هل ستؤدي مفاوضات دمشق وقسد إلى اتفاق أم تصعيد؟
سامر الأحمد
يتضح أن المفاوضات بين القيادة الجديدة في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية (قسد) تواجه عقبات كبيرة بسبب الخلافات حول الهيكلية العسكرية والمطالب الإدارية. تعكس هذه الخلافات صعوبة التوصل إلى تفاهم مشترك بين الطرفين. ومع استمرار هذه التحديات، تتزايد الأحاديث حول احتمال تصعيد عسكري في شرق سوريا، وسط مخاوف السكان المحليين وجهود الوساطة الدولية لاحتواء الأزمة ودفع المفاوضات نحو التقدم.
بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد على يد المعارضة المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام (HTS) في 8 ديسمبر، تمكنت الإدارة الجديدة خلال أيام قليلة من فرض سيطرتها على ثلثي البلاد. ومع ذلك، لا تزال مناطق شرق سوريا تحت سيطرة قسد، حيث تصاعدت الاشتباكات بين قسد والفصائل المدعومة من تركيا في الشمال.
المفاوضات المباشرة
في البداية، بدت الإدارة الجديدة في دمشق وقسد غير مهتمتين بتصعيد التوترات. ظهرت إشارات إيجابية من خلال تصريحات أحمد الشرع، قائد هيئة تحرير الشام والرئيس الفعلي للدولة السورية، ومازلوم عبدي، قائد قسد. بعد زيارة باربرا ليف، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى، لسوريا في ديسمبر، بدأت مفاوضات مباشرة في دمشق في 30 ديسمبر، حيث اجتمع وفد قسد بقيادة عبدي مع الشرع وقدم الطرفان مطالبهما.
وفقًا لمستشار في الإدارة بدمشق، الذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته، كان الاجتماع إيجابيًا. قدم الشرع خارطة طريق لحل قضية شرق سوريا وأكد على ضرورة بسط سيطرة الحكومة الجديدة على الأراضي السورية كافة. كما طالبت دمشق بإخراج مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) غير السوريين من الأراضي السورية. وتعهدت بدمج الأفراد أو الوحدات المهنية من قسد في الجيش السوري الجديد بناءً على الكفاءة، مع رفض دمج قسد ككتلة موحدة أو بنظام الحصص.
في المقابل، أبدت دمشق استعدادها لاستيعاب مؤسسات الإدارة الذاتية الكردية بإعادة هيكلتها لتتوافق مع باقي الهيئات الحكومية. كما التزمت بضمان عودة جميع النازحين، خاصة الأكراد من عفرين، ومعالجة المظالم التاريخية التي واجهها المجتمع الكردي بمنحهم حقوق المواطنة الكاملة. ومع ذلك، أكدت دمشق أن قسد لا تمثل الأكراد فقط بل تضم مجموعات أخرى. كما عرضت الحكومة التوسط بين قسد وتركيا لحل قضية المقاتلين الأتراك الراغبين في العودة إلى بلادهم. وبالنسبة لمعتقلي تنظيم داعش، أبدت دمشق استعدادها لتولي المسؤولية عنهم ونقلهم إلى مناطق آمنة.
من جهة أخرى، وصف ماجد الكرو وأعضاء آخرون من مجلس سوريا الديمقراطية (SDC) الاجتماع الأول بالإيجابي. قدمت قسد مطالبها التي تضمنت دمجها ككتلة موحدة في الجيش السوري الجديد، وتطبيق اللامركزية الإدارية في المناطق التي تسيطر عليها، وتسليم حقول النفط بشرط توزيع عائداتها بالتساوي بين المناطق السورية.
اختتم الاجتماع بالاتفاق على تشكيل لجان متابعة. وفي تصريح علني، أكد عبدي التزام قواته بوحدة الأراضي السورية واستعداد قسد للتكامل مع الدولة السورية على أساس الشراكة بدلاً من الحصص. وشدد على ضرورة وضع خارطة طريق مشتركة لتنفيذ عملية الاندماج بسرعة وفعالية.
رفض عبدي لفكرة الحل الكامل لقسد
مع ذلك، رفض مازلوم عبدي فكرة حل قسد بالكامل لصالح دمجها ككيان موحد داخل الجيش السوري، محذرًا من أن هذا قد يخلق فراغًا أمنيًا خطيرًا في المناطق الحدودية. ودعا إلى إنشاء لجنة عسكرية مشتركة لدراسة آليات الاندماج. كما أكد عبدي على أهمية الوحدة الكردية والحوار السلمي مع دمشق لضمان حقوق الشعب الكردي ضمن دولة سورية موحدة. في الوقت نفسه، دعا لاعتماد اللامركزية الإدارية لتمنح صلاحيات واسعة لجميع المكونات العرقية والدينية، وشدد على ضرورة وقف الهجمات التركية التي تسببت بمآسٍ إنسانية وتهجير جماعي. كما سلط الضوء على أهمية استمرار الوجود الأمريكي لضمان الاستقرار ومواجهة تهديد تنظيم داعش.
زيارة إقليم كردستان العراق
بعد اجتماعه مع أحمد الشرع، قام عبدي بزيارة نادرة إلى إقليم كردستان العراق حيث التقى الزعيم الكردي مسعود بارزاني. هدفت الزيارة إلى توحيد الموقف الكردي في سوريا بدعم من القيادة الإقليمية، مع التأكيد على ضرورة تحديد الأحزاب الكردية لمصيرها بسلام. دعا بارزاني إلى انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) من سوريا وإبرام اتفاق مع دمشق يضمن حقوق الأكراد. كما ناقش الطرفان تشكيل وفد كردي مشترك لتعزيز الوحدة ومواجهة التحديات.
الخيارات المطروحة أمام قسد
ردًا على الانتقادات التي طالت مبادرة بارزاني، أشار مسؤول كبير في المجلس الوطني الكردي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إلى أن قسد تواجه خيارين: إما الانفصال عن حزب العمال الكردستاني والاندماج في الجيش السوري بدعم دولي وإقليمي، أو رفض هذه الشروط والمخاطرة بمواجهة مع دمشق، فقدان الدعم الدولي، وهجمات تركية وسط توافق دولي على وحدة سوريا.
التصعيد الأخير
في الأيام الأخيرة، ازدادت تعقيد التطورات مع استمرار الاشتباكات حول سد تشرين بمحافظة حلب، ما أدى إلى مئات الضحايا. ربط حزب العمال الكردستاني انسحابه من سوريا بضمانات باستمرار سيطرة قسد على شرق البلاد وإنهاء التهديدات التركية. في غضون ذلك، تبنى وزير الخارجية السوري أسعد حسن الشيباني لهجة تصعيدية، قائلاً إن وجود قسد في شمال وشرق سوريا “لم يعد مبررًا”. كما أكد وزير الدفاع السوري مرهف أبو قسرة على رفض فكرة دمج قسد ككتلة عسكرية ضمن الجيش، مشددًا على أن الحكومة مستعدة لاستخدام القوة إذا لزم الأمر.
الاتهامات الموجهة إلى قسد
مصدر حكومي أكد للكاتب أن دمشق مستاءة من تصريحات عبدي، واعتبرتها رفضًا ضمنيًا لمقترحاتها، مرجعًا ذلك إلى الضغوط الكبيرة التي يواجهها عبدي من حزب العمال الكردستاني المدعوم من إيران. اعتبرت الحكومة أن موقف عبدي سلبي وغير مشجع لاستمرار المفاوضات، واتهمت إيران بمحاولة إفشال المحادثات عبر علاقتها بحزب العمال الكردستاني. بعد ذلك، وردت تقارير تفيد بأن حزب العمال الكردستاني نفذ أربع هجمات بسيارات مفخخة في منبج وتل رفعت ودير جمال بريف حلب في أواخر ديسمبر وأوائل يناير، متزامنة مع حوادث أمنية في المناطق الساحلية، وجاءت بعد تهديدات من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ووزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بنشر الفوضى في سوريا.
تصعيد التوترات
خلال هذه الفترة، شهدت المناطق الخاضعة لسيطرة قسد تصعيدًا كبيرًا في التوترات الأمنية، بما في ذلك انشقاقات كبيرة بين الأعضاء العرب في قسد، واحتجاجات ضد هيمنتها الأمنية، والتجنيد الإجباري للشباب، واعتقال النشطاء المناهضين لقسد في الرقة، دير الزور، والحسكة. وفقًا لتقارير إعلامية وناشطين في المنطقة، فرضت “الشبيبة الثورية” التابعة لحزب العمال الكردستاني (PKK) ضرائب باهظة على أصحاب المتاجر، وأجبرت الموظفين في المناطق الخاضعة للإدارة الذاتية على المشاركة في مظاهرات إلزامية لدعم قسد. كما فرضت مناهج تعليمية خاصة بقسد على السكان العرب والسريان بالقوة، وأغلقت المؤسسات الحكومية التابعة لدمشق.
يخشى سكان شمال سوريا من تصعيد عسكري تركي مشابه لما حدث في عفرين، رأس العين، ومنبج، والذي قد يؤدي إلى نزوح جماعي، وتدمير البنية التحتية، وظهور الفصائل المدعومة من تركيا التي اشتهرت بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان في المناطق التي سيطرت عليها سابقًا.
أكد عضو مجلس سوريا الديمقراطية ماجد الكرو على رغبة قسد في استمرار المفاوضات من خلال لجان متخصصة، حيث يقدم الطرفان تنازلات للوصول إلى حل يرضي جميع السوريين دون تدخل خارجي، خاصة من تركيا. بينما ذكرت رويترز أن المفاوضات مستمرة بوساطة دولية، نفى مصدر حكومي ذلك في حديث مع الكاتب، موضحًا أن الحكومة السورية قررت تعليق المحادثات وأرسلت تعزيزات عسكرية إلى شرق سوريا تحضيرًا لسيناريوهات مختلفة. وأضاف أن دمشق ما زالت منفتحة على الحوار إذا عادت قسد، بقيادة عبدي، إلى المفاوضات وأظهرت جدية في اتخاذ قرارات مستقلة بعيدًا عن حزب العمال الكردستاني وداعميه الإيرانيين، بناءً على السيادة السورية كما حددتها اجتماعات دمشق. في مقابلة مع قناة تلفزيونية تركية بتاريخ 23 يناير، صرّح أحمد الشرع قائلاً: “نحن نفكر في التفاوض والجلوس معهم. هدفنا هو إيجاد أرضية مشتركة.”
السيناريوهات المحتملة
تبدو المفاوضات المباشرة متوقفة، لكن كل المؤشرات تشير إلى أن مصير قسد وشرق سوريا مرتبط باتفاقيات إقليمية ودولية. الجميع ينتظر موقف الإدارة الأمريكية الجديدة من الشرق الأوسط وسوريا، حيث مارست تركيا ضغوطًا كبيرة لتحقيق مكاسب وفرض وقائع على الأرض قبل تنصيب دونالد ترامب وأي سياسات لاحقة. في الوقت نفسه، يبدو أن قسد تماطل على أمل كسب دعم دولي لتخفيف الضغوط التركية. ومع ذلك، قد تدفع التحديات الداخلية الأكراد إلى حل هذه القضية بسرعة. وسط هذا التصعيد، تشمل السيناريوهات المحتملة:
نجاح المفاوضات:
في هذا السيناريو، يتم التوصل إلى حل وسط بين الحكومة السورية وقسد لتحقيق الاستقرار في المنطقة دون إنشاء نظام فيدرالي خاص. يسمح هذا السيناريو لدمشق بفرض سيادتها، خاصة على الحدود وحقول النفط، مع منح قسد مواقع عسكرية وإدارية ضمن الهيكل الجديد. ومع ذلك، تبدو فرص هذا السيناريو ضعيفة بسبب صعوبة إزالة مقاتلي حزب العمال الكردستاني، واستمرار الضغط التركي على دمشق، والحاجة إلى التعاون الدولي لضمان الاستقرار في شرق سوريا.
فشل المفاوضات وتصعيد الصراع:
يؤدي هذا السيناريو إلى تصعيد عسكري كبير في الشمال، حيث تواجه تركيا وفصائلها قسد، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة بين المدنيين وتدمير البنية التحتية. قد يؤدي ذلك أيضًا إلى تفاقم الاستقطاب العرقي وزيادة نشاط داعش. من جهة أخرى، قد تواجه دمشق زعزعة استقرار في الجنوب والمناطق الساحلية بسبب تركيزها على معارك الشرق.
مفاوضات متعثرة مع تصعيد تكتيكي:
في هذا السيناريو، قد تلجأ دمشق إلى عمليات عسكرية محدودة عند نقاط استراتيجية، بالتزامن مع تصعيد تركي في الشمال، للضغط على قسد للعودة إلى طاولة المفاوضات. لكن هذا الجمود المطول قد يؤدي إلى أزمات أمنية طويلة الأمد. قد تحاول قسد تكرار استراتيجياتها في 2019، عندما اقترحت انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني ونشر قوات حكومية على الحدود بوساطة روسية. لكن هذه الاستراتيجية قد تكون أقل فاعلية الآن بسبب غياب النفوذ الروسي الكافي واحتمال اتفاق مفاجئ بين إدارة ترامب وأنقرة.
العلاقات الأمريكية مع قسد
تركز العلاقة بين الولايات المتحدة وقسد على منع عودة داعش وضمان الاستقرار في المنطقة. ينبغي على إدارة ترامب اتخاذ خطوات لتحسين العلاقات بين قسد ودمشق لتجنب عودة الصراع. يمكن أن تشمل هذه الخطوات رفع بعض العقوبات وإزالة المكافآت المتعلقة بأحمد الشرع، وربما إزالة هيئة تحرير الشام من قوائم الإرهاب إذا تغير سلوك الإدارة السورية.
في هذا السياق، يجب على واشنطن الضغط على كل من دمشق وقسد لإظهار مرونة أكبر في المفاوضات، من أجل التوصل إلى اتفاق يمنع عودة داعش، يضمن حقوق الأكراد، يدمج قادة قسد في المؤسسات الوطنية، ويعيد بناء الجيش الوطني مع الحفاظ على وحدة سوريا. في المقابل، يجب على قسد الالتزام بالمعايير الوطنية وقطع علاقاتها مع حزب العمال الكردستاني وتخفيف القيود على المدنيين. أما دمشق، فيجب أن تقدم ضمانات حقيقية لحماية حقوق الأكراد والقبائل العربية.
الوضع الإقليمي ودور الولايات المتحدة
فيما يتعلق بوضع القوات الأمريكية في شرق سوريا وقاعدة التنف القريبة من الحدود الأردنية، يجب إيجاد حل يحمي مصالح واشنطن ويحافظ على التوازن الإقليمي مع احترام سيادة الحكومة السورية الجديدة. قد تدعو إدارة ترامب إلى انسحاب مشروط يعتمد على تحقيق استقرار مستدام في سوريا أو إضفاء الشرعية على الوجود الأمريكي عبر اتفاق مع الحكومة السورية، يشبه الاتفاق الذي أُبرم في العراق بعد سقوط نظام صدام حسين.
إقليميًا، ينبغي على الإدارة الأمريكية التنسيق مع تركيا لضمان انسحاب مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) من سوريا واحترام سيادة الدولة السورية. كما أن التنسيق مطلوب لمعالجة قضية معتقلي داعش عبر نقل مسؤوليتهم إلى دمشق وإنشاء محكمة خاصة بإشراف تحالف دولي. هناك أيضًا حاجة ملحة لإطلاق برنامج شامل لمكافحة الأيديولوجيات المتطرفة لضمان عدم عودة داعش. أخيرًا، يجب على الولايات المتحدة العمل على شراكة استراتيجية مع الحكومة السورية الجديدة ضمن تحالف إقليمي يضم السعودية، مصر، قطر، وتركيا، بهدف مكافحة الإرهاب ومنع إيران من توسيع نفوذها مجددًا في سوريا.
الخاتمة
تصل المفاوضات بين دمشق وقسد إلى نقطة مفصلية حرجة، حيث تواجه تحديات تتمثل في المطالب المتباينة للطرفين، الضغوط الإقليمية والدولية، وخطر تصعيد عسكري يلوح في الأفق. يعتمد مستقبل شرق سوريا على صياغة اتفاقيات دولية قادرة على تحقيق استقرار دائم في ظل تحديات أمنية معقدة، مخاوف من عودة داعش، واحتمالات تصعيد عسكري. وبينما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على وجودها وضمان استقرار المنطقة، فإن نجاح هذه الجهود يعتمد على قدرة الأطراف الرئيسية على إيجاد أرضية مشتركة وتنفيذ حلول عملية. ومع استمرار الجمود الحالي، يبقى شرق سوريا أمام خيارين: تسوية سياسية شاملة أو تصعيد جديد قد يزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية والأمنية.
المصدر : معهد الشرق الأوسط واشنطن
mei.edu/publications/w…