الخميس , سبتمبر 19 2024
الرئيسية / كلام سوريين / حمدو المحظوظ أم …..حمدو الناجي ؟ 

حمدو المحظوظ أم …..حمدو الناجي ؟ 

حمدو المحظوظ أم …..حمدو الناجي ؟ 

هناء درويش 

 

لم يكنْ حمدو طفلاً جيدَ الحظِّ قياساً بمعنى محظوظِ اجتماعياً

لكنه كان محظوظاً مقارنةً بأبناءِ جيلِهِ فقد نجا من الموتِ أكثرَ من مرةٍ 

الأولى حينَ قُصِفَتْ مدرستُهُ و الثانية يومَ قُصِفَ البناءُ المقابلُ لبيتِهِم.

 

حمدو اليومَ شابٌ في العشرينَ من عُمُرِهِ عاشَ طفولتَهُ في قلبِ الصراعاتِ و الحربِ والمعاناةِ اليوميةِ في وطنِهِ الذي تعبَت أرضُه من قسوةِ الحروبِ و الدمار .

لم يكن خيارُهم الأفضل خيارَ مغادرةِ بيتِهِم رغمَ تمسُّكِ الأمِّ بهِ لكنَّهُ كان خيارَ النجاةِ .

 

مع انتقالِهم إلى تركيا… بدأتْ معاناةُ حمدو الحقيقيةِ 

 فلم تكنِ اللغةُ وحدَها التحديَ الوحيدَ بل كانتِ التحدياتُ الاجتماعيةُ والعنصريةُ أيضاً تلوحُ في الأفق 

تعرَّضَ لمواقفَ تمييزٍ وظلمٍ في المدرسةِ وفي الحياةِ اليوميةِ رغم محاولةِ والدتهِ الوقوفَ إلى جانبِه لكنها باتتْ تشعرُ بالعجزِ أمامَ تفاقمِ الأزماتِ التي يواجهُها 

بعد صبرِه المريرِ وتكرارِ الفشلِ في بلادٍ لم يجدْ فيها ذاتَه قررَ حمدو أن يركبَ طريقَ الموتِ والهجرةِ باحثاً عن أحلامهِ التي تلاشت وضاعَتْ خلالَ بحثِهِ عن تحقيقِها.

وبدأتِ المحاولاتُ بكلِّ الطرقِ براً وبحراً محفوفةً بالمخاطرِ مكللةً بالفشل .

ومعَ كلِّ محاولةٍ تنتهي بإلقاءِ القبضِ عليه وعلى رفاقِ دربِهِ حيثُ كان حرسُ الحدودِ يُجردُهم من ثيابِهم 

كان حمدو يعودُ لعائلتِهِ عارياً من كلِّ شيءٍ إلا من تصميمِهِ على معاودةِ الكرةِ

حتى خارَت قواهُ وسقطَ بعد أن التوى كاحلُهُ وعادَ مجبراً لينتظرَ الصيفَ القادمَ .

الصيفُ لحمدو وأبناءِ جيلِهِ ليسَ للسياحةِ والترفِ وإنما لركوبِ طريقِ الموتِ بمختلفِ أشكالِهِ 

في خضمِّ هذه التحدياتِ يصحو حمدو مع عائلتِه على وقعِ زلزالٍ قلبَ حياتَهم رأساً على عقبٍ وزادَهم تشرداً وضياعاً حينَ وجدَ نفسَه و أسرَته يقفُ على الثلجُ متأملاً منزلَهُ الذي دمرَه الزلزالُ 

عادت به الذاكرةُ إلى اللحظةِ التي تهدمَ بها ذلك البناءُ المقابلُ لبنائِهم ودُفنَ تحتَه كلُّ من فيه من بشرٍ وحجرٍ ودُفنَت معه أحلامُهم وذكرياتُهم وحياةٌ كاملةٌ كانوا يعيشونها.

لم يلسعٔهُ حينَها صقيعُ الثلجِ الذي وقفَ حافياً فوقَه بقدرِ ما لسعتْهُ الذكرى المؤلمةُ في بلادِ الغربةِ القاسيةِ .

وسْطَ هذهِ الفوضى انطلقتْ صرخةُ هلعٍ من قلبِ أمِّ حمدو أسكتَتْ كلَّ الأصواتِ التي لفتْ المكانَ حينَ رأتْ حمدو يركضُ نحوَ البناءِ المهددِ بالانهيارِ ليخطوَ في محاولةٍ يائسةٍ لإنقاذِ قطهِ الصغيرِ مغامراً بحياتِهِ. كانت عينا الأمِّ تُتابعانِ خطواتِه بقلقٍ مرير و بينما تسارعَت خطواتُ حمدو باتجاهِ الخطرِ تبعتْهُ …لكنها وقعَتْ وانهارتْ أمامَ البناءِ 

 شعرَتْ كأنَّ روحَها صعدَتْ وتعلقَتْ بينَ السماءِ والأرضٍ وماهيَ إلا دقائقُ حتى عادَ حمدو حاملاً قطَهُ الصغيرَ بين ذراعيهِ لتعودَ لهذه الأمِّ البائسةِ الروحُ من جديدٍ .

عانَتْ عائلةُ حمدو كما غيرُها من أضرارِ زلزالِ الطبيعةِ وزلزالِ المتغيراتِ في البلاد ِ .

وبعدَ فترةٍ من التشردِ بينَ الولاياتِ رجعَ حمدو مع عائلتِهِ إلى ولايتِهم وعادَ للبحثِ عن عملٍ وبناءِ مستقبلٍ جديدٍ كما كان يخططُ هو ووالدتُهُ لكن هيهات هيهات ….

فقد رمى أحدهُم ورقة الترحيلِ في وجهِ حمدو ومن يشبهُه وبدأتِ الحملةُ التي طالَت الكثيرَ من الشبابِ ولاحقتِ الكثيرَ منهم وكان حمدو من بينِ الملاحقين مما اضطرّه للعودةِ لطرقاتِ الموتِ حيثُ قررَ إما أن يعبرَ أو يموتَ وهو يحاولُ وكانت دعواتُ والدتِه ودموعُها زادَه في تلكَ الرحلةِ التي انتهى مطافُه فيها في العاصمةِ اليونانيةِ أثينا

حمدو الآنَ يعيشُ في ظلِّ هذا الجوِّ المترددِ بينَ الأملِ واليأسِ حيثُ يبحثُ عن هويتِه المفقودةِ 

و عن فرصةٍ للعيشِ بكرامةٍ وهو على يقينٍ أنَّ المصاعبَ والمحنَ التي توالَتْ عليه حتى ضاقَت به الدنيا ستستمرُ وأنه سيخوضُ حرباً مع ذاتِه ومع الظروفِ القاسيةِ لاستعادةِ بريقِ الحياةِ في عينيهِ وفي قلبِ والدتِه، التي تترقبُ عودتَهُ لها بفارغِ الصبرِ 

مؤمنةً بقوةِ إرادتِهِ وصلابتِهِ في مواجهةِ الصعابِ 

فهي تؤمنُ أنَّ الأملَ سيهزمُ اليأسَ في قلبِ حمدو، الذي ينتظرُ بصبرٍ وصمودٍ تحقيقَ حلمِهِ بالعيشِ بحريةٍ وكرامةٍ .

يأملُ حمدو أن تكون نهايةَ هذه المأساةِ بدايةً لحياةٍ جديدةٍ تضيءُ فيها شمسُ الأمل وتنعمُ فيها أرواحُ البشرِ بالسلامِ والأمانِ في جميعِ الأوطانِ .

شاهد أيضاً

ساعة كاسيو من منبج

  محمد الحمد  كل ساعات اليد التي امتلكتها في التسعينات، خلال طفولتي، كانت ساعات رقمية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

واحد × 2 =