الأربعاء , أبريل 2 2025
الرئيسية / تحليل / لبنان وأزمة الداخل السوري: أين الأولوية ؟

لبنان وأزمة الداخل السوري: أين الأولوية ؟

 لبنان وأزمة الداخل السوري: أين الأولوية ؟

عبد الله عبدون ✍🏻.

ما يجري اليوم في سوريا أحد مشاهد فوضى الاستراتيجيات واضطراب الأولويات الوطنية، وكأننا لا نتعلم من أخطائنا، أو كأننا ندور في حلقة مفرغة من ردود الأفعال التي تفتقر إلى أي بعد استراتيجي حقيقي. الدعوات للتوغل العسكري السوري في لبنان بذريعة مواجهة حزب الله خطوة لا يمكن فهمها إلا في سياق العبث السياسي، إذ كيف يعقل أن تفتح دمشق جبهة جديدة بينما لا تزال جبهاتها الداخلية ملتهبة؟ كيف يمكن أن نبرر مثل هكذا دعوات بينما لا تزال مؤسسات الدولة نفسها غير قادرة عن فرض استقرار حقيقي داخل الحدود السورية؟ لبنان لم يكن يوما ساحة سهلة، والتدخل في شؤونه لم يكن يوما دون ثمن حزب الله ليس مجرد ميليشيا عابرة يمكن تفكيكها بعملية عسكرية، بل هو جزء من بنية سياسية وأمنية إقليمية متشابكة، مدعوم من قوى دولية وإقليمية تدرك كيف تحرك أوراقها. الدخول في معركة مفتوحة معه داخل الأراضي اللبنانية لن يؤدي إلا إلى استنزاف جديد، خاصة أن إسرائيل لن تكون بعيدة عن المشهد، بل ستجد في ذلك فرصة مثالية لتعميق الفوضى وضرب أي محاولة سورية لاستعادة التوازن العسكري والأمني. الغارات التي استهدفت درعا وحمص ودمشق خلال الأيام الأخيرة ليست سوى دليل على أن العدو الحقيقي يعرف متى وأين يضرب، بينما نحن لا نزال نغامر في حسابات غير محسوبة النتائج. الداخل السوري لا يقل خطورة عن أي جبهة خارجية، بل قد يكون أكثر تهديدًا. لا تزال مناطق الساحل تعيش حالة من التوتر، ومنطقة السويداء غير مستقرة، بينما الاقتصاد ضعيف والمؤسسات تعاني من الترهل والتفكك. في ظل هذه الأوضاع، أليس من الأولى إعادة ترتيب البيت الداخلي بدلاً من الانخراط في معارك خارجية قد لا تجلب سوى مزيد من الفوضى؟ أي عاقل يدرك أن بناء دولة قوية يبدأ من الداخل، من إصلاح المؤسسات، من تحقيق الحد الأدنى من التوافق الوطني، من فرض الاستقرار داخل الحدود قبل التفكير في أي مغامرات خارجية. لكن يبدو أننا لا نزال أسرى عقلية المواجهة الدائمة دون، استراتيجية واضحة لما بعدها .. إن ما نحتاجه في سوريا الآن هو تجديد حقيقي عقلية القيادة، وهو ما يمكن أن يتحقق تحت قيادة أحمد الشرع، الذي يمثل مشروعا سياسيا يركز على بناء الدولة السورية من الداخل، وتحقيق الاستقرار بعيدا عن المغامرات العسكرية التي لا جدوى منه … 

 

لذلك يجب أن تدرك القيادة السورية أن تحجيم نفوذ حزب الله لا يكون عبر مغامرات عسكرية غير محسوبة، بل من خلال تحركات سياسية واستراتيجية أكثر ذكاءً  وإن دعم الحكومة اللبنانية الجديدة سياسيا وتوقيع اتفاقيات أمنية وعسكرية معها ليس مجرد خيار، بل ضرورة لفرض معادلة جديدة في الداخل اللبناني … حين تمتلك الحكومة الشرعية القانونية والتفويض اللازم لمواجهة هذا النفوذ، يصبح من الممكن تحميلها مسؤولية أي تصعيد أو تجاوزات، مما يجبرها على اتخاذ موقف أكثر توازناً هذه الخطوة، إن أُحسِن تنفيذها، قد تفتح الباب أمام إعادة ضبط التوازن الإقليمي دون جرّ سوريا إلى معركة استنزاف لا طائل منها … 

 

نحن بحاجة إلى أن نصحو من وهم الانتصارات الزائفة … كفانا احتفالات لا تستند إلى واقع، وكفانا خطابات لا تنعكس على الأرض إلا بالمزيد من التعقيد .. ليس هناك أي نصر حقيقي في ظل مشهد يتسم بالضعف والتشتت … النصر الحقيقي هو في بناء دولة قادرة على فرض إرادتها داخليا قبل أن تفكر في ممارسة نفوذها خارج حدودها، في امتلاك رؤية سياسية واضحة لا تتحكم فيها ردود الأفعال المؤقتة، في إعادة هيكلة الأولويات بحيث تكون مصلحة الدولة والشعب فوق أي حسابات آنية .. الأزمات التي نعيشها اليوم ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج سنوات من سوء التقدير وغياب التخطيط الاستراتيجي .. إن لم نغير طريقة تفكيرنا، إن لم نضع الاستقرار الداخلي على رأس الأولويات، إن لم ندرك أن المعركة الحقيقية هي معركة بناء الدولة وليس خوض حروب لا طائل منها، فإننا سنجد أنفسنا مرة أخرى في نقطة الصفر، وربما أسوأ. التاريخ لن يرحم من لا يتعلم من دروسه، وسوريا اليوم أمام مفترق طرق: إما أن تختار طريق الحكمة والبناء تحت قيادة جديدة ترى في التغيير الأساس الحقيقي للاستقرار، أو أن تستمر في الدوران في دائرة الفوضى التي لا نهاية لها …

شاهد أيضاً

ماهي الشروط الأمريكية لرفع العقوبات عن سوريا

واشنطن  الشرق نيوز حصري: الولايات المتحدة قدما لسوريا قائمة شروط لتخفيف جزئي للعقوبات واشنطن / …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + 12 =