سياسات القيادة السورية الجديدة على الصعيد الداخلي والخارجي تبعث على التفاؤل
بقلم : محمد عثمان
شكلت سياسة رئيس القيادة السورية الجديدة، أحمد الشرع، المنفتحة على السلام وحماية الأقليات، منذ بداية عمليته العسكرية “ردع العدوان” التي انتهت بانهيار حكم نظام الأسد، وانتصار الثورة وسيطرتها على العاصمة دمشق، عاملًا رئيسيًا في رسم نموذج قدم خطابًا متصالحًا مع دول الجوار ومع دول الغرب والعالم بعد استلام مقاليد السلطة في العاصمة، الأمر الذي فسره تقاطر وفود الدول الغربية والعربية إلى العاصمة دمشق، متجاوزة التصنيفات التي وضعت هيئة تحرير الشام في خانة المنظمات الإرهابية، ويبشّر بدخول البلاد في علاقات تعاونية تعود بالنفع على جميع قطاعات الدولة.
حيث تعمل القيادة السورية الجديدة على تحقيق تطلعات السوريين بتحقيق وعود الثورة السورية، التي اندلعت في منتصف مارس/ آذار 2011، والمتمثلة في بناء سوريا جديدة وفق مبادئ التعددية والمواطنة المتساوية وسيادة القانون.
ويعوّل السوريون على الإشارات الإيجابية التي صدرت من القيادة الجديدة، والتي جسدتها في التعامل المنفتح مع كافة أطياف المجتمع وإقرارها بالحق في ممارسة كافة الشعائر والطقوس الدينية، وعدم التدخل في الحريات الشخصية، سواء المظهر أم اللباس.
وابتداءً من فرض القانون وبسط الأمن وسحب السلاح وحصره بيد الدولة، وتوحيد الفصائل المسلحة تحت مظلة وزارة الدفاع، وحماية البعثات الدبلوماسية والسفارات، مرورًا بمنع خطاب الكراهية والأعمال الانتقامية المبنية على أساس طائفي، وصولًا إلى حماية الأقليات تحت راية “سوريا واحدة للجميع”، استطاعت القيادة السورية الجديدة اكتساب ثقة المجتمع داخليًا، والحصول على قدر ليس بقليل من الشرعية الدولية على الصعيد الخارجي، وان لم تكن بشكل رسمي.
وعلى مستوى الخارج، الذي يحفل بتحديات كثيرة، رحبت دول عديدة بعمل القيادة الجديدة، وأبدت استعدادها للمساعدة في تسهيل عملية الانتقال السياسي والتعافي الاقتصادي، وإعادة الإعمار، فيما لم تخفِ دول أخرى في الإقليم معارضتها ورفضها هذا النموذج.
بالمقابل، أدركت القيادة الجديدة أهمية علاقاتها الدولية والعربية، فأرسلت رسائل طمأنة عديدة لدول الجوار والعالم؛ مفادها أن سوريا لن تكون عامل عدم استقرار، بل ستتبع سياسة صفر مشاكل معها، خصوصًا لدول كانت تعتبر حليفة لنظام الأسد البائد بشكل أو بآخر، وذلك لأهمية التعاون مع جميع الدول الفاعلة الإقليمية والمعنية بالملف السوري التي تُعتبر عناصر أساسية في المشهد الجيوسياسي للشرق الأوسط.
وعلى سبيل المثال، بعد أن وصف رئيس القيادة السورية الجديدة، احمد الشرع، العلاقات مع روسيا بـ “الاستراتيجية والقديمة”، قوبل ذلك بحسن نية من قبل الحكومة الروسية، وهذا مثله تصريح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي قال فيه أن “روسيا تؤكد التزامها بالتسوية الشاملة للوضع في سوريا، وأن السوريين أنفسهم هم من يقررون مستقبل بلادهم”، مضيفًا أن “روسيا مستعدة لمواصلة تقديم الدعم للشعب السوري والمساعدات الإنسانية حتى استعادة الوضع في البلاد بالكامل”.
كما أكد من جهته وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استعداد بلاده للمساهمة في دفع مسار العملية السياسية في سوريا، وقال إن موسكو “لم ولن تنسحب من الشرق الأوسط” مشدداً على استمرار التواصل مع القيادة السورية الجديدة.
وحمل الوزير الروسي خلال مؤتمر صحافي في موسكو عقده مؤخرًا، النظام السوري السابق المسؤولية عن تدهور الوضع في البلاد. وقال إن “عدم رغبة النظام السوري السابق في تغيير أي شيء، وتقاسم السلطة مع المعارضة كان من أهم أسباب انهياره”.
وتجدر الإشارة إلى أن روسيا كانت قد أوقفت شحنة كبيرة من القمح كانت متجهة إلى سوريا بعد سقوط نظام الأسد، الأمر الذي قد يتغير في المستقبل القريب مع تبادل الرسائل الودية بين موسكو ودمشق، بالإضافة إلى ذلك، أشار محللون ومراقبون إلى أن القيادة السورية الجديدة قد تسعى للاعتماد على روسيا في إعادة بناء الجيش وتزويده بالسلاح والعتاد، وحتى المشاركة في بناء البنى التحتية الحيوية، الأمر الذي شهدته عدة دول عربية.
في الختام وفي ظل الظروف الراهنة، تواجه القيادة السورية الجديدة جملة من التحديات التي تتطلب إدارة واعية وعلى قدر كبير من المسؤولية والصبر والحكمة والخبرة للنهوض بالبلاد وإعادة بناء ما هدمته الأزمة، الأمر الذي تتمتع به هذه القيادة بحسب المراقبين وتعكسه سياساتها الحالية سواءً الداخلية أو الخارجية.