأمريكية، وتضارب الرؤى بين الجناحين العسكري والدبلوماسي، جعل السياسة الأمريكية تجاه سوريا ضعيفة التأثير وغير موثوقة. هذا التخبّط قلل من فرص الحوار الحقيقي مع السوريين وسمح بتضارب الرسائل، ما عمّق من عزلة سوريا وأبقى الحالة في إطار “إدارة الأزمة” بدلاً من السعي إلى حلها.
المحور الثالث: العلاقة الأمريكية مع الأكراد ومستقبل قوات سوريا الديمقراطية (قسد)
-
العلاقة بين الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بُنيت على أساس الشراكة في محاربة تنظيم “داعش”، لكن لم تكن هذه العلاقة مدفوعة برؤية استراتيجية أمريكية طويلة الأمد لمستقبل الأكراد.
-
الإدارة الأمريكية دعمت الحوار بين قسد ونظام الأسد، على أمل أن يتمكن الأكراد من التوصل إلى تسوية سياسية، مع استمرار الدعم الأميركي لهم إن فشلت التسوية.
-
القيادة المركزية الأمريكية كانت تنفّذ اتفاقيات مع القيادات الكردية دون علم أو موافقة الخارجية أو البيت الأبيض، مما أثار ارتباكاً داخل مؤسسات الحكم الأمريكية.
-
أمريكا تشترط لحماية الأكراد سياسياً وعسكرياً أن يتحقق:
حفظ سجون داعش.
عدم السماح بعودة خلايا التنظيم.
تقييد النفوذ الإيراني.
تقييد حركة روسيا في شرق المتوسط. -
هناك إدراك كردي متزايد أن أمريكا ستنسحب عاجلاً أو آجلاً، وأن الحوار مع الحكومة السورية هو الخيار الوحيد لضمان وجود سياسي دائم.
-
مشروع إدماج الأكراد ضمن جيش وطني سوري أو تسوية أمنية-سياسية يبقى احتمالاً قائماً ضمن خطط ما بعد الانسحاب الأمريكي، لكن لم تتضح ملامحه العملية بعد.
العلاقة بين الأكراد وأمريكا تندرج ضمن تحالف تكتيكي وليس استراتيجي، مما يفرض على قسد والقوى الكردية التفكير جدياً بتسويات داخلية مع دمشق لتأمين مستقبلهم السياسي. الأكراد أصبحوا يدركون أن بقاءهم مرتبط بتفاهم سياسي داخلي لا بوعود أمريكية مؤقتة.
المحور الرابع: دور إسرائيل وتأثير مصالحها الأمنية في بلورة الموقف الأمريكي
-
الولايات المتحدة تعتمد إلى حد كبير على الرؤية الإسرائيلية في تحديد سياساتها تجاه سوريا، خصوصاً فيما يتعلق بأمن الحدود الجنوبية ومكافحة النفوذ الإيراني.
-
إسرائيل تنظر إلى الحكومة السورية الجديدة (التي يرأسها أحمد الشرع) باعتبارها كياناً غير مستقر، يشبه تجربة “حماس” في غزة. هذه النظرة الإسرائيلية تنقلها إلى واشنطن، وتؤثر على قراراتها تجاه دمشق.
-
رفض إسرائيل لرفع العقوبات أو دعم النظام الجديد يعود إلى خشيتها من أن يؤدي ذلك إلى ولادة “كيان معادٍ” جديد على حدودها، مشابه لحزب الله في لبنان أو حماس في غزة.
-
إسرائيل ترفض أي دعم مالي أو تقني للحكومة السورية قبل إثبات تخليها التام عن العقائد السلفية الجهادية أو أي تحالف مع إيران وحزب الله.
-
تأثير اللوبي الإسرائيلي في واشنطن قوي، ويغذي حالة الشك الأمريكية تجاه أي تغيير في دمشق، ويحول دون تبنّي سياسة أكثر انفتاحاً تجاه الحكومة السورية الجديدة.
التحول في السياسة الأمريكية تجاه سوريا مرهون برؤية إسرائيل لأمنها القومي. بقاء الحكومة السورية في موقع العداء المفترض لإسرائيل يمنع أي تقارب أمريكي، ويؤجل أي تخفيف للعقوبات. لذا، فإن إثبات الحكومة السورية لنهج وطني عقلاني يتجاوز الخطاب العدائي السابق، يمكن أن يُغيّر قواعد اللعبة، ولو تدريجياً.
المحور الخامس: العقوبات الأمريكية على سوريا – أسبابها وسبل رفعها
-
العقوبات المفروضة على سوريا تعود إلى عام 1979، وتفاقمت بعد عام 2011. ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين:
1979–2011: استهدفت سياسات النظام السوري الخارجية، خصوصاً تحالفه مع إيران، كوريا الشمالية، حزب الله، ودعمه للمقاومة العراقية.
2011–حتى اليوم: شملت الأفراد والمؤسسات المرتبطة بانتهاكات حقوق الإنسان، ودعمت من خلال “قانون قيصر”، وهو أقسى الأطر العقابية الأمريكية ضد سوريا. -
أبرز أسباب استمرار العقوبات:
العلاقة مع إيران وحزب الله.
وجود أسلحة دمار شامل أو شبهات بذلك.
غياب آليات محاسبة وعدالة انتقالية.
غياب شفافية مالية، خصوصاً في عمل البنك المركزي السوري.
عدم تعاون النظام السوري في قضايا مثل ملفات “داعش”، أو الصحفي الأمريكي المحتجز. -
بربندي يقترح خطوات عملية لرفع العقوبات:
توجيه الحكومة السورية رسائل رسمية إلى مجلس الأمن الدولي ووزارة الخزانة الأمريكية، تؤكد تخليها عن السياسات القديمة.
التعاون الشفاف مع منظمات الرقابة الدولية في موضوع الأسلحة الكيميائية والنووية.
إنشاء آلية واضحة لمحاكمة عناصر داعش المحتجزين في سوريا ضمن محاكم ذات مصداقية.
تبنّي برامج للعدالة الانتقالية، وملاحقة المطلوبين دولياً داخل سوريا.
تحديث النظام المالي السوري ليتماشى مع معايير الشفافية العالمية، مما يطمئن المجتمع الدولي إلى وجهة المساعدات.
رفع العقوبات ليس مجرد مسألة سياسية، بل يتطلب مساراً قانونياً واضحاً. لا يكفي تغيير الخطاب أو إطلاق مبادرات إعلامية، بل يجب على الحكومة السورية اتخاذ خطوات موثقة تثبت تغير سياساتها السابقة وتعاونها الجاد مع المجتمع الدولي، خصوصاً في ملفيّ “الشفافية” و”العدالة الانتقالية”.
المحور السادس: المبادرات المحتملة للحوار أو الوساطة الأمريكية مع الحكومة السورية
-
لا يوجد قطيعة كاملة بين واشنطن ودمشق، لكن التواصل الرسمي مجمّد منذ عهد ترامب، واقتصر على لقاء يتيم في بروكسل، سلّمت خلاله أمريكا شروطها للحكومة السورية.
-
بربندي يؤكد أن بعض المبادرات غير الرسمية قائمة، تشمل تواصل شخصيات صحفية أو أكاديمية أمريكية، وأيضاً بعض الوساطات عبر الأردن، السعودية، الإمارات وقطر، لكن هذا لا يُعوّض عن الاتصال الرسمي.
-
الولايات المتحدة تفضل الحوار المباشر مع الحكومة السورية على وساطة الأطراف الإقليمية، خاصة أن الوسيط غالباً ما يملك أجندة خاصة تُبطئ أو تُحرّف مضمون الحوار.
-
ترامب يرى أن الملف السوري قد يكون فرصة لتحقيق إنجازات دولية ترفع أسهمه سياسياً، مثل تسهيل الانسحاب الأمريكي من سوريا “بصورة منتصرة”، أو فتح مسار سلام مع إسرائيل.
-
المطلوب من دمشق لإقناع واشنطن بالحوار:
إرسال رسائل علنية تتعهد بمحاربة داعش.
إعلان استعدادها لمحاكمة الإرهابيين الدوليين.
رفع السرية عن نواياها، وتقديم خطوات واضحة لبناء الثقة.
على الحكومة السورية أن تتبنى سياسة “المبادرات لا الانتظار”. الطريق إلى الحوار مع واشنطن يبدأ بخطوات أحادية من دمشق لإثبات الجدية والانفتاح، مثل المبادرة لمحاكمة عناصر داعش، أو التصريح العلني باستعدادها للانسحاب الإيراني من أراضيها، مما يضع الكرة في الملعب الأمريكي ويخلق دينامية سياسية جديدة.
المحور السابع: الدور الإقليمي والدولي في الملف السوري ومستقبل العلاقات السورية-الأمريكية
-
الدول الإقليمية، وعلى رأسها إسرائيل، تركيا، السعودية، قطر والإمارات، تلعب دوراً مركزياً في التأثير على القرار الأمريكي تجاه سوريا، سواء عبر الضغط المباشر أو تقديم تصورات سياسية وأمنية.
-
إسرائيل ترفض أي دعم حكومي مباشر لسوريا الجديدة خشية نشوء “نموذج حماس” جديد، وتصرّ على ضمانات أمنية صارمة، مثل ترسيم الحدود وهدنة طويلة الأمد، كشرط لأي انفتاح أمريكي.
-
السعودية تؤدي أدوار وساطة غير معلنة، وقد تُسهم في تهيئة أرضية لحوار بين واشنطن ودمشق في حال لمست تغيراً في سلوك الحكومة السورية.
-
أمريكا ترى أن تحقيق استقرار في الجنوب السوري، وخصوصاً على الحدود مع إسرائيل، قد يمهّد لمرحلة جديدة من العلاقات، قائمة على نموذج “السلام مقابل الأمان” كما في لبنان.
-
الاتحاد الأوروبي لا يملك القرار بشأن العقوبات أو المسار السياسي، لكنه يدعم أي خطوات من شأنها تأمين العودة الآمنة للاجئين واستقرار الداخل السوري، خصوصاً مع الضغوط الاقتصادية التي يعاني منها.
-
بربندي يؤكد أن مفتاح أي تغيير سياسي، اقتصادي، أو أمني في الموقف الأمريكي يبقى في يد دمشق، من خلال اتخاذها خطوات ملموسة تثبت أنها ليست استمراراً لنظام الأسد، بل حكومة جديدة ذات توجه وطني حقيقي.
الساحة السورية لم تعد ساحة صراع بين النظام والمعارضة، بل ساحة اختبار لعقلانية الحكم وقدرته على بناء الثقة مع المجتمع الدولي. الانفتاح الأمريكي ليس وهماً، لكنه مرهون بإجراءات سورية جادة تتحدى الشكوك، وتفتح الباب لمستقبل سياسي جديد يشارك فيه الداخل والخارج بإرادة حقيقية.
لحضور الندوة الرابط