الأربعاء , أبريل 2 2025
الرئيسية / تحليل / بين التحديات والفرص : سوريا أمام لحظة الحقيقة

بين التحديات والفرص : سوريا أمام لحظة الحقيقة

بين التحديات والفرص : سوريا أمام لحظة الحقيقة

أحمد السالم 

تقف سوريا اليوم  عند مفترق طرق حاسمة ، فإما أن تكون هذه المرحلة بداية لتعافٍ حقيقي ، وإما أن تغرق البلاد أكثر في أزماتها المتراكمة .

لقد دفعت سوريا ثمنًا باهظًا خلال العقود الماضية ، حتى باتت كل مشكلة فيها أزمة قائمة بذاتها ، وكل تحدٍّ أمامها يبدو كأنه جبل يصعب تسلقه .

لكن وسط هذه الصورة القاتمة ، لا تزال هناك فرص للخروج من عنق الزجاجة ، إذا ما توفرت الإرادة السياسية ، واتُّخذت القرارات الصائبة ، بعيدًا عن الحسابات الضيقة والمصالح المؤقتة .

الأمن أولًا :

لا مكان للفوضى بعد اليوم، لا يمكن بناء دولة قوية دون أمن ، ولا يمكن الحديث عن اقتصاد مستقر أو عودة للحياة الطبيعية في ظل انفلات السلاح وانتشار الفلول والجماعات الخارجة عن القانون .

اليوم سوريا لا تزال تواجه تهديدات أمنية كبيرة ، بدءًا من فلول النظام البائد، التي تحاول رسم طريق الحرب الأهلية ، مرورًا بالحدود غير المنضبطة التي تُستغل للتهريب وتسلل المقاتلين الأجانب ، وصولًا إلى انتشار السلاح بشكل يهدد نسيج الدولة .

إن ضبط هذا الملف يتطلب حزمًا بلا تهاون ، فالاستقرار لا يُبنى على التسويات الهشة ، بل على سيادة القانون والضرب بيد من حديد على كل من يعبث بأمن البلاد .

الجيش والأجهزة الأمنية أمام مهمة تاريخية ، ليس فقط في القضاء على بقايا الشبيحة والمجرمين ، بل في استعادة الدولة لهيبتها كاملة ، بحيث لا يكون هناك أي سلاح خارج إطارها الرسمي .

الواقع الإقتصادي :

حرب أخرى يجب كسبها، إن كان الأمن هو التحدي العاجل ، فإن الاقتصاد هو التحدي الأخطر والأكثر تعقيدًا .

سوريا اليوم تعاني من انهيار في قيمة عملتها ، وتضخم غير مسبوق ، وندرة في الموارد الأساسية مثل الوقود والطاقة ، ناهيك عن إستمرار العقوبات التي فاقمت الأزمة .لكن الحقيقة أن الحل لا يكمن فقط في انتظار رفع العقوبات ، بل في إيجاد حلول من الداخل .

لماذا لا يتم تعزيز الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الخارج ؟

ولماذا لا تُفتح الأبواب أمام المستثمرين المحليين بدلًا من انتظار الاستثمارات الخارجية المشروطة ؟

إن تحفيز القطاعات الإنتاجية ، سواء الزراعة أو الصناعة ، يمكن أن يكون بداية لتعافٍ اقتصادي حقيقي ، بعيدًا عن المسكنات المؤقتة .

 

إعادة الإعمار : لا مجال للعشوائية

لقد دُمرت مدن بأكملها خلال الثورة ، ولا تزال هناك مناطق غير صالحة للسكن ، بينما يواجه النازحون واللاجئون صعوبات في العودة بسبب غياب البنية التحتية والخدمات الأساسية .

لكن إعادة الإعمار ليست مجرد عملية بناء حجارة ، بل هي إعادة بناء دولة على أسس صحيحة ومدروسة .

لا يمكن أن تتم هذه العملية في ظل الفساد والمحسوبيات التي كانت أحد أسباب انهيار الدولة في المقام الأول .

يجب أن تكون هناك رؤية واضحة ومستدامة ، تعتمد على الشفافية ، وتستفيد من الشراكات الاقتصادية دون المساس بالسيادة الوطنية .

 

المصالحة الوطنية :

دون المساس بهيبة الدولة، لا شك أن الحرب خلفت انقسامات عميقة بين أبناء الوطن ، لكن المصالحة الحقيقية لا تعني التغاضي عن الجرائم أو تقديم تنازلات على حساب الدولة .

من تورط في الإجرام بحق الشعب السوري وساهم بالفوضى لا يمكن أن يكون جزءًا من المستقبل ، والمحاسبة العادلة يجب أن تكون أساس أي مصالحة .

أما المواطن السوري العادي ، الذي وجد نفسه في وسط الصراع دون أن يكون له يد فيه ، فهو يستحق العودة إلى وطنه بأمان ، وأن يكون جزءًا من عملية إعادة البناء ، دون خوف أو إقصاء .

 

إصلاح القضاء والعدالة الإنتقالية وسيادة القانون

ترسيخ مبدأ العدالة الإنتقالية ، وتوعية الشعب بهذا الإطار ، إن القضاء المستقل هو أساس أي دولة قوية .

النظام القضائي بحاجة إلى إصلاحات حقيقية تضمن استقلاليته ، وتمنع أي تدخلات سياسية أو أمنية في قراراته ،تحديث القوانين ، وتسريع المحاكمات ، وضمان حقوق المواطنين في التقاضي العادل ، كلها خطوات ضرورية لبناء ثقة الشعب في مؤسسات الدولة . 

 

السياسة الخارجية :

كسر العزلة والتعامل وفق المصالح، سوريا بحاجة إلى إعادة ترتيب علاقاتها الخارجية ، فالعزلة السياسية والاقتصادية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد .

هناك اليوم بوادر لإنفتاح عربي وغربي على دمشق ، وهو أمر يجب استثماره بحكمة ، بعيدًا عن أي تنازلات تمس السيادة .

في الوقت ذاته ، لا بد من سياسة خارجية متوازنة ، تضمن لسوريا استعادة دورها الإقليمي والدولي ، دون أن تقع في فخ التحالفات التي قد تجرها إلى أزمات جديدة .

 

اللاجئون :

العودة بكرامة ولكن 

عودة اللاجئين السوريين يجب أن تكون أيضًا من الأولويات ، لكنها لا يمكن أن تتحقق دون ضمان بيئة آمنة لهم ، ليس فقط أمنيًا ، ولكن أيضًا اقتصاديًا واجتماعيًا.

هناك من يخشى العودة بسبب الإنفلات الأمني ، والظروف المعيشية الصعبة ، وشبه إنعدام الخدمات الأساسية ، وعدم وجود فرص عمل كافية ، وهذا يتطلب أن تكون الدولة قوية وملمة بمتطلبات الشعب ومواكبة للحداثة والتطور .

الحل يبدأ بتحسين الأوضاع داخل البلاد ، وتقديم ضمانات حقيقية للعائدين ، بعيدًا عن أي استغلال سياسي لهذا الملف .

 

الفساد :

عقبة يجب كسرها، إذا كان هناك مرض مزمن عانت منه الدولة السورية قبل الحرب ، فهو الفساد بلا شك .

لقد كان هذا السرطان أحد العوامل التي أدت إلى انفجار الأوضاع ، واليوم لا يمكن إعادة بناء دولة حديثة دون اجتثاثه من جذوره .

المحاسبة والرقابة يجب أن تكون شاملة ، من أعلى الهرم إلى أدناه ، وإلا فإن أي إصلاح اقتصادي أو سياسي سيكون بلا معنى .

 

الخدمات الأساسية :

الحياة الكريمة حق لكل مواطن، بعد سنوات من الحرب ، بات المواطن السوري يواجه صعوبة حتى في الحصول على أبسط حقوقه الأساسية ، من كهرباء ومياه وتعليم وصحة .

لا يمكن بناء دولة دون توفير هذه الخدمات للمواطنين ، ولا يمكن مطالبة الناس بالصبر أكثر مما صبروا .

يجب أن تكون هناك خطط طارئة لمعالجة هذه الأزمات ، بالتوازي مع خطط طويلة المدى تضمن استدامة هذه الخدمات وتحسين جودتها .

 

الإيمان بالشباب : طاقة ومستقبل سوريا

إن كان هناك من دفع الثمن الأكبر خلال هذه الثورة ، فهم الشباب السوريون . فقدوا أحلامهم وفرصهم ومستقبلهم ، حتى باتت الهجرة هي الخيار الوحيد أمامهم .

لا يمكن لسوريا أن تنهض دون شبابها ، ولا يمكن بناء اقتصاد دون طاقات جديدة ، ولا يمكن الحديث عن مستقبل دون جيل قادر على قيادته .

الحل يبدأ بخلق فرص عمل ، وتحفيز المشاريع الناشئة ، والثقة بهذا الجيل بأنه قادر على بناء وقيادة وطنه .

 

بين التحديات والفرص : القرار اليوم بيد الحكومة

 

نعم سوريا تواجه تحديات هائلة ، لكن هذا ليس قدرًا محتومًا .

القرار الأن بيد الإدارة الإنتقالية ، بيد من يملك السلطة الأن ، والقدرة على التغيير .

التحديات لن تحل نفسها ، والفرص لن تأتي إذا لم يتم استغلالها .

إما أن تكون هذه المرحلة بداية لعهد مزدهر ومستقر يتم فيه تصحيح الأخطاء السابقة ، واتخاذ القرارات الصعبة ، وإعادة بناء الدولة على أسس سليمة ، أو أن تبقى سوريا عالقة في دائرة الأزمات ، بلا أفق ولا حلول .

لقد صبر السوريون بما فيه الكفاية ، وحان الوقت لكي يحصلوا على دولة تستحق تضحياتهم ، دولة قوية ، عادلة ، مستقرة ، وقادرة على منحهم حياة كريمة ومستقبلًا آمنًا .

 

 

بقلم : أحمد السالم

شاهد أيضاً

ماهي الشروط الأمريكية لرفع العقوبات عن سوريا

واشنطن  الشرق نيوز حصري: الولايات المتحدة قدما لسوريا قائمة شروط لتخفيف جزئي للعقوبات واشنطن / …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

ستة عشر + 18 =